التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
7076 7514 - حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، أن رجلا سأل ابن عمر: كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى؟ قال: " يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم ".

وقال آدم: حدثنا شيبان، حدثنا قتادة، حدثنا صفوان، عن ابن عمر: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - .


ذكر فيه عدة أحاديث:

[ ص: 458 ] حديث حميد عن أنس - رضي الله عنه - في الشفاعة مختصرا، وفيه: "من كان في قلبه أدنى شيء". فقال أنس - رضي الله عنه - : كأني أنظر إلى أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ساقه مطولا.

وحديث عبيدة، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا من النار". الحديث، وقد سلف.

وحديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - : "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه" الحديث.

ذكره من حديث الأعمش، عن خيثمة، عن عدي، ثم قال: قال الأعمش: وحدثني عمرو بن مرة، عن خيثمة مثله، بزيادة: "ولو بكلمة طيبة". الحديث.

وحديث عبيدة، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: جاء حبر من اليهود فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات على إصبع. الحديث، وقد سلف.

وحديث صفوان بن محرز، أن رجلا سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - : كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى؟ فقال: لا يدنو أحدكم من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقول: أعملت كذا وكذا؟ الحديث.

ساقه عن مسدد، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن صفوان به.

ثم قال: وقال آدم: ثنا شيبان، ثنا قتادة، ثنا صفوان، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 459 ] الشرح:

قد قدمنا إثبات كلام الرب - جل جلاله - مع الملائكة المشاهدة له، وأثبت في هذا الباب كلامه مع النبيين يوم القيامة بخلاف ما حرمهم إياه في الدنيا لحجابه الأبصار عن رؤيته فيها، فرفع في الآخرة ذلك الحجاب عن أبصارهم، ويكلمهم على حال المشاهدة، كما قال - عليه السلام - : "ليس بينه وبينه ترجمان".

وجميع أحاديث الباب فيها كلام الرب - جل جلاله - مع عباده، ففي حديث الشفاعة قوله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : ( "أخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" ) إلى قوله: ( "وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله" ) فهذا كلامه لرسوله بدليل قوله: ( "فأستأذن على ربي" ) وفي بعض طرق الحديث: "فإذا رأيته أخر له ساجدا".

وكذلك قوله في حديث: آخر من يدخل الجنة، قوله تعالى له: ( "ادخل الجنة، فيقول: رب الجنة ملأى ) إلى قوله: ( "لك مثل الدنيا عشر مرات" )، فأثبت بذلك كلامه تعالى مع غير الأنبياء مشافهة ونظرهم إليه، وكذلك حديث النجوى يدنيه الله تعالى من رحمته وكرامته، ويقول له: "سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" على الانفراد عن الناس.

وقد أوضحنا الكلام في النجوى في كتاب الأدب، في باب ستر المؤمن على نفسه، فراجعه.

[ ص: 460 ] فصل:

قوله: ( "إذا كان يوم القيامة شفعت، فقلت: يا رب، أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة" ) فيه ( كلام للأنبياء ) معه لا كلامه هو.

وقوله: ( "ثم أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء" ) كذا هو في الأصول وعزاه ابن التين إلى رواية أبي ذر، وصدر أولا بقوله: ثم نقول: "أدخل الجنة" قال: ورويناه بالنون ولم نعلم من رواه بالياء قال: فإن كان روي بالياء فيكون الحديث مطابقا للتبويب ثم يقول الله، وتخرج معارضة أبي جعفر الداودي أن القائل هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال - أعني الداودي: وقوله: ( يقول النبي ) ليس في أكثر الروايات إنما فيها أن الله تعالى أمره أن يخرج من كان في قلبه، وزاد هنا: "أدنى شيء".

وقول أنس - رضي الله عنه - : كأني أنظر إلى أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يعني بقوله: أدنى شيء، وكأنه يضم أصابعه ويشير بها.

فصل:

وقوله في الحديث المطول، أعني معبد بن هلال العنزي قال: ( اجتمعنا ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهبنا معنا بثابت إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره ).

فيه: أن يقدم الرجل الذي هو من خاصة العالم يسأله.

وفيه: إباحة القصور لمن كثرت ذريته.

وقوله: ( "إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض" ) أي: اختلطوا، ومنه: ماج البحر: اختلطت أمواجه، وهذا اللفظ مزيد في هذا [ ص: 461 ] الحديث، وقال هنا: "لست لها"، وفي موضع آخر: "لست هناكم"، وأسقط هنا ذكر نوح وزاد فأقول: "أنا لها"، وزاد هنا فيقول: "يا رب أمتي أمتي" وليس ( هو ) في أكثر الروايات، قال الداودي: ولا أراه محفوظا; لأن الخلائق اجتمعوا واستشفعوا ولو كانت هذه الأمة لم تذهب إلى غير نبيها، وأول هذا الحديث ليس متصلا بآخره من قوله: "اشفع تشفع"، مع ذكر أكثر أمور ( الآخرة )، وإنما أتى فيه بأول الأمر وآخره، بقي فيه: لتذهب كل أمة مع من كانت تعبد. وبقي حديث النجوى، وحديث: يؤتى بجهنم، وحديث ذكر الموازين والصراط وسائر الصحف، والخصام بين يدي الرب - جل جلاله - ، وأكثر أمور يوم القيامة هي فيما بين أول هذا الحديث وآخره، وزاد: "فأقول: يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله"

وقوله: ( لو مررنا بالحسن وهو متوار ) أي: مستتر.

وقوله: ( هيه ) هي كلمة استزادة للكلام، عن صاحب "العين"، قال ابن التين: قرأناه بكسر الهاء من غير تنوين، ومعناه: زد من هذا الحديث، والهاء بدل من الهمزة كما أبدلت في هراق وأصله أراق.

وقال الجوهري عن ابن السري: إذا قلت: إيه يا رجل - يريد بكسر الهاء غير منونة - فإنما تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود، كأنك [ ص: 462 ] قلت: هات الحديث، وإن نونت كأنك، قلت: هات حديثا لأن التنوين ( بكسرها ) أسكته قلت: إيها عنا، وإذا أردت ( التفسير ) قلت: أيها بفتح الهمزة بمعنى هيهات.

وأما قول ذي الرمة:


وقمنا فقلنا إيه عن أم سالم وما نال تكليم الديار البلاقع



فإنه أراد إذا التنكير فتركه للضرورة، وقيل: إنما تركه (لأنه) نوى الوقف. وقوله: ( وهو جميع ) ( أي: مجتمع ) أراد أنه كان حينئذ شابا، قال الجوهري: الرجل المجتمع الذي بلغ أشده، ولا يقال ذلك للأنثى.

وقوله: ( منذ عشرين سنة )، مذ ومنذ يصح أن يكونا ( حرفا ) جر، ويصح أن يكونا اسمين; فيرفع ما بعدهما على التاريخ أو على التوقيت، تقول في التاريخ: ما رأيته منذ يوم الجمعة، أي: أول انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وفي التوقيت: ما رأيته مذ سنة، أي: أمد ذلك سنة، وناس يقولون: منذ في الأصل كلمتان: من إذ، جعلناها واحدة، ولا دليل على صحة ذلك، كما قاله في "الصحاح".

[ ص: 463 ] فصل:

قوله: ( "رجل يخرج حبوا" ). قال الجوهري: حبا الصبي على ركبتيه إذا زحف وليس هذه الكلمة في أكثر الأحاديث، ورويناه منونا على أنه مصدر.

فصل:

وقوله: ( "وينظر أشأم منه" ) أي: أيسر وهو ذات الشمال، وقوله: ( ثم يهزهن ) هي بيده. أي: يحركن بيده، يقال: هزهزه أي حركه، فهزهز.

وروي: ( فيهزهن ) أي: يحركهن، والنواجذ بين الناب والضرس، قاله ابن فارس. قال: وقيل: الأضراس كلها نواجذ.

وقال الهروي: اختلف فيها، فقال الأصمعي: هي الأضراس، وقال غيره: هي المضاحك، قال أبو العباس: الأنياب أحسن ما قيل في النواجذ; لأن الخبر أنه - عليه السلام - كان جل ضحكه التبسم.

وفي "الصحاح": الناجذ آخر الأضراس قال: وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الأرحاء ويسمى ضرس الحلم; لأنه ينبت ( بعد ) البلوغ وكمال العقل.

[ ص: 464 ] وقوله: ( فلقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا لقوله ). يعني: قول الحبر. قال الخطابي: قوله: ( تصديقا لقوله ) هو ظن وحسبان، وقد روي هذا الخبر عن غير واحد من أصحاب عبد الله من غير طريق عبيدة، فلم يذكروا فيه ( تصديقا ) لقول الحبر، قال: والضحك يدل على الرضا وعلى الإنكار أحرى، والآية محتملة الوجهين ليس فيها للأصبع ذكر، وقد ثبت قوله - عليه السلام - : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بما أنزل الله من كتاب".

والاستدلال بالتبسم والضحك في مثل هذا الأمر الجسيم غير سائغ مع تكافؤ وجهي الدلالة المتعارضين فيه، ولو صح الخبر لكان ظاهر اللفظ منه متأولا على نوع المجاز وضرب من المثل قد جرت عادة الكلام بين الناس في عرف تخاطبهم، فيكون المعنى ذلك مثل مطويات بيمينه [ الزمر: 67 ] أي: قدرته على طيها وسهولة الأمر في جمعها، بمنزلة من جمع شيئا في كله فاستخف حمله، فلم يشتمل عليه، بجميع كفه عليه لكنه نقل ببعض أصابعه، وقد يقول الإنسان في الأمر الشاق إذا أضيف إلى القوة أنه يأتي عليه بأصبع، أو أنه نقله بخنصره.

ويؤيد ما ذهبنا إليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : "يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك" وليس فيه ذكر الأصبع، وتقسيم الخليقة على أعدادها، ودل أن ذلك من تخليط اليهود [ ص: 465 ] وتحريفهم، وأن ضحكه - عليه السلام - إنما كان على معنى التعجب له والنكير، وقيل: الأصبع خلق من خلق الله تعالى.

فصل:

ومعنى: ( "يدنو أحدكم من ربه" ) أي: يقرب من رحمته، وهذا سائغ في اللغة أن يقال: إن فلانا قريب من فلان، ويراد به قريب المنزلة، وعلا هذا يقال: الله قريب من أوليائه، بعيد من أعدائه، ويدل على ذلك قوله: "فيضع كنفه عليه" لأن لفظ الكنف إنما يستعمل في مثل هذا المعنى، ومن رواه كتفه ( بالتاء ) فهو تصحيف من الراوي كما نبه عليه جمع من العلماء.

التالي السابق


الخدمات العلمية