التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
[ ص: 489 ] 39 - باب: ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والإبلاغ

لقوله - عز وجل - : فاذكروني أذكركم [ البقرة: 152 ] واتل عليهم نبأ نوح إلى قوله: من المسلمين [ يونس: 72 ]، غمة [ يونس: 71 ]: هم وضيق.

قال مجاهد: اقضوا إلي [ يونس: 71 ] ما في أنفسكم، يقال: افرق: اقض وقال مجاهد: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [ التوبة: 6 ] إنسان يأتيه فيستمع ما يقول وما أنزل عليه، فهو آمن حتى يأتيه فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاءه. النبإ العظيم [ النبأ: 2 ]: القرآن صوابا [ النبأ: 38 ] حقا في الدنيا وعمل به. [ فتح: 13 \ 489 ].


الشرح:

معنى قوله: ( باب ذكر الله بالأمر ) أي: ذكر الله لعباده يكون مع أمره لهم بعبادته ( والتزام طاعته ) أو بعذابه إذا عصوه، ويكون مع رحمته وإنعامه عليهم إذا أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه. قال ابن عباس في قوله تعالى: فاذكروني أذكركم [ البقرة: 152 ]: إذا ذكر الله العبد وهو على طاعته ذكره برحمته، وإذا ذكره على معصيته ذكره بلعنته، وعنه: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمته، ولا كافر إلا ذكره بعذابه، قال سعيد بن جبير: اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة.

[ ص: 490 ] وقوله: ( وذكر العباد بالدعاء والتضرع ) أي: في الغفران والتفضل عليهم بالرزق والهداية.

وقوله: ( والرسالة والإبلاغ ) معناه: وذكر الله الأنبياء بالرسالة والإبلاغ لما أرسلهم به إلى عباده بما يأمرهم به من عبادته وينهاهم. .

وقوله: ( واتل عليهم نبأ نوح ) [ يونس: 71 ] بهذا ذكر الله لرسوله نوحا - عليه السلام - بما بلغ من أمره وتذكيره قومه بآيات الله - عز وجل - ، وكذلك فرض على [ كل ] نبي تبليغ كتابه وشريعته.

ولذلك ذكر قوله تعالى: ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) [ التوبة: 6 ] الذي أمر بتلاوته عليهم وإنبائهم به.

وقال مجاهد: النبإ العظيم : القرآن )، وسمي نبأ; لأنه منبأ به وهو متلو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولهذا ذكر في الباب هذه الآية; من أجل أمر الله محمدا - عليه السلام - بإجارة المشرك حتى يسمع الذكر.

وقوله: ( صوابا : حقا )، ( يريد قوله تعالى: لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) يريد: وقال ( حقا ) في الدنيا وعمل به فذلك الذي يؤذن له في الكلام بين يدي الله بالشفاعة لمن أذن له.

وكان يصلح أن يذكر في هذا الباب قوله - عليه السلام - عن ربه - عز وجل - : "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" أي: من ذكرني في نفسه متضرعا ( داعيا ) ذكرته في نفسي [ ص: 491 ] مجيبا مشفقا، فإن ذكرني في ملأ من الناس بالدعاء والتضرع ذكرته في ملأ من الملائكة الذين هم أفضل من ملأ الناس - كما وقع في كتاب ابن بطال على ما نقله عن الجمهور - بالمغفرة والرحمة والهداية، يفسره قوله - عليه السلام - في حديث التنزل: "هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه"، هذا ذكر الله تعالى العباد بالنعم والإجابة لدعائهم.

فصل:

اختلف في الأفضل من الذكر قيل: بالقلب أو باللسان، قاله الداودي. والصواب أن الذكر باللسان وقوله: "لا إله إلا الله مخلصا من قلبه" أعظم من ذكره بقلبه، ووقوفه عند السيئة فيذكر بلسانه - عندما يهم العبد بالسيئة - فيذكر مقام ربه فيكف.

فصل:

وقوله: ( واتل عليهم نبأ نوح إلى قوله: من المسلمين ) [ يونس: 72 ] معنى إن كان كبر عليكم مقامي أي: كوني فيكم، وقوله: وتذكيري بآيات الله . يعني: عظمة إياه من قوله: (استغفروا ربكم) .

وقوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، قال الفراء: ( أي ) وادعوا شركاءكم; لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وإنما الإجماع للإعداد والعزيمة على الأمر، قال الشاعر:


ورأيت بعلك في الورى متقلدا سيفا ورمحا

[ ص: 492 ] أي: وحاملا رمحا; لأن الرمح لا يتقلد.

وقال المبرد: هو محمول على المعنى; لأن معنى الجمع والإجماع واحد، وقال الشيخ أبو الحسن: المعنى مع شركائكم قال: وقول الفراء لا معنى له; لأنه يذهب إلى أن المعنى: وادعوا شركاءكم ليعينوكم، فإن معناه معنى مع، وإن كان يذهب إلى الدعاء فقط ولا معنى له لدعائهم لغير نبي، وقرأ الجحدري بوصل الألف وفتح الميم، وقرأ الحسن: فأجمعوا، وهذا يدل أنهما لغتان بمعنى.

فصل:

وقوله: ( غمة [ يونس: 71 ]: هم وضيق ). قيل المعنى: ليكن أمركم ظاهرا، يقال: القوم في غمة إذا غطي عليهم أمرهم والتبس، ومنه غمه ( الهلال ) أي: غشيه ما غطاه، والغم من هذا إنما هو من أغشى القلب من الكرب وطبعه، وأصله مشتق من الغمامة.

وقوله: ( ثم اقضوا إلي ولا تنظرون : ما في أنفسكم ). أي: افعلوا ما بدا لكم، قال الكسائي: وتقرأ أفضوا بقطع الألف.

التالي السابق


الخدمات العلمية