التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
7082 [ ص: 493 ] 40 - باب: قول الله تعالى: فلا تجعلوا لله أندادا [ البقرة: 22 ]

وقوله: وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين [ الصافات: 9 ] وقوله: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر [ الفرقان: 68 ] وقوله: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ، إلى الشاكرين [ الزمر: 65 - 66 ]

وقال عكرمة: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ يوسف: 106 ] ولئن سألتهم من خلقهم [ الزخرف: 87 ] و من خلق السماوات والأرض ليقولن الله [ الزمر: 38 ] فذلك إيمانهم، وهم يعبدون غيره. وما ذكر في خلق أفعال العباد وأكسابهم، لقوله تعالى: وخلق كل شيء فقدره تقديرا [ الفرقان: 2 ] وقال مجاهد: ما ( تنزل ) الملائكة إلا بالحق: بالرسالة والعذاب ليسأل الصادقين عن صدقهم [ الأحزاب: 8 ]: المبلغين المؤدين من الرسل، وإنا له لحافظون : عندنا والذي جاء بالصدق القرآن [ الزمر: 33 ]: وصدق به [ الزمر: 33 ] المؤمن، يقول يوم القيامة: هذا الذي أعطيتني، عملت بما فيه.

7520 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك ". قلت إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: " ثم [ ص: 494 ] أن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك ". قلت: ثم أي؟ قال: " ثم أن تزاني بحليلة جارك ". [ انظر: 4477 - مسلم: 86 - فتح: 13 \ 491 ].


ثم ساق حديث عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله - رضي الله عنه - : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك". الحديث، وقد سلف غير مرة.

غرضه في هذا الباب إثبات الأفعال كلها لله - عز وجل - كانت من المخلوقين خيرا أو شرا فهي لله - عز وجل - خلق وللعباد كسب ولا ينسب شيء إلى غير الله فيكون شريكا له وندا مساويا ( له ) في نسبة القول إليه ونبه الله تعالى عباده على ذلك بقوله: فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [ البقرة: 22 ] أنه الخالق لكم ولأفعالكم وأرزاقكم ردا على من زعم من القدرية أنه يخلق أفعاله فمن علم أن الله خلق كل شيء فقدره تقديرا، فلا ينسب شيئا من الخلق إلى غيره، فلهذا ذكر هذه الآيات في نفي الأنداد والآلهة المدعوة معه، فمنها ما حذر به المؤمنين، ومنها ما وبخ به الكافرين الضالين، ثم أثنى على المؤمنين بقوله: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر [ الفرقان: 68 ] كما يدعو عبدة الأوثان الأوثان لترزقهم وتعافيهم، وهي لا تملك لهم ضرا ولا نفعا.

[ ص: 495 ] وقوله: ( أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" )، معناه: رزقك بدليل قوله: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، كيف تقتله وقد خلق رزقه فلا يأكل من رزقك شيئا؟ فمن خلقك وخلقه ورزقك ورزقه أحق بالعبادة من الند الذي اتخذت معه شريكا. ثم ( لم ) تزاني حليلة جارك، وقد خلق لك زوجة فتقطع بالزنا الرحم والنسب، وقاطع الأرحام تسبب إلى قطع الرحمة من الله والتراحم بين الناس، ألا ترى غضب القبائل لبني عمها من أجل الرحم، وأن الغدر وخسيس الفعل منسوب إلى أولاد الزنا; لانقطاع أرحامهم.

فصل:

وقتله ولده مخافة أن يطعم معه يعني الموءودة، وهي من أعظم الذنب.

والحليلة: الزوجة، والحليل: الزوج، ووقع في ابن التين أنه بالخاء المعجمة، وأن الشيخ أبا الحسن قال: الذي أعرفه بالمهملة، والخليلة: الصديقة. وجعل هذا من أعظم الزنا; لأن فيه خيانة الجار.

فصل:

قوله تعالى: لئن أشركت ليحبطن عملك [ الزمر: 65 ] الخطاب له والمراد غيره، وقد ادعى نسخها بالآية الأخرى: ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر وقيل: هذه ناسخة لها، من هذا المعنى اختلف إذا حج ثم ارتد ثم راجع الإسلام هل يلزمه حج لعموم ليحبطن عملك أو يجزئه؟ وإنما يحبط لو مات كافرا كما هو مفسر في الآية الأخرى ) فيمت وهو كافر [ البقرة: 217 ] واختلف إذا [ ص: 496 ] عقد على نفسه أيمانا، ثم ارتد ثم راجع الإسلام هل هي منعقدة عليه أم لا، وهل تبطل ردته أخطاءه؟

فصل:

وقوله وما ذكر في خلق أفعال العباد وأكسابهم، قد علمت ما فيه، وللبخاري فيه مصنف سماه "خلق أفعال العباد"، والحاصل من مذهب الأشعري أن العباد لهم كسب في أفعالهم وأنهم لا يخترعون ولا يجبرون.

ومذهب المعتزلة: أن العباد يخلقون أعمالهم بحسب قصدهم وإرادتهم.

ومذهب الجبرية: أن العبد مكره على الفعل مجبر عليه.

فإن قالوا: أخبرونا عن الصفة التي يكون الكسب عليها للمكتسب أهي متعلقة بقدرة كسبه وحده، فيكون له مقدورا لا يكون مقدورا [ ص: 497 ] لله تعالى وحده فيكون تعالى هو المكتسب ( في الكسب ) وذلك يرد مذهبكم أنها مقدوره لله تعالى وللمكتسب، فيكونان شريكين في الكسب.

قال القاضي جوابا عن هذا: صفة الكسب حاصلة بقدرة العبد فقط، فإن قالوا: جاء من هذا إثبات مقدور العبد غير مقدور لله تعالى، يقال لهم: هذا الإطلاق باطل; لأنه يوهم أن نفس الكسب وحدوثه ليس بمقدور لله تعالى وذلك باطل; لأنه لا كسب للإنسان إلا والله تعالى قادر على إحداثه وإخراجه من العدم إلى الوجود، فكيف يسوغ مع ذلك أن يقال: مقدور العبد غير مقدور لله تعالى، وليس هذا موضع بسط المسألة، ومحلها علم الأصول.

فصل:

ما ذكره في تفسير قوله: والذي جاء بالصدق وصدق به هو أحد الأقوال. ثانيها: أن الذي جاء به جبريل وصدق به النبي - عليهما السلام - .

ثالثها: أن الذي جاء بالصدق محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدق به المؤمن وقيل: الصديق.

التالي السابق


الخدمات العلمية