التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
7085 7523 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن عبد الله بن عباس قال: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم، قالوا: هو من عند الله. ليشتروا بذلك ثمنا قليلا، أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم. [ انظر: 2685 فتح: 13 \ 496 ].


( وقال ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة" ).

[ ص: 502 ] وهذا أسنده في الصلاة.

ثم ذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله تقرءونه محضا لم يشب؟

وفي لفظ: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم الكتب، وقالوا: هو من عند الله. ليشتروا بذلك ثمنا قليلا، أولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم.

الشرح:

سلف حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - والكلام عليه.

وغرض البخاري في الباب: الفرق بين وصف كلام الله بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث، فأحال وصفه بالخلق وأجاز وصفه بالحدث; اعتمادا على قوله تعالى: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث [ الأنبياء: 2 ] وهذا القول لبعض المعتزلة ولبعض أهل الظاهر.

وهو خطأ من القول ; لأن الذكر الموصوف في الآية بالإحداث ليس هو نفس كلامه تعالى; لقيام الدليل على أن محدثا أو مخلوقا ومنشئا ( ومخترعا ) ألفاظ مترادفة على معنى واحد، فماذا لم يجز [ ص: 503 ] وصف كلامه تعالى القائم بذاته بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث، وإذا كان ذلك كذلك كان الذكر الموصوف في الآية بأنه محدث راجعا بأنه الرسول - عليه السلام - ; لأنه قد سماه الله تعالى ذكرا في آية أخرى، فقال تعالى: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا [ الطلاق: 10، 11 ]، فسماه ذكرا في هذه الآية، فيكون المعنى: ما يأتيهم رسول، ويحتمل أن يكون الذكر هنا هو وعظ الرسول - عليه السلام - وتحذيره إياهم من المعاصي; فسمي وعظه ذكرا، وأضافه إليه تعالى إذ هو فاعل له ومقدر رسوله على اكتسابه.

وقال بعض المتكلمين في هذه الآية: إن مرجع الإحداث إلى الإتيان لا إلى الذكر القديم; لأن نزول القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان شيئا بعد شيء فكان يحدث نزوله حينا بعد حين، ألا ترى أن العالم ( يعلم ) ما لا يعلمه الجاهل فإذا علمه الجاهل، حدث عنه الحكم، ولم يكن إحداثه عند المتعلم إحداث عين ( العلم ).

وقد ظهر بما قررناه الرد على من ادعي خلق القرآن حيث قالوا: المحدث هو المخلوق، وقد قررناه أن الذكر ( في القرآن ) منصرف إلى الرسول، وينصرف أيضا إلى العلم، ومنه: قوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [ الأنبياء: 7 ] وإلى العظمة، ومنه ص والقرآن ذي الذكر [ ص: 1 ] أي: العظمة، وإلى الصلاة ومنه: فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة: 9 ] وإلى الشرف ومنه: وإنه [ ص: 504 ] لذكر لك ولقومك [ الزخرف: 44 ] فإذا كان الذكر ينصرف إلى هذه الوجوه وهي كلها محدثة كان حمله على أحدها أولى; ولأنه لم يقل سبحانه: ما يأتيهم من ذكر من ربهم [ إلا كان محدثا ]، ونحن لا ننكر أن يكون من الذكر ما هو محدث كما قلنا، وقيل: محدث عندهم و ( من ) زائدة للتوكيد في قوله: من ذكر .

وقال الداودي: الذكر في الآية: القرآن، قال: وهو محدث عندنا، وهو من صفاته تعالى لأنه لم يزل - سبحانه وتعالى - بجميع صفاته وهذا منه قول عظيم والاستدلال الذي استدل به يرد عليه; لأنه إذا كان ( لم يزل ) بجميع صفاته وهو تعالى قديم، فكيف تكون صفته محدثة وهو لم يزل بها إلا أن يريد أن المحدث غير المخلوق، وهو ظاهر قول البخاري; لقوله وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين، فأثبت أنه محدث.

والدليل على أنه غير مخلوق أنه لو كان مخلوقا لم يخل أن يكون تعالى خلقه في نفسه أو غيره أولا في مكان، فيستحيل أن يكون خلقه لا في مكان، ولئلا يكون ذلك إلى قيام الصفات بأنفسها وذلك محال، وإن كان خلقه في غيره وجب أن يكون ذلك الغير هو المتكلم ( به ) دون الله تعالى; لأن المتكلم ( هو ) من وجد الكلام منه دون

[ ص: 505 ] من فعله.

فصل:

قد أسلفنا تفسير قوله تعالى: كل يوم هو في شأن [ الرحمن: 29 ] مرفوعا أنه يغفر ذنبا ويكشف كربا ويجيب داعيا، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : لله لوح محفوظ ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة وذكر الحديث، وقال عمرو بن ميمون: من شأنه أن يميت حيا ويقر في [ ص: 506 ] الأرحام ما يشاء ويعز ذليلا ويذل عزيزا، وقيل: لله في كل يوم ثلاث عساكر: عسكر يخرج من الأصلاب إلى الأرحام، وعسكر يخرج من الأرحام إلى الدنيا، وعسكر يخرج من الدنيا إلى القبور.

التالي السابق


الخدمات العلمية