التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
7086 [ ص: 507 ] 43 - باب: قول الله - عز وجل - : لا تحرك به لسانك [ القيامة: 16 ]

وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ينزل عليه الوحي.

وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " قال الله - عز وجل - : أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه ".

7524 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: لا تحرك به لسانك [ القيامة: 16 ] قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه - فقال لي ابن عباس: أحركهما لك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحركهما. فقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما. فحرك شفتيه - فأنزل الله - عز وجل - : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه [ القيامة: 16 - 17 ] قال: جمعه في صدرك، ثم تقرؤه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [ القيامة: 18 ] قال: فاستمع له وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه. قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه جبريل - عليه السلام - استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أقرأه. [ انظر: 5 - مسلم: 448 - فتح: 13 \ 499 ].


وهذا أخرجه الطبراني عن محمد بن علي الصائغ: ثنا سعيد بن منصور: ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عنه.

[ ص: 508 ] ثم ساق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله - عز وجل - : لا تحرك به لسانك [ القيامة: 16 ] قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة. الحديث بطوله.

وقد سلف أوائل الصحيح، وتفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - للآية قيل: هو أحسن ما قيل فيها، وقال قتادة: إن علينا جمعه وقرآنه تأليفه، فاتبع قرآنه أي: حلاله وحرامه، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فإذا قرأناه بيناه فاتبع قرآنه أي: اعمل به،

[ ص: 509 ] ومعنى قول قتادة: إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه وتؤلفه، وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى قرأناه: جمعناه.

وغرض البخاري في الباب: أن يعرفك أن وعاء القلب لما يسمعه من القرآن، وأن قراءة الإنسان وتحريك شفتيه ولسانه عمل له وكسب يؤجر عليه، وكان - عليه السلام - يحرك به لسانه عند قراءة جبريل - عليه السلام - مبادرة منه ما يسمعه فنهاه تعالى عن ذلك، ورفع عنه الكلفة والمشقة التي كانت تناله في ذلك مع ضمانه تعالى تسهيل الحفظ على نبيه وجمعه له في صدره، وأمره أن يقرأه إذا فرغ جبريل من قراءته، وهو معنى قوله تعالى: فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [ القيامة: 18 ] وقيل: اعمل بما فيه.

وأما إضافته تعالى القراءة إليه في قوله: فإذا قرأناه [ القيامة: 18 ].

والقارئ لكلامه تعالى على محمد - عليه السلام - هو جبريل دونه تعالى فهذه إضافة فعل فعله في غيره كما نقول: قتل الأمير اللص وصلبه وهو لم يل ذلك بنفسه إنما أمر من فعله، ففيه بيان لما يشكل من كل فعل نسب [ ص: 510 ] إليه تعالى مما لا يليق به فعله من الإتيان والنزول والمجيء أن ذلك الفعل إنما هو منتسب إلى الملك المرسل كقوله: جاء ربك، والمجيء يستحيل عليه; لاستحالة الحركة والانتقال، كذلك استحال عليه القراءة المعلومة منه تثبيتا; لأنها محاولة حركة أعضاء وآلات، ويتعالى الله عن ذلك وعن شبه الخليقة في قول أو عمل.

فصل:

وأما قوله: ( "وأنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه" ) فمعناه: أنا مع عبدي زمان ذكره لي، أي: أنا معه بالحفظ والكلأ، لا على أنه معه بذاته حيث حل العبد.

ومعنى قوله: ( "وتحركت بي شفتاه" ) تحركت باسمي وذكره لي وسائر أسمائه تعالى الدالة عليه; لا أن شفتيه ولسانه تتحرك بذاته تعالى إذ يحال حلوله في الأماكن ووجوده في الأفواه وتعاقب الحركات عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية