التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
7089 7527 - حدثنا إسحاق، حدثنا أبو عاصم، أخبرنا ابن جريج، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن ". وزاد غيره: " يجهر به " [ فتح: 13 \ 501 ].


ساق فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها [ الإسراء: 110 ] قال: نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختف بمكة. . الحديث في الجهر بالقرآن.

وحديث عائشة - رضي الله عنها - : أنها نزلت في الدعاء.

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". وزاد غيره: "يجهر به".

[ ص: 512 ] الشرح:

( من ) في قوله: من خلق في موضع رفع بـ يعلم، ( والمفعول ) محذوف تقديره: ألا يعلم الخالق خلقه؟ فدل ذلك على أن ما يسر الخلق من قولهم ( ويجهرون ) به كل من خلق الله; لأنه قال: وأسروا قولكم أو اجهروا به [ الملك: 13 ] إلى قوله: من خلق وكل من خلق الله، وقال بعض أهل الزيغ: ( من ) في موضع نصب اسم المسرين والمجاهرين; ليخرج الكلام من عمومه ويدفع عموم الخلق عن الله، ولو كان كما زعم لقال: ألا يعلم ما خلق; لأنه إنما أتت بعد ذكر ما ( تكن ) الصدور، ولو أتت ( ما ) موضع ( من ) لكان فيه بيان أنه تعالى خالق كل شيء من أقوال الخلق خيرها وشرها، جهرها وسرها، ويقوي ذلك قوله: إنه عليم بذات الصدور ، ولم يقل: عليم بالمسرين والمجاهرين.

فصل:

قد تقرر حكاية قولين في الكتاب في المراد بقوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك [ الإسراء: 110 ] وأن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إنها في القراءة، وأن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إنها في الدعاء. وبه قال ابن نافع: أي من دعاء، ( ولا ) تجهر بدعائه ولا تخافت به.

وقال زياد بن عبد الرحمن: نزلت في صلاة النهار، ولا تخافت بها في صلاة الليل. وقد سلف ذلك.

[ ص: 513 ] فصل:

وقوله: ( "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" ) قد سلف في فضائل القرآن الاختلاف في معناه، وحاصله ثلاثة أقوال:

أحدها: يجهر به كما ذكره هنا، وهو ظاهر; عملا بقوله في الحديث الآخر: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به".

ثانيها: يستغني به.

ثالثها: ما حكاه الخطابي عن ابن الأعرابي قال: كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في أكثر أحوالهم، فلما نزل القرآن أحب أن يكون القرآن سميرا لهم مكان الغناء فقاله.

وفيه: الحض على تحسين الصوت به، والغناء المأمور به هو الجهر بالصوت وإخراج تلاوته من حدود مساق الإخبار والمحادثة حتى يتميز التالي به من المتحدث تعظيما له في النفوس تحبيبا إليها.

فإن قلت: فإذا كان الغناء هكذا أفعندك ( أن ) من لم يحسن صوته بالقرآن فليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟

قيل: معناه من لم يستن بنا في تحسين الصوت به، ويرجع في تلاوته على ما حكاه ابن مغفل على ما يأتي ( بعد )، فمن لم يفعل مثل ذلك فليس متبعا لسنته، ولا مقتديا به في تلاوته.

[ ص: 514 ] فصل:

معنى هذا الباب: إثبات العلم لله تعالى صفة ذاتية; لاستواء علمه بالسر من القول كالجهر، وقد بينه تعالى في آية أخرى فقال: سواء منكم من أسر القول ومن جهر به [ الرعد: 10 ]، وفيه دليل على أن اكتساب العبد من القول والفعل لله تعالى، ألا ترى قوله: وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور [ الملك: 13 ]، ثم قال عقب ذلك: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [ الملك: 14 ].

( فدل أنه ) ممتدح بكونه عالما ما أسروه من قولهم وجهروا به، وأنه خالق لذلك منهم، فإن قال قدري زاعم أن أفعال العباد ليست خلقا لله.

قوله: ألا يعلم من خلق [ الملك: 14 ] غير راجع بالخلق إلى القول، وإنما هو راجع إلى القائلين ( فليس في الآية ) دليل لكم على كونه تعالى خالقا لقول القائلين.

قيل له: هذا تأويل فاسد; لأن الله تعالى أخرج هذا الكلام مخرج التمدح منه تعالى بعلمه ما أسروه من قولهم وجهروا به وخلقه لذلك مع خلقه دليلا على كونه عالما به، فلو كان غير خالق له ومتمدحا بكونه عالما بقوله وخالقا لهم دون قولهم لم يكن في الآية دليل على صحة كونه عالما بقولهم، كما ليس في عمل ( العامل ) ظرفا من الظروف دليل على ( علمه ) بما أودعه فيه غيره، والله تعالى قد جعل خلقه [ ص: 515 ] دليلا على كونه عالما بقولهم، فيجب رجوع خلقه تعالى إلى قولهم; ليصح لهم التمدح بالأمرين; وليكون أحدها دليلا على الآخر. وإذا كان ذلك كذلك - ولا أحد من الأمة يفرق بين القول وسائر الأفعال، وقد دلت الآية على كون الأقوال خلقا له سبحانه - وجب كون ( سائر ) أفعال العباد خلقا له تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية