التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
7111 [ ص: 558 ] 53 - باب: قول الله تعالى: فاقرءوا ما تيسر من القرآن [ المزمل: 20 ]

7550 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني عروة، أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقلت: كذبت، أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال: " أرسله، اقرأ يا هشام ". فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كذلك أنزلت ". ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقرأ يا عمر ". فقرأت التي أقرأني، فقال: " كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه ". [ انظر: 2419 - مسلم: 818 - فتح: 13 \ 520 ].


ذكر فيه حديث عمر - رضي الله عنه - : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . الحديث وفيه: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه".

وقد سلف في فضائل القرآن، وسلف ما للعلماء فيه، وتأويل السبعة أحرف فراجعه.

[ ص: 559 ] معنى الآية: ما تيسر على القلب حفظه من آياته وعلى اللسان من لغاته وإعراب حركاته كما فسره الشارع في هذا الحديث، فإن قلت: فإذا ثبت أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فكيف ساغ للقراء تكثير ( الآيات ) وإقراؤهم بسبعين رواية وأزيد ( من مائة )؟

الجواب: أن عثمان - رضي الله عنه - لما أمر بكتابة المصاحف التي بعث بها إلى البلدان أخذ كل إمام من أئمة القراء في كل أفق نسخة، فما انفك ( له ) من سوادها وحروف مدادها مما وافق قراءته التي كان يقرأ، لم يمكنه مفارقته لقيامه في سواد ( الخط )، و ( أنه ) كان عنده ( فيه ) رواية إلى أحد من الصحابة مع أنه لم تكن النسخ التي بعث بها عثمان - رضي الله عنه - مضبوطة بشكل لا يمكن تعديه، ولا تحقيق هجاء بعض معانيه; إذ كانوا يسمحون في الهجاء بإسقاط الألف من كلمه لعلمهم بها استخفافا ( لكثرة ) تكريرها كألف العالمين والمساكين، وكل ألف هي في المصحف ملحقة بالهمزة.

قال يزيد الرقاشي: كان في المصحف: كانوا: كنوا وقالوا: قلوا، فزدنا فيها ألفا. يريد جماعة القراء حين جمعهم الحجاج، وكذلك ما زادوا في الخط، وقد كان في المصحف ( ماء غير يسن ) فردها [ ص: 560 ] الحجاج مع جماعة القراء آسن ، وفي الزخرف: ( معايشهم ) فردها معيشتهم ، فكل تأول من ذلك الخط ما وافق قراءته، كيفما كان من طريق الشكل وحركات الحروف مما ( يدل ) المعنى.

وقد يجوز أن يكون ذلك من ذهل الأقلام، ويدل على ذلك استجلاب الحجاج مصحف أهل المدينة ورد مصاحف البصرة والكوفة إليه وإبقاء ما لا يغير معنى وما له وجه جائز من وجوه ذلك المعنى.

وصار خط مصحف أهل المدينة سنة متبعة لا يجوز فيه التغيير; لأنها القراءة المنقولة سمعا، وأن الستة المتروكة قطعا لذريعة الاختلاف ما وافق منها المنفك من ( شواهد ) الخط لأهل الأمصار، فتواطئوا عليها، جوز لهم تأويلهم فيه بما وافق روايتهم عن صحابي; لخشية التحزب الذي منه هربوا، ( ولكثرة ) من اتبع القراء في تلك الأمصار من العامة غير ( المأمور به ) عند منازعتها، فهذا وجه تجويز العلماء أن يقرأ بخلاف أهل المدينة وبروايات كثيرة.

وأما ما ذكر من قراءة ابن مسعود فهو تبديل كلمة بأخرى كقوله: صيحة واحدة [ يس: 49 ] قرأها: ( زقية واحدة ) و بيضاء لذة للشاربين [ الصافات: 46 ] قرأها: ( صفراء لذة للشاربين ) فهذا تبديل اللفظ والمعنى.

وكذلك أجمعت الأمة على ترك القراءة بها، ولو سمح في تبديل السواد لما بقي منه إلا الأقل، لكن الله تعالى حفظه علينا من [ ص: 561 ] ( تحكم ) ( المتأولين ) وتسلط أيدي الكائدين على تبديل حرف بحرام إلى حلال، وحلال بحرام، وكلمة عذاب برحمة، ورحمة بعذاب، ونهي بأمر، وأمر بنهي، وأما سوى ذلك مما هو جائز في كلام العرب من نصب وخفض ورفع بما لا ( يحيل ) معنى ولا حرج فيه.

وقد روى البغوي: حدثنا محمد بن زياد: حدثنا ( أبو ) شهاب الحناط، حدثنا داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بابه، فقال بعضهم: إن الله قال في آية كذا كذا، وقال بعضهم: لم يقل كذا، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما فقئ في وجهه حب الرمان وقال: "أبهذا أمرتم؟ إنما ضلت الأمم في مثل هذا، انظروا ما أمرتم به فاعملوا به، وما نهيتم عنه فانتهوا".

[ ص: 562 ] فدل هذا أنه لم يكن في السبع التي نزل بها القرآن ما يحيل الأمر والنهي عن مواضعه، ولا يحيل الصفات عن مواضعها; لأنه مأمور باعتقادها ومنهي عن قياسها عن المعاني; لأنه تعالى بريء من الأشباه والأنداد، وبقيت حركات الإعراب مستعملة لما انفك من سواد الخط في المجتمع عليه، وعلى هذا استقر أمر الإعراب عند العلماء.

التالي السابق


الخدمات العلمية