التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
56 56 - حدثنا الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني عامر بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص أنه أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك". [1295، 2742، 2744، 3936، 4409، 5354، 5659، 5668، 6373، 6733 - مسلم:1628 - فتح: 1 \ 136]


حدثنا عبد الله بن مسلمة نا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله [ ص: 224 ] ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".

حدثنا حجاج بن منهال ثنا شعبة أخبرني عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد، عن أبي مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة".

حدثنا الحكم بن نافع أنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني عامر بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص أنه أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك".

الكلام على ذلك من وجوه:

أحدها:

حديث: "ولكن جهاد ونية". علقه هنا بصيغة جزم وقد أسنده في: الحج، والجهاد، والجزية كما ستعلمه، أخرجه في الحج عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس مرفوعا: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا". وأخرجه مسلم أيضا في الجهاد.

وحديث عمر - رضي الله عنه - سلف أول الكتاب بتعداد طرقه وهذا ثاني موضع منها.

[ ص: 225 ] وحديث أبي مسعود - رضي الله عنه - أخرجه هنا كما ترى، وفي المغازي عن مسلم، وفي النفقات عن آدم.

وأخرجه مسلم في الزكاة عن ابن معاذ، عن أبيه، وعن محمد بن بشار وأبي بكر بن (نافع)، عن غندر . وعن أبي كريب، عن وكيع كلهم، عن شعبة به. فوقع للبخاري عاليا خماسيا، ولمسلم من جميع طرقه سداسيا.

وحديث سعد بن أبي وقاص قطعة من حديثه الطويل المشهور، أخرجه البخاري هنا كما ترى، وفي الجنائز عن عبد الله بن يوسف، عن مالك . وفي المغازي عن أحمد بن يونس، عن إبراهيم.

وفي الهجرة عن يحيى، عن قزعة، عن إبراهيم.

وفي الدعوات عن موسى، عن إبراهيم بن سعد.

وفي الطب عن موسى بن إسماعيل عن شعيب، وأخرجه مسلم في الفرائض: عن يحيى بن يحيى، عن إبراهيم. وعن قتيبة وأبي بكر، عن [ ص: 226 ] سفيان. وعن إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، كلهم عن الزهري به.

وأورده البخاري في الفرائض أيضا مطولا وفيه: "لن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة". وهو أعم من لفظ النفقة التي أوردها هنا.

الوجه الثاني: في التعريف برجاله:

أما حديث: "الأعمال بالنيات" فتقدم الكلام على رجاله مفرقا، وأما حديث سعد فكذلك أيضا.

وأما حديث أبي مسعود فسلف من رجاله شعبة فقط، وأما باقي رجاله فأبو مسعود هو: عقبة (ع) بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة -بفتح الهمزة وكسر السين وقيل: بضمها، وقيل: يسيرة بضم أوله بن عسيرة -بفتح العين وكسر السين- بن عطية بن جدارة -بكسر الجيم، وقال ابن عبد البر: بكسر الخاء المعجمة- بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي البدري. شهد العقبة مع السبعين وكان أصغرهم، وشهد أحدا. ثم الجمهور على أنه لم يشهد بدرا وإنما سكنها، وقال المحمدون: ابن شهاب الزهري وابن إسحاق -صاحب المغازي- والبخاري في "صحيحه": شهدها، وكذا الحكم بن عتيبة.

وقال ابن سعد : قال محمد بن عمر وسعد بن إبراهيم وغيرهما: لم يشهد بدرا، وقال الحكم وغيره من أهل الكوفة : شهدها وأهل المدينة أعلم بذلك.

[ ص: 227 ] روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وحديثان، اتفقا منها على تسعة، وللبخاري حديث ولمسلم سبعة.

روى عنه: عبد الله بن يزيد الخطمي وابنه بشير وغيرهما. سكن الكوفة ومات بها، وقيل: بالمدينة قبل الأربعين، قيل: سنة إحدى وثلاثين، وقيل: بعد الستين، وقيل: سنة إحدى أو اثنتين وأربعين.

فائدة:

في الصحابة أبو مسعود هذا، وأبو مسعود الغفاري، قيل: اسمه عبد الله وثالث الظاهر أنه الأول.

وأما الراوي عنه فهو أبو موسى عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين بن عمرو بن الحارث بن خطمة -واسمه عبد الله; لأنه ضرب رجلا على خطمه أي: على مقدم أنفه فسمي بذلك -بن جشم بن مالك بن [ ص: 228 ] الأوس أخي الخزرج بن حارثة بن ثعلبة العنقاء -لطول عنقه- بن عمرو بن مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد الأنصاري الخطمي الصحابي.

سكن الكوفة وكان أميرا عليها (في عهد ابن الزبير) شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة، وشهد صفين والجمل (والنهروان) مع علي - رضي الله عنه -، وكان الشعبي كاتبه، وكان من أفاضل الصحابة، وقيل: إن لأبيه يزيد صحبة.

روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة وعشرون حديثا، أخرج البخاري منها حديثين أحدهما في: الاستسقاء موقوفا، وفي المظالم حديث النهي عن النهبى والمثلة، ومسلم أحدهما وأخرجا له عن البراء وأبي مسعود وزيد بن ثابت. مات زمن ابن الزبير قاله الواقدي.

[ ص: 229 ] (وأخرج له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ).

فائدة: في الصحابة عبد الله بن يزيد جماعة هذا أحدهم، وثانيهم: عبد الله بن يزيد القارئ له ذكر في حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - سمع قراءته، وثالثهم: عبد الله بن يزيد النخعي، ورابعهم: عبد الله بن [ ص: 230 ] يزيد البجلي له حديث: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" أورده ابن قانع.

وخامسهم: غلط فيه ابن المبارك في حديث ابن مربع: "كونوا على مشاعركم".

[ ص: 231 ] فائدة:

هذا الحديث في إسناده من الطرف رواية صحابي عن صحابي.

وأما عدي بن ثابت فهو أنصاري كوفي سمع جده لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي والبراء بن عازب وغيرهما من الصحابة، وعنه: شعبة والأعمش وغيرهما. قال أحمد: ثقة.

وأما الحجاج فهو أبو محمد حجاج بن منهال السلمي مولاهم البصري الأنماطي سمع شعبة وغيره من الكبار، وعنه الأعلام: البخاري وغيره واتفقوا على الثناء عليه، وكان صاحب سنة يظهرها، ولد سنة أربعين ومائة، ومات سنة ست عشرة، وقيل: سبع عشرة ومائتين.

قال المزي في "تهذيبه": روى له الستة ولم يعدد أولا فيمن روى عنه منهم غير البخاري، وقال النووي في "شرحه": روى عنه: البخاري ومسلم ( وأبو داود ).

وقال شيخنا قطب الدين في "شرحه": روى له البخاري، وروى [ ص: 232 ] مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن رجل عنه (والصواب الأول).

فائدة:

ليس في الكتب الستة حجاج بن منهال سواه.

الوجه الثالث:

فسر الشاكلة في الآية بالنية. وفسرها الزجاج بالطريقة والمذهب والليث: بما يوافق فاعله، فالكافر ييأس عند الشدة بخلاف المؤمن ويدل عليه قوله: فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا [الإسراء: 84].

ومعنى: "يحتسبها" يبتغي بها وجه الله.

وقوله: "فم" هو: بالميم وروي بحذفها وإثبات الياء وهو أصوب، والأول لغة قليلة.

الوجه الرابع:

في هذه الأحاديث أحكام كثيرة نشير إلى بعضها هنا; لأنها ستأتي في مواضعها مبسوطة. وأما حديث "إنما الأعمال بالنيات" فسلف الكلام عليه مبسوطا كما نبهنا عليه.

ومنها: الحث على الإخلاص وإحضار النية في جميع (الأعمال) الظاهرة والخفية.

[ ص: 233 ] ومنها: الرد على قول المرجئة: إن الإيمان إقرار باللسان دون الاعتقاد بالجنان. وهو مراد البخاري بهذا الباب وقد سلف بسط ذلك، وهو مردود بالنصوص والإجماع في أن المنافقين من أهل الدرك الأسفل من النار.

ومنها: أن النفقة على العيال وإن كانت من أفضل الطاعات فإنما تكون طاعة إذا نوى بها وجه الله، وكذا نفقته على نفسه وضيعته ودابته وغير ذلك إذا نوى بها ذلك، وإلى ذلك الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى ما تجعل في فم امرأتك" ولو حصل فيه حظ نفس في ضمنه من لذة وغيرها فإن الوضع يكون غالبا لحظ النفس من شهوة وغيرها، ونبه بذلك على الأعلى من كسوة وغيرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية