التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
686 718 - حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أقيموا الصفوف، فإني أراكم خلف ظهري". [719، 725 - مسلم: 434 - فتح: 2 \ 207]


ذكر فيه حديثين:

أحدهما:

حديث النعمان: من طريق سالم عنه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".

وأخرجه مسلم أيضا وطوله من طريق سماك بن حرب عنه.

وأخرجه أبو داود من هذا الوجه. ومن حديث أبي القاسم الحسين بن الحارث الجدلي عنه مطولا.

فهؤلاء ثلاثة رووه عن النعمان وهو صحابي ابن صحابي.

[ ص: 592 ] وفي رواية له من طريق سماك عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة فإذا استوينا كبر، وهذه فائدة جليلة لبيان وقت تكبير الإمام لا كما يقوله من خالف.

الحديث الثاني:

حديث أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقيموا الصفوف، فإني أراكم خلف ظهري".

وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضا ولفظه: "أتموا صفوفكم" وأخرجه البخاري في موضعين آخرين - كما ستعلمه - في باب إقبال الإمام على الناس عند التسوية إثر هذا الباب، وفي باب إلزاق المنكب بالمنكب، كما ستعلمه، وأخرجه النسائي من حديث ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "استووا استووا، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم بين يدي".

إذا عرفت ذلك فالكلام عليهما من أوجه:

أحدها:

فيهما: الحث على تسوية الصفوف وإقامتها، وهو من سنة الصلاة عند الأئمة.

[ ص: 593 ] وقال أبو محمد بن حزم في قوله: "أو ليخالفن الله بين وجوهكم" هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا في كبيرة من الكبائر.

وقال في الحديث الآتي - إن شاء الله -: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة".

وفي رواية: "إقامة الصلاة تسوية الصف": إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض.

ولا يسلم له ذلك؛ فإن لفظ التمام يشعر بالنقصان فقط، فينبغي للإمام تعاهد تسوية الصفوف من الناس، وللناس تعاهد ذلك من أنفسهم.

وكان لعمر وعثمان رجال يوكلون رجلا بتسويتها.

الثاني: وعد من لم يقم الصف بعذاب من جنس ذنبه وهو المخالفة بين الوجوه لاختلافهم في مقامهم، كما توعد من قتل نفسه بحديدة أنه يعذب بها.

ثم قيل: معناه: يمسخها ويحولها عن صورتها - كما سلف - في حق من يرفع رأسه قبل الإمام. وقيل: يغير صفاتها. وقيل: المراد بالوجوه: القلوب، وتؤيده رواية أبي داود وابن حبان: "بين قلوبكم".

والأظهر عند النووي أن معناه: يوقع بينكم العداوة والبغضاء،

[ ص: 594 ] واختلاف القلوب كما يقال: تغير وجه فلان علي، أي: ظهر لي من وجهه كراهة في، وتغير قلبه علي؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن.

الثالث: مذهب أهل السنة أن قوله - عليه السلام -: "فإني أراكم من وراء ظهري" يجوز أن يكون إدراكا خاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - محققا انخرقت له فيه العادة، وخلق له عينا وراءه أو يكون الإدراك العيني انخرقت له العادة فكان يرى به من غير مقابلة.

قال مجاهد: كان - عليه السلام - يرى من خلفه كما يرى من بين يديه.

وفي حديث - ليس بالقوي -: كان - عليه السلام - يرى في الظلام كما يرى في الضوء.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك راجع إلى العلم، وأن معناه: إني لأعلم.

وهذا تأويل لا حاجة إليه - كما قاله القرطبي - بل حمل ذلك على [ ص: 595 ] ظاهره أولى، ويكون ذلك زيادة في كرامات الشارع.

وقد ذكر الزاهدي مختار بن محمود في "رسالة الناصرية" أنه كان - عليه السلام - بين كتفيه عينان مثلي سم الخياط فكان يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب، وذكرناه في باب عظة الإمام الناس أيضا.

وأورد ابن الجوزي سؤالا، فقال: إذا كان يرى وراء ظهره، فما الفائدة أنه أجلس الشاب من وفد عبد القيس وراء ظهره؟ ثم أجاب بوجهين:

[ ص: 596 ] أحدهما: أنه سن للناس والسنة إنما هي فعل ظاهر.

والثاني: أن رؤيته من بين يديه أمر طبيعي يزاحم فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية