التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
701 734 - حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب قال: حدثني أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون". [انظر: 722 - مسلم: 414، 417 - فتح: 2 \ 216]


اختلف العلماء في تكبيرة الإحرام. فقال مالك والشافعي وأحمد: هي ركن.

[ ص: 621 ] وقال أبو حنيفة: شرط، وهو وجه عندنا كما حكاه الروياني في "بحره". وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كبر وفي يده نجاسة فألقاها في أثنائه وأحرم قبل الزوال ثم زالت في أثنائه، أو أحرم مكشوف العورة ثم ستر في أثنائه، وفي المسألة قول ثالث أنها تنعقد بالنية بلا تكبير، حكاه ابن المنذر عن الزهري، وقال: لم يقل به غيره، وكذا قال ابن العربي في "قبسه" لم يقل: إنها ليست بفرض غيره، وحكاه ابن التين عن الحسن بن صالح.

وذهب الجمهور فيما حكاه ابن بطال إلى وجوبها.

وذهبت طائفة إلى أنها سنة، روي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والحكم والزهري والأوزاعي وقالوا: إن تكبيرة الركوع تجزئه من تكبيرة الإحرام.

وروي عن مالك في المأموم ما يدل على أنه سنة. ولم يختلف قوله في المنفرد والإمام أنها واجبة على كل واحد منهما، وأن من نسيها يستأنف الصلاة.

وقال ابن العربي: وقع في "المدونة" وهم بنسبة هذا القول لابن المسيب وليس له، والصحيح أنها فرض.

وقال ابن قدامة في "المغني": لا تنعقد الصلاة إلا بالتكبير سواء [ ص: 622 ] تركه سهوا أو عمدا، وهو قول ربيعة والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور.

قلت: وبه قال أحمد وداود، وحكى أبو الحسن الكرخي الحنفي عن ابن علية والأصم كقول الزهري السالف.

وقال ابن بزيزة: قالت طائفة بوجوب تكبير الصلاة كله. وعكس آخرون فقالوا: كل تكبيرة في الصلاة ليست بواجبة مطلقا منهم ابن شهاب وابن المسيب وغيرهما. روى هؤلاء أنها - يعني: تكبيرة الإحرام - ليست بواجبة فأجازوا الإحرام بالنية لعموم: "الأعمال بالنيات".

والجمهور أوجبوها خاصة دون ما عداها.

واختلف مذهب مالك، هل يحملها الإمام عن المأموم أم لا؟ قولان

حجة الجمهور: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا كبر فكبروا" فذكر تكبيرة الإحرام دون غيرها من سائر التكبير، وكذا حديث المسيء في صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" ثم ذكر الباقي من غير ذكر تكبير آخر.

والإجماع قائم على أن من ترك سائر التكبير غير تكبيرة الإحرام أن صلاته جائزة. فدل على أن ما عداها غير لازم.

لكن عن أحمد أنها واجبة تبطل بالترك عمدا، وتجبر بالسجود سهوا، وصح أيضا: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم".

[ ص: 623 ] وحجة من سنها أن المراد بها الإعلام، فصارت كغيرها، ثم اختلف العلماء هل يجزئ الافتتاح بالتسبيح والتهليل مكان التكبير؟ فقال مالك وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يجزئ إلا الله أكبر. وأجاز الشافعي: الله الأكبر.

وقال الكوفيون: يجزئ من التكبير ما قام مقامه من تعظيم الله وذكره.

حجة الجمهور أنه - عليه السلام - كان يقول: "الله أكبر" وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

ثم استدل البخاري رحمه الله لما ذكره بحديثين:

أحدهما: حديث أنس من طريقين عنه، أنه - عليه السلام - ركب فرسا، فجحش شقه... الحديث. وقد سبق في باب الصلاة في السطوح وفي باب إنما جعل الإمام ليؤتم به.

[ ص: 624 ] وفي الطريق الثاني ما بوب له وهو: قال: "فإذا كبر فكبروا". وهو دون الطريق الأول، فهو أمس بالتقديم عليه، نعم قدم الأول بتصريح سماع الزهري من أنس فأمن التدليس، ثم ساق الثاني لمطابقة ما ترجم له. واعترض الإسماعيلي فقال: ليس في الطريق الأول ذكر التكبير ولا ذكر الافتتاح، ومع هذا فالثاني ليس فيه إيجاب التكبير وإنما فيه إيجاب الذين يكبرون بما يسبقون إمامهم بها ولو كان ذلك إيجابا لكان قوله: "وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا لك الحمد" إيجابا له على المأموم، وفيما ذكره نظر، وقد أسلفنا بيان الوجوب منه فإنه أمر، والأمر للوجوب.

وأهل الظاهر أوجبوا قول: سمع الله لمن حمده عند القيام من الركوع.

قال ابن حزم: فإن كان مأموما ففرض عليه أن يقول بعد ذلك: ربنا لك الحمد أو: ولك الحمد.

وأما قول البخاري: وافتتاح الصلاة. فلعل مراده: وافتتاح الصلاة به فإنه لم يذكر في الباب ما يدل للافتتاح، أو أنه لما ذكر التكبير الذي هو افتتاح الصلاة أحال على ما يأتي بعد من الأبواب التي فيها الرفع وشبهه.

الحديث الثاني: حديث أبي هريرة: "إنما جعل الإمام ليؤتم به... الحديث.

وقد سلف أيضا، وأخرجه مسلم أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية