التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
719 752 - حدثنا قتيبة قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في خميصة لها أعلام فقال: " شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية". [انظر: 373 - مسلم: 556 - فتح: 2 \ 234]


ذكر فيه حديث عائشة: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".

هذا انفرد البخاري أيضا بإخراجه، بل لم يخرج مسلم فيه شيئا.

وتعجبت من الحاكم حيث قال في "مستدركه": اتفقا على إخراجه .

وطرقه: الدارقطني في "علله" وقال: رفعه أصح من وقفه .

وسلف فقهه، في باب من دخل ليؤم الناس.

ثم ذكر بعده حديث عائشة أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في خميصة لها أعلام فقال: "شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية".

وهذا الحديث سلف أيضا في باب: إذا صلى في ثوب له أعلام .

[ ص: 40 ] ووجه مناسبة إيراده هنا أن العلم إنما يكون على الكتف، ولا شك في كراهة الالتفات عند العلماء، بل قال المتولي من أصحابنا: إنه حرام ، لقوله - عليه السلام -: "لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه"، رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي ذر .

وقال الحاكم في "مستدركه": صحيح الإسناد .

والأشهر عندنا: الكراهة ، وذلك أنه إذا التفت يمينا وشمالا ترك الإقبال على صلاته، وفارق الخشوع المأمور به في الصلاة؛ ولذلك جعله الشارع اختلاسا للشيطان من الصلاة.

[ ص: 41 ] وأما إذا التفت لأمر يعن له من أمر الصلاة أو غيرها فمباح له ذلك وليس من الشيطان .

وفيه حض على إحضار المصلي ذهنه ونيته لمناجاته ربه ولا يشتغل بأمر دنياه، وذلك [أن] المرء لا يستطيع أن يخلص صلاته من الفكر في أمور في دنياه؛ لأن الشارع أخبر أن الشيطان يأتي إليه في صلاته فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا ؛ لأنه موكل به في ذلك. وقد قال - عليه السلام -: "من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" ، وهذا إنما هو لمغالبة الإنسان، فمن جاهد شيطانه ونفثه وجبت له الجنة.

وقد نظر - عليه السلام - إلى علم الخميصة وقال أنها شغلته، فهذا مما لا يستطاع على دفعه في الأعم.

[ ص: 42 ] وقد اختلف السلف في ذلك، فممن كان لا يلتفت فيها الصديق والفاروق ، ونهى عنه أبو الدرداء ، وأبو هريرة .

وقال ابن مسعود: إن الله لا يزال مقبلا على العبد ما دام في صلاته، ما لم يحدث أو يلتفت .

وقال عمرو بن دينار: رأيت ابن الزبير: يصلي في الحجر فجاءه حجر قدامه فذهب بطرف ثوبه فما التفت .

وقال ابن أبي مليكة: إن ابن الزبير كان يصلي بالناس، فدخل سيل في المسجد، فما أنكر الناس من صلاته شيئا حتى فرغ منها .

وقال الحكم: من تأمل من عن يمينه أو شماله في الصلاة حتى يعرفه فليست له صلاة .

[ ص: 43 ] وقال أبو ثور: إن التفت ببدنه كله أفسد صلاته .

وقال الحسن البصري: إذا استدبر القبلة استقبل صلاته، وإن التفت عن يمينه أو شماله مضى في صلاته .

ورخصت فيه طائفة؛ فقال ابن سيرين : رأيت أنس بن مالك: يشرف إلى الشيء في صلاته ينظر إليه .

وقال معاوية بن قرة: قيل لابن عمر: إن ابن الزبير إذا قام في الصلاة لم يتحرك ولم يلتفت قال: لكنا نتحرك ونلتفت .

وكان إبراهيم يلحظ يمينا وشمالا ، وكان ابن معقل يفعله .

وقال عطاء: الالتفات لا يقطع الصلاة .

وهو قول مالك والكوفيين والأوزاعي .

[ ص: 44 ] وقال ابن القاسم : فإن التفت بجميع جسده لا يقطع الصلاة .

ووجهه أنه - عليه السلام - لم يأمر فيه بالإعادة حين أخبر أنه اختلاس من الشيطان، ولو وجبت فيه الإعادة لأمرنا بها؛ لأنه بعث معلما، كما أمر الأعرابي بالإعادة مرة بعد أخرى .

وقال المتولي -من أصحابنا-: إذا التفت وبدنه باق إلى القبلة فلا تبطل صلاته، وإن صرف صدره عنها بطلت.

وقال القفال في "فتاويه": إذا التفت في صلاته التفاتا كثيرا في حال قيامه، إن كان جميع قيامه كذلك بطلت صلاته، وإن كان في بعضه فلا؛ لأنه عمل يسير. قال: وكذا في الركوع والسجود لو صرف وجهه وجبهته عن القبلة لم يجز؛ لأنه مأمور بالتوجه إلى الكعبة في ركوعه وسجوده. قال: ولو حول أحد ساقيه عن القبلة بطلت؛ لأنه كثير.

التالي السابق


الخدمات العلمية