التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
726 760 - حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش، حدثني عمارة، عن أبي معمر قال: سألنا خبابا: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال نعم. قلنا بأي شيء كنتم تعرفون؟ قال: باضطراب لحيته. [انظر: 746 – فتح: 2 \ 244]


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث جابر بن سمرة في الباب قبله. وقال: (وأحذف في الأخريين).

والمعنى: أقصر كما سلف، وأصل الحذف من الشيء النقص منه.

ثانيها:

حديث أبي قتادة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانا. وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الأولى، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة [ ص: 64 ] الصبح ويقصر في الثانية.

والكلام عليه من أوجه:

أحدها: هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا ، وذكره البخاري مرات قريبا . وفي أبي داود: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى .

وهذا حكمة تطويل الأولى على الثانية.

ثانيها: الأوليان تثنية أولى، وكذلك الأخريان (تثنية) أخرى ومرجوح في اللغة: الأولة والأولتان.

ثالثها: الحكمة في قراءة السورة في الأوليين من الظهر والعصر. وفي الصحيح أن الظهر في وقت قائلة، والعصر في وقت شغل الناس بالبيع والشراء وتعب الأعمال، والصبح في وقت غفلة بالنوم آخر الليل فطولتا بالقراءة ليدركها المتأخر؛ لاشتغاله مما ذكرنا وإن كانت قراءتهما في العصر أقصر من الصبح والظهر.

رابعها: إسماعه - عليه السلام - الآية أحيانا يحتمل أنه كان مقصودا وأن يكون للاستغراق في التدبر؛ وهو الأظهر، لكن الإسماع يقتضي القصد له، وفيه دلالة على عدم السجود لذلك.

خامسها: فيه: أن (كان) فيه يقتضي الدوام في الفعل.

سادسها: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وقد سلف ما فيه [ ص: 65 ] سابعها: فيه: أن السورة لا تشرع في الأخريين من الظهر والعصر، وكذا العشاء وثالثة المغرب، وهو أشهر قولي الشافعي، إلا أن يكون المصلي مسبوقا كما نص عليه؛ لئلا تخلو صلاته عن سورة.

تاسعها: فيه: أن قراءة سورة كاملة أفضل من قدرها من طويلة؛ لأنه قد يخفي الارتباط، ولو اقتصر على بعض سورة ففي الكراهة قولان للمالكية .

ومن منع استدل بأن الشارع قرأ ببعض سورة في صلاة الصبح.

وأجيب بأنه كان لسعلة إذ في النسائي: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون ثم أخذته سعلة فركع .

وقيل: تجوز الزيادة عليها؛ لقول ابن مسعود: لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة سورتين في ركعة، وسيأتي قريبا .

وأجيب بأنه محمول على النوافل.

ومشهور مذهب مالك أنه لا يقسم سورة في ركعتين، فإن فعل أجزأه .

وقال مالك في "المجموعة": لا بأس به وما هو الشأن .

[ ص: 66 ] والصحيح عند الحنفية أن تفريقها في ركعتين لا يكره قالوا: ولا ينبغي أن يقرأ في الركعتين من وسط السورة ومن آخرها، ولو فعل لا بأس به لما سلف .

وقال في "المغني": لا يكره قراءة آخر السورة وأوساطها في إحدى الروايتين عن أحمد، والثانية مكروه .

العاشر: فيه: تطويل الأولى على الثانية، وقد سلف في الباب قبله ما فيه، وفيه غير ذلك مما أوضحته في "شرح العمدة" فراجعه منه .

قال ابن بطال : وإنما ساق البخاري هذه الأحاديث؛ لأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عباس ما يعارضها ثم ذكر ذلك وأجاب عنه فقال: روى (أبو ذر) ، عن شعبة مولى ابن عباس، عنه أنه سأله رجل: في الظهر والعصر قراءة؟ فقال: لا .

[ ص: 67 ] وروى عكرمة عنه أنه قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلوات وسكت، فنقرأ فيما قرأ ونسكت فيما سكت، فقيل له: لعله كان يقرأ في نفسه؛ فغضب وقال: تتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟!

قال الطحاوي: فذهب قوم إلى ما روي عن ابن عباس فقالوا: لا نرى لأحد أن يقرأ في الظهر والعصر البتة، وهو قول سويد بن غفلة .

وقال الطبري: قال آخرون: في كل صلاة قراءة، غير أنه يجزئ فيما أمر المصلي أن يخافت فيه بالقراءة قراءته في ركعتين منها، وله أن يسبح في باقيها، وروي ذلك عن ابن مسعود والنخعي فجعل أهل هذه المقالة سكوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخصوص، وقالوا: إنما كان يسكت عنها في الأخريين، فأما الأوليين فلأنه كان يقرأ فيهما؛ لأنه لا خلاف بين الجميع أنه - عليه السلام - كان يقرأ فيما يجهر فيه من الصلوات في الأوليين، قالوا: فحكم ما يخافت فيه الإمام بالقراءة حكم ما يجهر فيه، في أن في الأوليين قراءة وترك القراءة في الأخريين، هذا قول الكوفيين.

وقال آخرون: لم يكن - عليه السلام - يترك القراءة في شيء من صلاته ولكنه كان يجهر في بعض ويخافت في بعض، هذا قول أهل الحجاز وأحمد وإسحاق.

[ ص: 68 ] وأنكروا قول ابن عباس، وقالوا: قد روي عنه خلاف ذلك بإسناد (أصح) من إسناد الخبر عنه بالإنكار.

ثم ساق الطبري من حديث عكرمة عنه قال: قد علمت السنة كلها غير أني لا أدري أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر أم لا ؟ ولا يندفع العلم اليقين بغير علم.

قال الطحاوي: وقد روي عنه من رأيه خلاف ما سلف عنه، روينا عنه أنه قال: اقرأ خلف الإمام بالفاتحة في الظهر والعصر.

وإذا كان هذا في المأموم مع أن الإمام يحمل عنه فالإمام أولى .

وإذا قد صح عنه أنه قال: لا أدري أقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا. فقد انتفي ما قال من ذلك؛ لأن غيره قد حقق قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فيهما وهو نص أحاديث الباب.

ورواية البخاري الآتية -في باب: يقرأ في الأخريين بأم الكتاب. في حديث أبي قتادة: كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الأخريين بأم الكتاب - قاطع للخلاف.

وحديث عطاء عن أبي هريرة: في كل الصلاة قراءة فما أسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم، وما أخفاه عنا أخفيناه عنكم .

[ ص: 69 ] وحديث جابر بن سمرة: كان - عليه السلام - يقرأ في الظهر بـ سبح اسم ربك الأعلى [الأعلى: 1] ، وفي رواية: كان يقرأ في الظهر والعصر بـ والسماء والطارق و والسماء ذات البروج ، وليس في خبر ابن عباس إنكاره القراءة في الظهر والعصر خلاف ما ثبت عن الشارع أنه قرأ فيهما؛ لأن ابن عباس لم يذكر أنه قال له: لا قراءة في الظهر والعصر. وإنما أخبر أنه سكت فيهما، وغير نكير أن يقول: إذا لم يسمعه يقرأ أنه يسكت، فيخبر مما كان من حاله عنده، فالذي أخبر ابن عباس أنه - عليه السلام - لم يقرأ كان الحق عنده، والذي أخبر أنه قرأ فإنه سمع قراءته، فمن سامع منه الآية، ومن سامع قراءة سورة، ومن سامع أمره بالقراءة في جميع الصلاة.

ووجهه غيره إلى أنه أمر بذلك في بعض الصلاة. ومن رآه يحرك شفتيه في الظهر والعصر فوجهه أنه لم يحركهما إلا بالقراءة، فكل أخبر مما كان عنده، وكلهم كان صادقا عند نفسه، والمصيب عين الحق أخبر أنه كان يقرأ فيهما، وذلك أن في خبر أبي قتادة أنه كان يسمعهم الآية أحيانا، فالشاهد إنما يستحق الاسم إما بالسماع أو بالرؤية، فأما من أخبر أنه لم يسمع ولم ير فغير جائز أن يجعل خبره خلافا لخبر من قال: رأيت أو سمعت؛ لأنه شاهد وغيره أخبر عن نفسه؛ لأنه لا شهادة عنده. في ذلك.

والنفي لا يكون شهادة في قول أحد من أهل العلم.

[ ص: 70 ] وقال الطحاوي: فأما النظر في ذلك فإنا رأينا القيام والركوع والسجود فرائض لا تجزئ الصلاة إذا ترك شيئا منها، وكان ذلك في سائر الصلوات سواء، فرأينا القعود الأول سنة في الصلوات كلها سواء، ورأينا الأخير فيه الاختلاف، منهم من سنه ومنهم من افترضه، وكل فريق منهم قد جعل ذلك في كل الصلوات سواء، فكانت هذه الأشياء ما كان منها فرضا في صلاة كان كذلك في كل الصلوات، فلما رأينا القراءة في الصبح والمغرب والعشاء واجبة في قول المخالف لا بد منها كذلك في الظهر والعصر، وهذه حجج قاطعة على من نفى القراءة في الظهر والعصر ويراها فرضا في غيرها .

الحديث الثالث:

حديث خباب، وقد سلف في باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة ، وهو من أفراد البخاري.

وفيه وفي حديث أبي قتادة: أن الحكم في السر أن يسمع الإنسان نفسه.

وفيه أيضا: الحكم بالدليل؛ لأنهم حكموا لاضطراب لحيته -شرفها الله- أنه كان يقرأ.

التالي السابق


الخدمات العلمية