التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
752 785 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [789، 795، 803 - مسلم: 392 - فتح: 2 \ 269]


قاله ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا ذكره بعد هذا الباب مسندا.

قال: وفيه عن مالك بن الحويرث.

ويعني به الحديث السالف في الإمامة ثم ساق بإسناده من حديث خالد، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن عمران بن حصين قال: صلى مع علي بالبصرة فقال: ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع.

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا ، وخالد هو ابن عبد الله الطحان، والجريري هو سعيد بن إياس أبو مسعود، وأبو العلاء: هو يزيد بن عبد الله بن الشخير، ومطرف هو ابن عبد الله بن الشخير.

قال البزار في "سننه": هذا الحديث رواه غير واحد، عن مطرف،

[ ص: 139 ] عن عمران، وعن الحسن، عن عمران، وهذه الأحاديث فيها أحاديث صحاح : حديث ابن مسعود وأبي هريرة، وسائر الأسانيد حسان، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يتم التكبير، روى الحسن بن عمران ، ولا نعلم روى عنه إلا شعبة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه به، ومعناه أنه كان يكبر في بعض صلاته ويترك في خفض أو رفع على أن هذا الحديث لا يصح من جهة النقل فاستغنينا عن التكثير في ذلك.

ثم ساق البخاري بإسناده من حديث ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقد أخرجه مسلم أيضا ، قال البزار في "سننه": رواه غير واحد عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة .

وسيأتي في باب: يكبر وهو ينهض من السجدتين ما يخدش في هذه الرواية.

ثم ساق من حديث قتادة، عن عكرمة قال: صليت خلف شيخ [ ص: 140 ] بمكة فكبر اثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق. فقال: ثكلتك أمك، سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -. وقال موسى: حدثنا أبان، ثنا قتادة، ثنا عكرمة. انتهى.

أراد البخاري بهذا تبيين سماع قتادة من عكرمة وهو مخرج في "سنن البزار"، وقال في حديث سعيد عن قتادة: رواه أيضا همام عن قتادة، ورواه خالد الحذاء وعبد الله بن المختار وأبو بشر، عن عكرمة، ولم يسند ابن المختار عن عكرمة غير هذا الحديث، وروى قتادة، عن شهر، عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري قال: لأصلين بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة.

قال أبو بكر: وهذا الحديث رواه بديل بن ميسرة أيضا عن شهر.

وقد ذكر الإسماعيلي أيضا في "صحيحه" من حديث سعيد، ثنا قتادة أن عكرمة حدثهم فذكره، وحديث عكرمة هذا من أفراد البخاري.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن البخاري ترجم لحديث عمران باب إتمام التكبير في السجود، وزاد فيه: وكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر.

وذكر فيه حديث عكرمة أيضا، وأبو بشر فيه هو جعفر بن أبي وحشية إياس ، وشيخ البخاري في حديث عمران: هو أبو النعمان، واسمه: محمد بن الفضل عارم.

وترجم لحديث أبي هريرة باب التكبير إذا قام من السجود، وقال فيه: وقال موسى بن إسماعيل: ثنا أبان، ثنا قتادة، ثنا عكرمة. وأراد به تبيين سماع قتادة من عكرمة كما سلف؛ لتزول تهمة تدليسه.

[ ص: 141 ] وأبان هو ابن يزيد أبو يزيد العطار البصري، استشهد به البخاري، وذكر فيه حديثا آخر كما ستعلمه .

وهذه الآثار دالة على أن التكبير في كل خفض ورفع لم يكن مستعملا عندهم، ولولا ذلك ما قال عمران: ذكرنا علي صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا قال أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أنكر عكرمة على الذي كبر اثنتين وعشرين تكبيرة، ولا نسبه إلى الحمق، وهذا يدل أن التكبير في غير الإحرام لم يتلقه السلف على أنه من أركان الصلاة، وقد فعله جماعة من السلف وتركه جماعة، ولم يقل أحد ممن فعله لمن لم يفعله: إن صلاتك لا تتم إلا به.

فممن كان يتم التكبير ولا ينقصه من الصلاة في كل خفض ورفع: الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عمر وجابر وأبو هريرة، ومن التابعين: مكحول والنخعي ، وهو قول مالك والأوزاعي والكوفيين والشافعي وأبي ثور وعوام العلماء .

وممن كان ينقص التكبير ذكر الطبري قال: سئل أبو هريرة: من أول من ترك التكبير إذا رفع رأسه وإذا وضعه؟ قال: معاوية.

[ ص: 142 ] وعن عمر بن عبد العزيز وابن سيرين والقاسم وسالم وسعيد بن جبير مثله .

وذكر أبو القاسم البلخي في كتابه "معرفة الرجال": عن أبي عاصم عن أبي حباب، قال: شهدت عمرو بن عبيد أتى ابن سيرين فقال: يا أبا بكر، ألم يقل عمران حين صلى بهم فلان فجعل يكبر كلما خفض ورفع؟ قال: بلى، قال: فما بالك تحذف تكبيرتين؟ فقال: إن مروان وأهل المدينة لا يكبرون، فقال عمرو: سبحان الله يا أبا بكر، يقول عمران: ذكرني صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول أنت: مروان وأهل المدينة لا يكبرون. قال: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [الأنعام: 90] فقال عمرو: أو مروان ممن أمر الله أن يقتدى به؟ لا والله، لا أجالسك أبدا.

واحتجوا مما رواه شعبة عن الحسن بن عمران، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يتم التكبير يعني: إذا خفض وإذا رفع وقد سلف، وأنه ضعيف والحديث في "مسند أحمد".

قال البخاري في "تاريخه" عن أبي داود الطيالسي: هذا عندنا باطل .

وقال الطبري: راويه الحسن بن عمران وهو مجهول لا يجوز الاحتجاج به ، قال البيهقي: وقد يكون كبر ولم يسمع الراوي أو [ ص: 143 ] يكون تركه مرة؛ لبيان الجواز ، وتأوله الكرخي على حذفه، وذلك نقصان صفة لا نقصان عدد، وفي "المصنف" عن أبي عبيد: أول من نقصه زياد .

وفي "شرح الهداية" سئل أبو حنيفة عن التكبير، فقال: احذفه واجزمه. ومثله عن صاحبيه.

وكان ابن عمر ينقص التكبير، وقال مسعر: إذا انحط بعد الركوع لم يكبر ، وإذا أراد أن يسجد الثانية من كل ركعة لم يكبر.

وقال سعيد بن جبير: إنما هو شيء يزين به الرجل صلاته. وقال قوم من العلماء: التكبير إنما هو إذن بحركة الإمام وليس بسنة إلا في الجماعة، فأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر، وقال أحمد بن حنبل: كان ابن عمر لا يكبر إذا صلى وحده ، وقد قال بسنية تكبيرات الانتقالات الخلفاء الأربعة ومن سلف، وقيس بن (عباد)، والشعبي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن الزبير.

[ ص: 144 ] وقال أهل الظاهر وأحمد في رواية: كلها واجبة .

ومن الأحاديث الدالة على المشروعية ما رواه النسائي عن واسع بن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: الله أكبر كلما وضع وكلما رفع .

وما رواه الترمذي محسنا مصححا من حديث ابن مسعود: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود .

وما رواه مالك من حديث وهب بن كيسان أن جابرا كان يعلمهم التكبير في الصلاة، وكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا .

وما رواه النسائي من حديث أنس مرفوعا وابن أبي شيبة من [ ص: 145 ] حديث علي مرفوعا بنحوه ، وغير ذلك.

وفي "سنن البزار" بإسناد جيد من حديث أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان يتمون التكبير، ثم قال: لا نعلمه يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد.

واختلف أصحاب مالك فيمن ترك التكبير في الصلاة، فقال ابن القاسم: من أسقط ثلاثا فأكثر أو التكبير كله سوى تكبيرة الإحرام، سجد قبل السلام وإن لم يسجد قبله سجد بعده، وإن لم يسجد حتى طال بطلت صلاته، وفي "الواضحة": وإن نسي تكبيرتين سجد قبل أن يسلم، فإن لم يسجد لم تبطل صلاته وإن ترك تكبيرة واحدة، فاختلف قوله هل عليه سجود أم لا؟ فقال ابن عبد الحكم وأصبغ: ليس على من ترك التكبير سوى السجود، فإن لم يفعل حتى تباعد فلا شيء عليه. واختاره ابن المواز وابن حبيب ، وآثار الباب تدل على صحة هذا القول، ولا سجود عليه عند الشافعي .

قال ابن القصار: وعلى أصل أبي حنيفة: فيه السجود. وحكى الطحاوي خلاف هذا القول، قال: أجمعوا أن من ترك تكبير الركوع والسجود فصلاته تامة .

وقال الطبري: لا نرى صلاته فاسدة وإن كان مخطئا لسنة الشارع؛ لإجماع سلف الأمة وخلفها أن صلاة من فعل ذلك غير فاسدة .

[ ص: 146 ] وفي "شرح الهداية": لا يجب السجود بترك الأذكار كالثناء والتعوذ وتكبيرات الركوع والسجود، وتسبيحاتها.

وفي تكبير أبي هريرة كلما خفض ورفع، من الفقه أن التكبير ينبغي أن يكون معهما سواء، من غير تقدم ولا تأخر، وهو قول أكثر العلماء، ذكره الطحاوي عن الكوفيين والثوري والشافعي، قالوا: ينحط للركوع والسجود وهو يكبر وكذلك يفعل في حال الرفع والقيام من الجلسة الأولى يكبر في حال القيام، وكذلك قال مالك إلا في حال القيام من الجلسة الأولى فإنه يقول: لا يكبر حتى يعتدل قائما. هذا قوله في "المدونة" ، وفي "المبسوط" روى ابن وهب عن مالك: إن كبر بعد استوائه فهو أحب إلي، وإن كبر في نهوضه بعد ما يفارق الأرض، فأرجو أن يكون في سعة.

قال الطحاوي: فأخبر في هذا الحديث أن التكبير كان في حال الخفض والرفع، ولما اتفقوا في الخفض والرفع أن الذكر مفعول فيه وجب أن يكون كذلك حال القيام من الجلسة الأولى ، وسيأتي توجيه قول مالك في أنه لا يكبر حتى يعتدل قائما في أبواب السجود في باب: يكبر وهو ينهض بين السجدتين إن شاء الله تعالى.

وللشافعي قولان في مد التكبير في الانتقالات، والأظهر الاستحباب ، ومذهب الكوفيين مقابله فيما ذكره الطحاوي.

التالي السابق


الخدمات العلمية