التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
761 [ ص: 162 ] 123 - باب: الدعاء في الركوع

794 - حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي". [817، 4293، 4967، 4968 - مسلم: 484 - فتح 2 \ 281]


ذكر فيه حديث أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي".

هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة ، ويأتي قريبا، وفي المغازي والتفسير، وترجم عليه البخاري قريبا باب: التسبيح والدعاء في السجود وزاد فيه بعد قوله: "اللهم اغفر لي": يتأول القرآن. وفيه أنه يكثر ذلك وفي لفظ له: قالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة بعد ما أنزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح [النصر:1] إلا يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي" وعند ابن السكن بعد قولها: يتأول القرآن. قال أبو عبد الله: يعني: فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا [النصر:3]، أي: حين أعلمه الله [ ص: 163 ] بانقضاء أجله، وفي "صحيح مسلم" عنها: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ نزل عليه: إذا جاء نصر الله والفتح يصلي صلاة إلا دعا أو قال فيها: "سبحانك ربي وبحمدك، اللهم اغفر لي" ، وعنهما: كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك" قالت: قلت: يا رسول الله، ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: "جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها: إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة . وفي لفظ له: كان يكثر من قول: "سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه" قالت: فقلت: يا رسول الله، إنك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده، فقال: "أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول ذلك، فقد رأيتها إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة الآية .

وفي "أسباب النزول" للواحدي من حديث ابن عباس: لما أقبل - صلى الله عليه وسلم - من غزوة حنين، وأنزل الله عليه: إذا جاء نصر الله والفتح [النصر: 1] قال: "يا علي ويا فاطمة، قد جاء نصر الله" إلى أن قال: "فسبحان ربي وبحمده، وأستغفره إنه كان توابا" .

وفي "تفسير مقاتل": عاش بعد نزولها ستين يوما ، وفي "تفسير القرطبي" وغيره أنها نزلت بمنى أيام التشريق في حجة الوداع .

[ ص: 164 ] واختلف العلماء فيما يدعو به الرجل في ركوعه وسجوده: فقالت طائفة: لا بأس أن يدعو الرجل في ذلك مما أحب، وليس عندهم في ذلك شيء موقت ، وقد رويت آثار كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو بها، منها: "اللهم لك ركعت .. " إلى آخره، "اللهم لك سجدت .. " إلى آخره، أخرجه مسلم من حديث علي ، ومنها في السجود: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك .. " إلى آخره، وأخرجه مسلم أيضا من حديث عائشة ، وفي رواية: فإذا هو راكع أو ساجد يقول: "سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت" ومنها في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره، وعلانيته وسره" أخرجه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة ، والكل لم يخرجها البخاري وغير ذلك؛ إلا أن مالكا كره الدعاء في الركوع ولم يكرهه في السجود، واقتصر في الركوع على تعظيم الرب جل جلاله والثناء عليه ، وأظنه ذهب إلى حديث علي: "أما الركوع فعظموا فيه [ ص: 165 ] الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" أخرجه مسلم من حديث ابن عباس أي: حقيق وجدير. فجعل الركوع لتعظيم الرب وإن كانت قراءة القرآن أفضل من ذكر التعظيم؛ ولذلك ينبغي في كل موضع ما جعل فيه وإن كان غيره أشرف منه، ويؤيد هذا المعنى ما روى الأعمش عن النخعي: كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء: استوجب، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء: كان على الرجاء .

وروى ابن عيينة عن منصور بن المعتمر، عن مالك بن الحويرث، قال: يقول الله عز وجل: "إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي؛ أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" فلهذه الآثار كره مالك الدعاء في الركوع واستحبه في السجود.

وقال أهل المقالة الأولى: تعظيم الرب والثناء عليه عند العرب [ ص: 166 ] دعاء، قاله ابن شهاب، وهو حجة في اللغة، وقد ثبت في حديث عائشة المذكور في الباب الدعاء في الركوع والسجود وغيره، فلا معنى لمخالفة ذلك.

وقالت طائفة: ينبغي أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم. ثلاثا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا؛ لحديث عقبة بن عامر في ذلك، أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم، والتثليث في أبي داود، وقال: أخاف أن لا تكون محفوظة ، وفي ابن ماجه في حديث حذيفة بإسناد ضعيف ، وأصل التسبيح فيه في "صحيح مسلم" ، وعند الحاكم: يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم وصلى الله على محمد وآله" . هذا قول الكوفيين والأوزاعي [ ص: 167 ] والشافعي وأبي ثور إلا أنهم لم يوجبوا ذلك، وقالوا: من ترك التسبيح في الركوع والسجود فصلاته تامة وقال إسحاق وأهل الظاهر: إن ترك ذلك عليه الإعادة، وقالوا: حديث عقبة ورد مورد البيان فوجب امتثاله.

ووافقهم أحمد في رواية وقال: لو نسيه لم تبطل ويسجد للسهو. وقال مرة أخرى: إنه سنة كالجماعة .

وقال ابن حزم: هو فرض فإن نسيه سجد للسهو ، وأجاب الجمهور بأن البيان إنما يرد في المجمل والركوع والسجود مفسران فلا يفتقران إلى بيان، فحمل حديث عقبة على الاستحباب بدليل إسقاطه من حديث المسيء صلاته وهو موضع الحاجة، قال ابن القصار: لو قال: سبحان ربي الجليل أو الكبير أو القدير لكان معظما له، وإذا ثبت أن نفس التسبيح ليس بواجب فتعينه والعدول عنه إلى ما في معناه جائز.

[ ص: 168 ] فائدتان:

الأولى: في "شرح الطحاوي": يسبح الإمام ثلاثا، وقيل: أربعا؛ ليتمكن المقتضي من الثلاث ، وقال الروياني في "الحلية": لا يزيد الإمام على خمس. وقال الماوردي: أدنى الكمال ثلاث، والكمال إحدى عشرة أو تسع، وأوسطه خمس . وفي "شرح الهداية": إن زاد على الثلاث حتى ينتهي إلى اثنتي عشرة فهو أفضل عند الإمام، وعندهما إلى سبع. وعن بعض الحنابلة: الكمال أن يسبح مثل قيامه ، وعن [ ص: 169 ] الشافعي: عشرة وهو منقول عن عمر، ورواه أبو داود من حديث أنس وفيه مقال.

الثانية: ادعى الطحاوي -فيما حكاه البيهقي- نسخ الأحاديث بحديث عقبة، وقال: يجوز أن يكون سبح اسم ربك الأعلى [ ص: 170 ] [الأعلى: 1]، أنزلت بعد ذلك قبل وفاته، قال: ولم يعلم أن حديث ابن عباس صدر منه غداة يوم الاثنين والناس خلف أبي بكر في صلاة الصبح، وهو اليوم الذي توفي فيه ، وروينا في الحديث الثابت عن النعمان بن بشير أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة العيدين والجمعة بـ سبح اسم ربك الأعلى هل أتاك حديث الغاشية [الغاشية: 1] وفي هذا دلالة أن نزول سبح كان قبل ذلك بزمان كثير، وروينا عن الحسن البصري وعكرمة وغيرهما أنها نزلت بمكة شرفها الله.

تنبيه: ليس بين السجدتين عند الحنفية ذكر مسنون، قالوا: والذي روي في ذلك محمول على التهجد ، وهو بعيد، وأهل الظاهر يقولون: إن تعمد تركه يبطل الصلاة.

فائدة: معنى: "سبحانك اللهم وبحمدك": سبحانك بجميع آلائك وبحمدك، سبحتك -أي: نزهتك- عن كل عيب، ونصبه على المصدر .

[ ص: 171 ] باب: القراءة في الركوع والسجود

هذا الباب في بعض نسخ البخاري ولم يذكر فيه حديثا، وكأنه بيض له لما لعله يجده على شرطه فلم يجده، وذكره ابن بطال مع الترجمة الآتية بعد ذلك، واعترض فقال: ترجم لذلك ولم يذكر فيه حديثا؛ لجواز ذلك ولا منعه ، وتبعهابن المنير فقال: وضعها ليذكر فيها حديثا بالإجازة أو المنع، ثم عرض له مانع من ذلك وبقيت الترجمة بلا حديث يطابقها .

قلت: وفي أفراد مسلم حديث علي قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد. وفي لفظ له: نهاني عن القراءة في الركوع والسجود. وفي لفظ: ولا أقول: نهاكم، وحديث ابن عباس قال: نهيت أن أقرأ وأنا راكع .

واتفق فقهاء الأمصار على القول بهذا الحديث، وخالفه قوم من السلف فأجازوه. قال عمرو بن ميمون: سمعت أخي سليمان بن ربيعة وهو ساجد وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. ما لو شاء رجل أن يذهب إلى أهله يتوضأ ثم يجيء وهو ساجد لفعل. وقال عطاء: رأيت عبيد بن عمير يقرأ وهو راكع. في المكتوبة. وأجازه الربيع بن خثيم وقال النخعي في الرجل ينسى الآية فيذكرها وهو راكع قال: يقرأ وهو راكع. وعندنا لو فعل ذلك كره ولم تبطل صلاته، وفي وجه: تبطل،

[ ص: 172 ] ولعل من أجازه لم يبلغه الحديث، أو بلغه فلم يصححه، ورأوا القراءة حسنة في كل حال، والخبر صح كما أسلفناه؛ فلا ينبغي القراءة في ركوعه وسجوده من أجله، وعلى هذا جماعة أئمة الأمصار.

التالي السابق


الخدمات العلمية