التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
812 850 - وقال ابن أبي مريم: أخبرنا نافع بن يزيد قال: أخبرني جعفر بن ربيعة، أن ابن شهاب كتب إليه قال: حدثتني هند بنت الحارث الفراسية، عن أم سلمة -زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت من صواحباتها- قالت: كان يسلم، فينصرف النساء، فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب: أخبرتني هند الفراسية. وقال عثمان بن عمر: أخبرنا يونس، عن الزهري، حدثتني هند الفراسية. وقال الزبيدي: أخبرني الزهري، أن هند بنت الحارث القرشية أخبرته، وكانت تحت معبد بن المقداد -وهو حليف بني زهرة- وكانت تدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال شعيب، عن الزهري: حدثتني هند القرشية. وقال ابن أبي عتيق، عن الزهري، عن هند الفراسية. وقال الليث: حدثني يحيى بن سعيد، حدثه عن ابن شهاب، عن امرأة من قريش حدثته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [انظر: 837 - فتح: 2 \ 334]


وقال لنا آدم: ثنا شعبة، عن أيوب، عن نافع: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة، وفعله القاسم. ويذكر عن أبي هريرة رفعه: "لا يتطوع الإمام في مكانه".

ولم يصح.

[ ص: 320 ] الشرح:

قوله: (وقال لنا آدم) هو من باب المذاكرة، وقد أسنده ابن أبي شيبة، عن ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلي سبحته مكانه . وأثر القاسم أخرجه ابن أبي شيبة، عن معتمر، عن عبيد الله بن عمر قال: رأيت القاسم وسالما يصليان الفريضة ثم يتطوعان في مكانهما قال: وأنبأني نافع أن ابن عمر كان لا يرى به بأسا .

وحديث أبي هريرة رواه أبو داود وابن ماجه من حديث حماد وعبد الوارث، عن ليث، عن حجاج بن عبيد، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة" يعني: في السبحة، سكت عليه أبو داود، وفيه مجهول كما قاله أبو حاتم ،

[ ص: 321 ] وهو إبراهيم بن إسماعيل. قال البخاري : وإسماعيل بن إبراهيم أصح.

وليث بن أبي سليم، وأخرجه البيهقي من طرق إليه .

ونقل عن البخاري أنه قال: الليث يضطرب فيه، وطرقه: الدارقطني في "علله"، ثم قال: ولا يصح، والاضطراب من ليث بن أبي سليم .

ونقل المزي في "تهذيبه" عن البخاري أن الحديث لم يثبت ولم يصح إسناده .

ثم ساق البخاري حديث الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة.

أنه - عليه السلام -كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيرا
... الحديث.

وقد سلف في باب التسليم .

ثم قال: وقال ابن أبي مريم: أنبا نافع بن يزيد: أخبرني جعفر بن ربيعة، أن ابن شهاب كتب إليه: حدثتني هند بنت الحارث الفراسية، عن أم سلمة -زوج النبي- صلى الله عليه وسلم -، وكانت من صواحبها- وقال ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب: أخبرتني هند الفراسية. وهذا أسنده النسائي ، عن محمد بن مسلمة، عن ابن وهب .

[ ص: 322 ] ثم قال: قال عثمان بن عمر: أنا يونس، عن الزهري، حدثتني هند القرشية.

هذا رواه بعد، عن عبد الله بن محمد، عن عثمان به، ثم علقه بعد من طريقين وفيه: القرشية. وفي إحداهما: وكانت تحت معبد بن المقداد وهو حليف بني زهرة، وكانت تدخل على أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي ثالث: الفراسية. وفي رابع: عن امرأة من قريش حدثته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحاصل ما ذكره أن جعفر بن ربيعة وابن أبي عتيق ويونس في حديث ابن وهب يقولون: الفراسية. وأن عثمان بن عمر، عن يونس والزبيدي وشعيب والليث، عن يحيى بن سعيد: القرشية. وقال يحيى: عن امرأة من قريش حدثته.

قال الداودي: وليس هذا الاختلاف بمانع من أن تكون فراسية من

بني فراس ثم من بني فارس ثم من قريش، فنسبت مرة إلى أب من آبائها ومرة إلى أب آخر ومرة إلى غيره من آبائها، كما يقال في جابر بن عبد الله: السلمي والأنصاري، وسعد بن ساعدة: الساعدي والأنصاري.

واعترض ابن التين على قول الداودي: ثم من بني فارس. وقال: ما علمت له وجها؛ لأن فارس أعجمي، وفراس وقريش عرب، وليس في البخاري ذكر فارس.

وذكر عن الشيخ أبي عمران أنه قال جعلها قرشية لما حالف زوجها فيهم؛ لما سلف في رواية الزبيدي.

أما فقه الباب وهو مكث الإمام في مصلاه بعد السلام، فأكثر العلماء -كما نقله عنهم ابن بطال- على كراهته، إذا كان إماما راتبا إلا أن يكون مكثه لعلة كما فعله الشارع. قال: وهو قول الشافعي [ ص: 323 ] وأحمد . وقد أسلفنا قول مالك فيه في الباب قبله. وقال أبو حنيفة: كل صلاة يتنفل بعدها يقوم بعد، وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصبح، فهو غير ، وهو قول أبي مجلز .

وقال القاضي في "شرح الرسالة": من أصحابنا من يحمل قول مالك على صلاة لا نافلة بعدها، أما إذا كان يتنفل بعدها فلا بأس أن يجلس في موضعه، وظاهر قول مالك الأفضل فإن كان ذلك مجلسه فذلك واسع؛ لأنه إنما يستحب له ذلك إذا كان قصده لأجل الصلاة.

وقال أبو محمد: ينتقل في الصلوات كلها؛ ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه من سجوده سهو ولا غيره، كذا نقله عن أبي محمد ابن بطال .

وحكاه شيخنا قطب الدين في "شرحه" عن محمد بن الحسن وتوبع ، ورأيته في "شرح ابن التين" أيضا.

وذكر ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود وعائشة قالا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم لم يقعد إلا بقدر ما يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" وقال ابن مسعود أيضا: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قضى صلاته انفتل سريعا، إما أن يقوم، وإما أن ينحرف .

وقال ابن جبير: شرق أو غريب ولا تستقبل القبلة. وقال قتادة: كان [ ص: 324 ] الصديق إذا سلم كأنه على الرضف حتى ينهض . وقال ابن عمر: الإمام إذا سلم قام . وقال مجاهد: قال عمر: جلوس الإمام بعد السلام بدعة . وذهب جماعة الفقهاء إلى أن الإمام إذا سلم قال: من صلى خلفه من المأمومين يجوز لهم القيام قبل قيامه إلا رواية عن الحسن والزهري. وذكرها عبد الرزاق قال: لا تنصرفوا حتى يقوم الإمام .

قال الزهري: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" . وجماعة الناس على خلافهما، وروى معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: إذا فرغ الإمام ولم يقم ولم ينحرف، وكانت لك حاجة، فاذهب ودعه، فقد تمت صلاتك .

وروى ابن شاهين في "المنسوخ" من حديث سفيان، عن سماك، عن جابر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع الشمس حسنا . وفي حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس:

[ ص: 325 ] صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ساعة يسلم يقوم، ثم صليت مع أبي بكر فكان إذا سلم وثب من مكانه كأنه يقوم على رضفه
. ثم حمل ابن شاهين الأول على صلاة لا يعقبها نافلة، والثاني على مقابله. ثم اعلم أن الجمهور على أن الإمام لا يتطوع في مكانه الذي صلى فيه الفريضة.

وذكر ابن أبي شيبة عن علي: لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلام، وكرهه ابن عمر للإمام ولم ير به بأسا لغيره. وعن عبد الله بن عمرو مثله .

وروى موسى عن القاسم: إن الإمام إذا سلم فواسع أن ينتقل من مكانه . قال ابن بطال: وهذا لم أجده لغيره من العلماء .

قلت: لكنه قول أشهب فيما حكاه ابن التين ودل على الفصل من السنة الصحيحة حديث مسلم أن معاوية رأى السائب ابن أخت نمر صلى معه الجمعة في المقصورة قال: فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فأرسل إلي: لا تعد، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك . وفي "سنن أبي داود" من حديث عطاء الخراساني عن المغيرة، مرفوعا [ ص: 326 ] "لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول" ثم قال: عطاء لم يدرك المغيرة .

وفي البيهقي من حديث علي: قال: من السنة إذا سلم الإمام أن لا يقوم من موضعه الذي صلى فيه حتى ينحرف أو يفصل بكلام .

ولفظ ابن أبي شيبة: لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلام .

وفي حديث أم سلمة من الفقه أن خروج النساء ينبغي أن يكون قبل خروج الرجال.

التالي السابق


الخدمات العلمية