التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
831 869 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل. قلت لعمرة: أو منعن؟ قالت: نعم. [مسلم: 445 - فتح: 2 \ 349]


[ ص: 357 ] ذكر فيه أحاديث عن عائشة، وحديثا عن ابن عمر من طريقين، وحديثا عن أبي قتادة.

أولها: حديث عروة عنها: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعتمة ... الحديث.

وقد سلف في الباب قبله آنفا بهذا السند.

ثانيها: حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استأذنكم نساؤكم" ... الحديث. تابعه شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأخرجه مسلم . وحنظلة -في إسناده- هو ابن أبي سفيان الأسود، مات سنة إحدى وخمسين ومائة ، وأخواه عبد الرحمن وعمرو ثقتان، وأخرجاه من حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها" .

[ ص: 358 ] ثالثها: حديث عائشة في التغليس بالصبح وقد سلف . وفيه: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي الصبح.

وهو بكسر (إن) مخففة من الثقيلة.

رابعها: حديث أبي قتادة في التجوز في الصلاة مخافة الافتتان.

خامسها: حديث عائشة: لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل. قلت لعمرة: أو منعن؟ قالت: نعم.

وأخرجه مسلم أيضا وخص في حديث ابن عمر الليل لما فيه من الستر، والغلس مثله. وقوله: ("فأذنوا لهن")، فيه أن للزوج منعها من ذلك، وكذا وليها، ولولاه لخوطب النساء بالخروج كما خوطبن بالصلاة.

وقول عائشة: (ما يعرفن من الغلس) أي: لا يتميزن نساء كن أو رجالا، يوضحه حديث قيلة قالت: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بالناس صلاة الغداة حين انشق الفجر، فصففت مع الرجال وأنا امرأة حديثة عهد بجاهلية، فقال لي الرجل الذي يليني: امرأة أنت أم رجل؟ فقلت: امرأة .

[ ص: 359 ] وينبغي إذا استأذنته ألا يمنعها مما فيه منفعتها، وهو محمول على أمن الفتنة كما أسلفناه في باب: كم تصلي المرأة من الثياب؛ لأنه كان الأغلب من حال أهل ذلك الزمان. وحديث عائشة دال على المنع إذ حدث في الناس الفساد. وهذا عند مالك محمول على العجائز، وروى عنه أشهب قال: وللمتجالة أن تخرج إلى المسجد، ولا تكثر الترداد، وللشابة أن تخرج إليه المرة بعد المرة، وتخرج في جنائز أهلها .

وقال أبو حنيفة: أكره للنساء شهود الجمعة والصلاة المكتوبة، وأرخص للعجوز أن تشهد العشاء والفجر، وأما غير ذلك فلا. وقال أبو يوسف: لا بأس أن تخرج العجوز في الصلوات كلها وأكره للشابة . وقال الثوري: ليس للمرأة خير من بيتها وإن كانت [ ص: 360 ] عجوزا . وقال ابن مسعود: المرأة عورة، وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها، فإذا خرجت استشرفها الشيطان . وكان ابن عمر يقوم بحصب النساء يوم الجمعة يخرجهن من المسجد . وقال أبو عمرو الشيباني: سمعت ابن مسعود حلف فبالغ في اليمين: ما صلت امرأة صلاة أحب إلى الله من صلاتها في بيتها إلا في حج أو عمرة إلا امرأة قد يئست من البعولة . وقال ابن مسعود لامرأة سألته عن الصلاة في المسجد يوم الجمعة فقال: صلاتك في مخدعك أفضل من صلاتك في بيتك، وصلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك أفضل من صلاتك في مسجد قومك . وكان إبراهيم يمنع نساءه الجمعة والجماعة. وسئل الحسن [ ص: 361 ] البصري عن امرأة حلفت إن خرج زوجها من السجن أن تصلي في كل مسجد تجمع فيه الصلاة بالبصرة ركعتين، فقال الحسن: تصلي في مسجد قومها؛ لأنها لا تطيق ذلك، لو أدركها عمر لأوجع رأسها .

وفي "المدونة": لا تمنع النساء المساجد . فيحتمل أن يريد: يحكم لهن به، ويحتمل أن يريد به حض الأزواج على إباحة ذلك لما كان لهم المنع، وعليه جماعة أهل العلم أن خروجهن مباح، قاله ابن التين.

وقول عائشة: (ما أحدث النساء) تعني: من الطيب والتجمل وقلة التستر، قال: وقولها: (كما منع نساء بني إسرائيل) يحتمل أن تكون شريعتهم المنع، ويحتمل أن يكون منعهن بعد الإباحة، ويحتمل غير ذلك مما لا طريق لنا إلى معرفته إلا بالخبر. وقال ابن مسلمة في "المبسوط": إنما يكره من خروجهن الفتنة للرائحة، أو الجميلة المشتهرة التي يكون في مثلها الفتنة .

قال الداودي: فكيف لعائشة لو أدركت وقتنا هذا. قلت: فكيف لو أدركت وقتنا هذا . وكانت عاتكة بنت زيد امرأة عمر تقول: لأخرجن إلا أن يمنعني، وكان عمر شديد المغيرة، فكره منعها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -، وكره خروجها، فذكر أنه جلس لها في الغلس في طريق المسجد، فمس طرف ثوبها وهي لا تعرفه، فرجعت، فقال لها: لم لا تخرجين، قالت: كنا [ ص: 362 ] نخرج حين كان الناس ناسا، وذكر أنه أعلمها بعد ذلك أنه فاعل ذلك، فقالت: ولو. وأبت أن تخرج. والبخاري ذكر بعض هذا في كتاب الجمعة كما ستعلمه . وروى ابن عباس أن امرأة جميلة دخلت المسجد، فوقفت في الصف الأول من صفوف النساء فمن الناس من تقدم حتى لا يراها، ومنهم من تأخر يلاحظها، فأنزل الله تعالى: ولقد علمنا المستقدمين الآية [الحجر: 24] .

[ ص: 363 ]
وفي أفراد مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" .

قال الخطابي: في حديث أبي قتادة دليل على أن الراكع إذا ما أحس بمقتد مقبلا طول ليدركها، كما جاز التخفيف لسببه . وفيه نظر كما أبداه ابن التين؛ لأن طول المقام ضرر بمن خلفه، ولا يستدل بالتخفيف عنهم على الشدة عليهم، وقد قال القاضي أبو محمد: يكره فعل ذلك . وفي كتاب ابن الحارث عن سحنون: تبطل صلاتهم.

وفيه: أن من طول في صلاة أو عرض له ما يخفف يراعيه، ويتجوز أيضا؛ ليكلم أبويه، ومن عرضت له حاجة أيضا، ومن دخل في نافلة قائما لا بأس أن يجلس لغير علة، قاله ابن القاسم. وقال أشهب: لا يجلس إلا من علة .

التالي السابق


الخدمات العلمية