التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
845 885 - حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام، أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغسل يوم الجمعة، فقلت لابن عباس: أيمس طيبا أو دهنا إن كان عند أهله؟ فقال: لا أعلمه. [انظر: 884 - مسلم: 848 - فتح: 2 \ 371]


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث ابن وديعة عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".

[ ص: 402 ] ويأتي إن شاء الله قريبا وهو من أفراده، ونعلم بعضه من طريق أبي هريرة، وأخرجه النسائي وابن خزيمة من حديث قرثع الضبي عن سلمان ، وأخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن وديعة عن أبي ذر الغفاري ، وذكره الإسماعيلي فقال: رواه المقبري، عن أبيه، عن ابن وديعة، عن أبي ذر، ورواه مرة بإسقاط أبيه وزيادة: "ثلاثة أيام" ورواه ابن سعد من حديث سعيد المقبري، عن أبيه، عن ابن وديعة، عن رسول الله، ذكره في الطبقة الثالثة من الصحابة في ترجمة ثابت بن وديعة، ورواه أيضا من حديث ثابت بن وديعة بن خذام عن رسول الله، ولثابت صحبة، وذكره في الطبقة الثالثة ، ورواه المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا .

[ ص: 403 ] وفيه: أن غسل الجمعة مطلوب لهذا الثواب، وأن الادهان لخروجه إليها كذلك كالطيب، وهو إجماع كما قاله ابن بطال .

قال: وروي في حديث قرثع عن سلمان مرفوعا: "إذا توضأ الرجل" الحديث فذكر مكان الغسل الوضوء، وهو دال على أن الثواب الموصوف إنما هو لمن شهد الجمعة بالصفة التي وصفها، وأنصت لخطبة إمامه وقراءته في صلاته دون من لم ينصت، والمعذور لعدم السماع ملحق به.

وابن وديعة اسمه: عبد الله بن وديعة بن خذام تابعي، وذكره أبو حاتم الرازي وغيره في الصحابة، وتبعهم الذهبي في "تجريده" فجزم به ، وليس له في البخاري غير هذا الموضع الواحد، ووديعة منافق، ووالده رد - صلى الله عليه وسلم - نكاح بنته خنساء .

وسلمان الخير المعمر مات سنة ست وثلاثين بعد الجمل، كذا قاله الدمياطي في "حاشيته"، وقال الواقدي: مات في خلافة عثمان بالمدائن.

الحديث الثاني:

حديث طاوس لابن عباس: ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنبا". وقد سلف.

ثم ذكره من طريق آخر عنه: فقلت لابن عباس: أيمس طيبا أو دهنا [ ص: 404 ] إن كان عند أهله؟ فقال: لا أعلمه. وهذه في مسلم ، وهو محمول عند الفقهاء على الندب كما سلف. وقال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون: يجزئ غسل واحد للجنابة والجمعة .

قال ابن بطال: ورويناه عن ابن عمر ومجاهد ومكحول ومالك والثوري والأوزاعي وأبي ثور ، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه ، وهو قول أشهب وغيره ، وبه قال المزني ، وقال آخرون: لا يجزئه عن غسل الجنابة حتى ينويها، وهو قول مالك في "المدونة" وذكره ابن عبد الحكم ، وذكر ابن المنذر عن بعض ولد أبي قتادة أنه قال: من اغتسل للجنابة يوم الجمعة، اغتسل للجمعة ، وقال ابن حبيب: لم يختلف قول مالك ومن علمت من أصحابنا فيمن اغتسل للجنابة وهو ناس للجمعة؛ أن ذلك لا يجزئه عن غسل الجمعة غير محمد بن عبد الحكم فإنه قال: غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة، ولا يجزئ عكسه ، قال الأبهري: لأن غسل الجنابة فرض بخلاف غسل الجمعة.

وقوله في الحديث الأول: ("ويتطهر ما استطاع") يعني: إن لم يمنعه من ذلك مانع ووجد الطيب، وقال الداودي: يعني: إن استطاع الغسل وإلا تطهر بالوضوء.

وقوله: ("أو يمس من طيب بيته") أي: امرأته.

[ ص: 405 ] وقوله: ("ولا يفرق بين اثنين") أي: لا يتخطاهما أو يجلس بينهما على ضيق الموضع، وقال ابن أبي صفرة: سألت الأصيلي عنه قال لي: يريد أنه قائم يصلي النافلة على قدميه، ولم يفرق بين قدميه، وفيه نظر، فإنه ذكر الصلاة بعد التفرقة، ولو كان كما قال، لقال: ثم يصلي غير مفرق بين اثنين. وسيأتي له مزيد في بابه، وممن كره التخطي القاسم بن مخيمرة، وسعيد بن المسيب، وعروة وابن سيرين وأبو مسعود وشريح، وسلمان الخير، وأبو هريرة، وكعب الحبر.

وقال الحسن: لا بأس أن يتخطى رقاب الناس إذا كان في المسجد سعة .

وقوله: ("ثم يصلي ما كتب له") فيه أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب وأن النوافل المطلقة لا حد لها لقوله: "ما كتب له"، وفي رواية: "ما قدر له" .

وقوله: "ثم ينصت إذا تكلم الإمام" ووقع في بعض الروايات: "ثم أنصت" وهو نقل الجمهور في مسلم ، ووقع في بعض الأصول: "انتصت" بزيادة تاء مثناة فوق، ووهمها عياض ، وليس كذلك بل لغة صحيحة، قال الأزهري: قال: أنصت، وتنصت وانتصت ثلاث لغات، والإنصات: السكون ، والاستماع: الإصغاء.

[ ص: 406 ] واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه؟

وهما قولان للشافعي: قديم وجديد .

قال القاضي: قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة ، وحكي عن الشعبي والنخعي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلي فيها القرآن.

قال: واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه؟ فقال الجمهور: يلزمه، وقال النخعي وأحمد والشافعي في أحد قوليه: لا يلزمه، ولو لغا الإمام هل يلزم الإنصات أم لا؟ فيه قولان لأهل العلم ، وفي قوله: "إذا تكلم الإمام" دليل أن الإنصات إنما هو في حال كلامه في الخطبة ، وعن أبي حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام .

وقوله: ("إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى") قيل: المراد ما بينهما من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل ذلك الوقت من الجمعة الأخرى حتى تكون سبعة أيام سواء، وأما الثلاثة الأيام السالفة الزائدة؛ فلأجل أن الحسنة بعشر أمثالها، كما فسر في الحديث.

قال الداودي: وهذا لا يكون إلا قبل ما سمع منه عثمان وغيره في الوضوء أنه يغفر له مع آخر قطر الماء يبشرهم بالشيء ثم بأكثر منه.

[ ص: 407 ] فرع:

إذا بلغ في الخطبة: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه [الأحزاب: 56] صلى القوم. وقال الطحاوي: يجب عليهم أن يصلوا عليه والذي عليه عامة المشايخ أنهم ينصتوا من أولها إلى آخرها من غير أن يذكروا الله ورسوله. قال ابن المنذر: وهذا أحب إلي .

وعن أبي يوسف: يصلون عليه سرا، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق ، وهذا كله في حق القريب من الإمام، وأما البعيد فليس فيه رواية عندهم، وكان الحكم بن زهير شيخ الحنفية ينظر في الفقه ، وأجمعوا أنه لا يتكلم بكلام الناس.

واختلفوا في القراءة والذكر، وقال ابن قدامة: لا فرق بين القريب والبعيد أن يذكر الله ويقرأ القرآن، ويصلي على النبي ولا يرفع صوته، وله أن يذاكر بالفقه ويصلي النافلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية