التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
869 [ ص: 510 ] 20 – باب: لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه

911 - حدثنا محمد قال: أخبرنا مخلد بن يزيد قال: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت نافعا يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه. قلت لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها. [6269، 6270 - مسلم 2177 - فتح: 2 \ 393]


حدثنا محمد، ثنا مخلد بن يزيد، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه. قلت لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها.

الشرح:

هذا الحديث أخرجه مسلم في الاستئذان، ولأبي اليمان عن ابن جريج: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه" ولأبي الفضل بن موسى السيناني عن ابن جريج أنه - صلى الله عليه وسلم - كره أن يقيم الرجل من المجلس فيجلس فيه.

ومحمد هو ابن سلام البيكندي، وقد صرح به في بعض النسخ، انفرد به البخاري، مات سنة خمس وعشرين ومائتين.

ومخلد (خ م د س ق) حراني مات سنة ثلاث وتسعين ومائة، كناه أبو زرعة: أبا يحيى، والبخاري: أبا خداش، والنسائي وغيره: أبا الحسن، وفي "مسند أبي قرة السكسكي" عن نافع: فكان ابن عمر [ ص: 511 ] يقوم له الرجل من مجلسه فلا يجلس فيه.

قال: وذكر ابن جريج عن سليمان بن موسى أن جابر بن عبد الله [قال] : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقيم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل: افسحوا".

إذا تقرر ذلك فإنما كره ذلك; لأنه لا يفعل إلا تكبرا واحتقارا للمقام، قال تعالى: نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا [القصص: 83] وهذا من الفساد، والإيثار ممنوع من الأعمال الأخروية، ولأن المسجد بيت الله، والناس فيه سواء فمن سبق إلى مكان فهو أحق به، فإن قدم صاحبا فجلس في موضع حتى إذا جاء قام وأجلسه مكانه جاز، فعله ابن سيرين، فإن لم يكن له نائب، وجاء فقام له شخص فيجلسه مكانه جاز; لأنه قام باختياره، والقائم إن انتقل إلى [ ص: 512 ] مكان أقرب لسماع الخطبة فلا بأس، وإن انتقل إلى دونه كره; لأنه يؤثر في دينه، ويحتمل كما قال ابن قدامة أن لا يكره لأن تقديم أهل الفضل إلى ما يلي الإمام مشروع; لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى".

ولو آثر شخصا بمكانه لم يجز لغيره أن يسبقه إليه; لأن الحق للجالس آثر به غيره فقام مقامه في استحقاقه، كما لو تحجر مواتا، ثم آثر به غيره، قاله ابن قدامة.

وقال ابن عقيل الحنبلي: يجوز لأن القائم أسقط حقه بالقيام فبقي على الأصل، فكان السابق إليه أحق به، كمن وسع لرجل في طريق فمر غيره. وإن فرش مصلاه في مكان ففيه وجهان:

أحدهما: يجوز رفعه والجلوس في موضعه; لأنه لا حرمة له; ولأن السبق بالأجسام لا بالمصلى.

والثاني: لا يجوز لأن فيه افتياتا على صاحبه، ولأنه ربما أفضى إلى الخصومة، ولأنه سبق إليه فصار كمتحجر الموات.

وقال القاضي أبو الطيب من أصحابنا: يجوز إقامته في ثلاث صور:

وهو أن يقعد في موضع الإمام، أو في طريق يمنع الناس من المرور فيه، أو بين يدي الصف مستقبل القبلة.

[ ص: 513 ] وقال المهلب: هو على العموم كما قال نافع لا يجوز أن يقيم أحد أحدا من مكانه; لأنه من سبق إلى موضع من مواضع الجماعات التي تتساوى الناس فيها فهو أحق به؛ لبداره إليه.

قلت: وكأن البخاري أشار بترجمته إلى كثرة الزحام يوم الجمعة فربما احتيج في الجلوس مكان الغير، ويؤخذ منه التبكير، فمن بكر لم يحتج إلى شيء من ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية