التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
878 [ ص: 536 ] 27 - باب: الخطبة قائما

وقال أنس: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما.

920 - حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن. [928 - مسلم: 861 - فتح: 2 \ 401]


(وقال أنس بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما).

وعن ابن عمر كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن.

الشرح:

أما تعليق أنس فأسنده في الاستسقاء كما ستعلمه في حديث: "ادع الله أن يسقينا" وأما حديث ابن عمر فسيأتي قريبا، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه أيضا.

وأما حكم الباب فالقيام للقادر شرط لصحتها، وكذا الجلوس بينهما عند الشافعي وأصحابه، فإن عجز عنه استخلف، فإن خطب قاعدا أو [ ص: 537 ] مضطجعا للعجز جاز قطعا كالصلاة، ويصح الاقتداء به حينئذ، وعندنا وجه أنها تصح قاعدا للقادر، وهو شاذ، نعم هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد كما حكاه النووي عنهم، قاسوه على الأذان، وحكى ابن بطال عن مالك كالشافعي.

وعن ابن القصار كأبي حنيفة، ونقل ابن التين عن القاضي أبي محمد أنه مسيء ولا يبطل حجة الشافعي حديث الباب.

قال ابن بطال: وهو دال على تكرار فعله في ذلك ودوامه، وأنه لم يخالف ذلك، ولا خطب جالسا.

وذكر ابن أبي شيبة عن طاوس قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما، وأبو بكر وعمر وعثمان قائما، وأول من جلس على المنبر معاوية. قال الشعبي: حين كثر شحم بطنه ولحمه.

ورواه ابن حزم عن علي أيضا.

قلت: وقد قال تعالى: وتركوك قائما [الجمعة: 11] وفي "صحيح مسلم" من حديث جابر بن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة .

وممن كان [ ص: 538 ] يخطب قائما أو أمر به علي إكمالا للخلفاء الأربعة، والمغيرة والنعمان بن بشير وأبو هريرة وابن مسعود، وابنه أبو عبيدة وابن سيرين ، ورواه جعفر بن محمد عن أبيه: كان - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، وابن عباس أيضا، وفي "صحيح مسلم" أن كعب بن عجرة دخل المسجد، وعبد الرحمن بن الحكم يخطب قاعدا فقال: انظروا إلى هذا يخطب قاعدا، وقد قال تعالى: وتركوك قائما [الجمعة: 11].

ومن أجاب عن أحاديث القيام والآية بأن ذلك من باب الإخبار عن حالتهم عند الانفضاض، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - يواظب على الفاضل مع جواز غيره عجيب، فلم ينقل أحد عنه أنه خطب قاعدا، وفي "المغني": قال الهيثم بن خارجة لأحمد: كان عمر بن عبد العزيز يخطب قاعدا فأنكره شديدا.

فرع:

قد أسلفنا أن الجلوس بين الخطبتين شرط في صحتها عند الشافعي وأصحابه، وذكر الطحاوي أنه لم يشترط ذلك إلا الشافعي، وذكر عياض [ ص: 539 ] عن مالك أن الجلوس بينهما شرط، وهو خلاف المشهور كما قاله ابن التين قال: ووجهه أنهما ذكران يتقدمان الصلاة، فلم يكن الجلوس بينهما شرطا في صحتهما كالأذان والإقامة، وقد خطب المغيرة بن شعبة بحضرة الصحابة والتابعين ولم يجلس في خطبته.

وقد حصر عثمان عن الخطبة، فتكلم ونزل ولم يجلس، ولم ينكره أحد.

قلت: الحجة في فعله، وكان فعله الجلوس، فلو كان سنة لتركه ولو مرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية