التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
895 [ ص: 633 ] 39 - باب: الصلاة بعد الجمعة وقبلها

937 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين. [1165، 1172، 1180 - مسلم: 729 ، 882 - فتح: 2 \ 425]


ذكر فيه حديث عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين.

الشرح:

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا وأبو داود والنسائي، وفي رواية معن عن مالك: حتى ينصرف فيصلي في بيته. وفي رواية يحيى عن مالك: وكان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد حتى ينصرف فيسجد سجدتين.

قال الدارقطني في "الموطآت": وكذلك قال أبو علي الحنفي وبشر ابن عمر: حين ينصرف فيصلي. فقط. ورواية سالم عن أبيه لم يذكر فيها البيت في المغرب، وفي "الغرائب": وبعد صلاة العشاء ركعتين في بيته.

[ ص: 634 ] وفيها أيضا: كان - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي بعد الجمعة شيئا.

إذا تقرر ذلك; فالبخاري -رحمه الله- ذكر الصلاة بعد الجمعة كما ترى، ولم يذكر الصلاة قبلها إلا أن يريد أنها تداني الظهر.

وقد أفردته في جزء مفرد قديما، ومنه حديث ابن عمر أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين، ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، أخرجه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" وذكرت فيه أحاديث عامة وخاصة، ولابد لك من مراجعته.

وفي ابن ماجه -بإسناد ضعيف- عن ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يركع من قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن، وصح فيما بعدها حديث أبي هريرة مرفوعا: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات" وفي لفظ: "من كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا" وفي آخر: "إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعا" أخرجه مسلم.

وفي "علل الخلال": "فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت" وقال الخطيب: هذا مدرج.

وقال الأثرم: قلت لأحمد: عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر عن حفصة: كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعد الجمعة ركعتين؟ فقال: عن حفصة!

[ ص: 635 ] كالمنكر، ليس هذا بشيء، من قال هذا؟ قلت: حماد بن سلمة، فقال: حماد بن سلمة! ثم سكت.

ولأبي داود: فعلها ستا بعدها، من طريق ابن عمر. وفي "سنن سعيد بن منصور" عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: علمنا ابن مسعود أن نصلي بعد الجمعة أربعا، فلما قدم علينا علي علمنا أن نصلي ستا.

وسيأتي في باب التطوع: مثنى مثنى من حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد الجمعة ركعتين لم يزد.

وأخرجه مسلم أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثم قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك.

ويأتي في باب الركعتين قبل الظهر أيضا من حديث ابن عمر: ركعتين قبل الظهر أيضا، ولما أخرجه الترمذي قال: وفي الباب عن علي وعائشة، وحديث ابن عمر حسن صحيح، وأخرجه من حديث عائشة أيضا وقال: حسن صحيح.

وأخرجه مسلم وأبو داود وقالا: أربعا.

[ ص: 636 ] وأخرج الأربع قبلها البخاري من حديث عائشة كما سيأتي في بابه، وكذا مسلم.

وفي رواية للترمذي وابن ماجه: كان إذا لم يصل أربعا قبلها صلاهن بعدها، وقال: حسن غريب.

ولابن ماجه أيضا: كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر صلاها بعد.

ولابن ماجه والترمذي عنها مرفوعا: "من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة: أربع قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر" قال: وفي الباب عن أم حبيبة (م، والأربعة) وأبي هريرة وأبي موسى وابن عمر، وللنسائي مثله; إلا أنه أبدل ركعتين (قبل) العشاء بركعتين قبل العصر.

[ ص: 637 ] وأخرج الأربعة أيضا قبل الظهر: أبو داود، والترمذي في "شمائله" وابن ماجه من حديث أبي أيوب، والترمذي، وقال: حسن من حديث عبد الله بن السائب، والترمذي من حديث علي، وحسنه، ومن حديث عمر، وقال: غريب.

وفي "سنن سعيد بن منصور" عن البراء مرفوعا: "من صلى قبل الظهر أربعا كان كأنما تهجد من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر".

وفي النسائي من حديث أبي هريرة: "ركعتين قبلها وبعدها" وفي الصحيحين من حديث أم سلمة: "ركعتين بعدها".

وقوله: ("وبعد المغرب ركعتين في بيته") كذا رواه مالك وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر، ورواه ولده سالم، ولم يذكر: "في بيته".

وأخرجه الترمذي من حديث أيوب عن نافع عنه، ثم قال: حسن صحيح. قال: وفي الباب عن رافع بن خديج وكعب بن عجرة.

[ ص: 638 ] وروى عن ابن مسعود -وقال: غريب- أنه قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بـ قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد .

وفيه: وقال: غريب، وأبي داود وابن ماجه من حديث كعب بن عجرة أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى مسجد بني عبد الأشهل فصلى فيه المغرب، فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها، فقال: "هذه صلاة البيوت" وفي رواية: "عليكم بهذه الصلاة في البيوت".

ولأبي داود عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد.

وذكر ابن الأثير في "جامع الأصول" عن مكحول يبلغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى بعد المغرب قبل أن يتكلم ركعتين -وفي رواية: أربع ركعات- رفعت صلاته في عليين".

وعن حذيفة: كان يقول: "عجلوا الركعتين بعد المغرب، فإنهما يرفعان مع المكتوبة" ولم يعزهما.

وللترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا -وقال: غريب-: "من صلى [ ص: 639 ] بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة" قال: وقد روت عائشة مرفوعا: "من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بني الله له بيتا في الجنة".

وقوله: ("وبعد العشاء ركعتين") وفي البخاري معلقا كما سيأتي في بابه عن ابن عمر "بعد العشاء في أهله" ولأبي داود عن عائشة: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات.

وعن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات، ثم نام .. الحديث.

وفي البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا: "من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة، قرأ في الركعتين الأوليين: قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد وفي الأخيرتين تبارك الذي بيده الملك و الم تنزيل السجدة، كتب له كأربع ركعات ليلة القدر" قال البيهقي: تفرد به ابن فروخ المصري، والمشهور ما رواه عن يثيع عن كعب قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى العشاء الآخرة وصلى بعدها أربع ركعات، فأتم ركوعهن وسجودهن، يعلم ما يقترئ فيهن، [ ص: 640 ] فإن له -أو قال: كن له- بمنزلة ليلة القدر".

وقال ابن بطال: اختلف العلماء في الصلاة بعد الجمعة، فقالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين في بيته كالتطوع بعد الظهر، روي ذلك عن عمر وعمران بن حصين والنخعي وقال مالك: إذا صلى الإمام الجمعة فينبغي أن يدخل معزله ولا يركع في المسجد; لما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ينصرف بعد الجمعة ولم يركع في المسجد. قال: ومن خلفه أيضا إذا سلموا فأحب أن ينصرفوا ولا يركعوا في المسجد وإن ركعوا فذاك واسع.

وقالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين ثم أربعا. روي ذلك عن علي وابن عمر وأبي موسى، وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف، إلا أن أبا يوسف استحب أن يقدم الأربع قبل الركعتين.

وقال الشافعي: ما أكثر المصلي بعد الجمعة من التطوع فهو أحب إلي.

وقالت طائفة: يصلي بعدها أربعا لا يفصل بينهن بسلام. روي ذلك عن ابن مسعود وعلقمة والنخعي، وهو قول أبي حنيفة [ ص: 641 ] وإسحاق.

احتج الأولون بحديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي بعد الجمعة إلا ركعتين في بيته.

قال المهلب: وهما الركعتان بعد الظهر; وكرر ابن عمر ذكرها لأجل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها في بيته; ووجهه أنه لما كانت الجمعة ركعتين لم يصل بعدها صلاة مثلها؛ خشية أن يظن أنها التي حذفت منها وأنها واجبة، فلما زال عن موطن القصد صلى في بيته.

وقد روى ابن جريج عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة. قال: نعم، صليت معه الجمعة، فلما سلم الإمام قمت فصليت، قال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن لا نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج. وهو من أفراد مسلم.

وروى الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: كنا نقرأ في المسجد فنقوم فنصلي في الصف، فقال (عبد الله) : صلوا في رحالكم; لئلا يراكم الناس فيرونها سنة.

وقد أجاز مالك الصلاة بعد الجمعة في المسجد للناس، ولم يجزه للأئمة.

وحجة الآخرين ما رواه أبو إسحاق عن عطاء قال: صليت مع ابن عمر الجمعة، فلما سلم قام فركع ركعتين، ثم صلى أربع ركعات، ثم [ ص: 642 ] انصرف، وما رواه سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، عن علي: من كان مصليا بعد الجمعة فليصل ستا.

ووجه قول أبي يوسف ما رواه الأعمش، عن إبراهيم، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر: أن عمر كره أن يصلي بعد صلاة مثلها.

ووجه أهل المقالة الثالثة ما رواه ابن عيينة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا: "من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا" وقد سلف.

وقال ابن التين: معنى: (كان يصلي قبل الظهر ركعتين): يتنفل بهما، ومقتضى هذا اللفظ المداومة عليهما، وكذلك: الركعتان بعدها، وترك ذكر ما قبل العصر، وهو مباح وبعدها ممنوع عند كافة الفقهاء، إلا داود فإنه أجازه.

قال: والتنفل بعد المغرب جائز، ولا اختصاص له يثبت ولا غيره أكثر من سرعة انصرافه لنظر أو غيره. قال: والمراد بالانصراف على [ ص: 643 ] أصل مالك: إلى منزله. ويحتمل أن يريد الانصراف إلى مكانه.

ويدل عليه حديث البخاري في باب التطوع بعد المكتوبة: "فأما المغرب والعشاء ففي بيته" فلما خص المغرب والعشاء بالبيت دل بأن غيرهما بخلافهما، فيحمل هذا الانصراف على الانتقال في المسجد.

وظاهره هنا أن المغرب وحدها ببيته، وفي الحديث المذكور ذكر العشاء معها.

فأما في المسجد فلا يخلو المصلي أن يكون إماما أو مأموما، فأما الإمام فقال مالك: لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف إلى منزله، ثم نقل عن النخعي موافقة عمر وعمران.

قال: ودليل مالك من القياس أنها صلاة فرض ركعتان غير مقصورة، يجهر بالقراءة فيها، فكان للمنع تكثير في التنفل بعدها كالصبح.

وأما المأموم فإن شاء ركع وإن شاء لم يركع، واختار ابن القاسم الثاني، والفرق بين الإمام والمأموم أن الإمام شرع له سرعة القيام من موضع مصلاه ولا يقيم به، ولم يشرع ذلك للمأموم، وفي الحديث دليل على أن صلاة التطوع مثنى مثنى وستعلمه.

التالي السابق


الخدمات العلمية