التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
906 13 - كتاب العيدين

1 - باب: في العيدين والتجمل فيه

948 - حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ابتع هذه ; تجمل بها للعيد والوفود. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما هذه لباس من لا خلاق له". فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث، ثم أرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجبة ديباج، فأقبل بها عمر، فأتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إنك قلت: "إنما هذه لباس من لا خلاق له". وأرسلت إلي بهذه الجبة! فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تبيعها أو تصيب بها حاجتك". [انظر: 886 - مسلم: 2068 - فتح: 2 \ 439]


هو في اللغة: الوقت الذي يعود فيه الفرح والسرور، وأصله من الرجوع والمعاودة في كل سنة بفرح، قلبت الواو منه ياء لسكونها [ ص: 52 ] وانكسار ما قبلها كالميزان والميقات من الوزن والوقت، وجمعه: أعياد. فلم يعيدوا الواو لزوال علة القلب للفرق بينه وبين جمع عود، وقيل للزوم الياء في الواحد ولهذا صغر على عييد، بالياء، وقيل: سمي عيدا لكثرة عوائد الله فيهما على عباده. وقيل: اشتقاقه من العادة ; لأنهم اعتادوه، وأول عيد صلاه - صلى الله عليه وسلم - عيد الفطر من السنة الثانية من الهجرة، وفي "سنن أبي داود" والنسائي من حديث أنس: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان ؟ " قالوا: كنا نلعب فيها في الجاهلية. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قد أبدلكما بهما خيرا منهما: يوم الأضحى والفطر"، إسناده صحيح.

وصلاة العيد سنة مؤكدة، وقيل: فرض كفاية.

واختلف في النساء والعبيد والصبيان والمسافرين وأهل القرى الذين لا جمعة عليهم، ففي "المدونة": لا تجب على النساء والعبيد، ولا يؤمرون بالخروج كالجمعة.

وقال مطرف وابن الماجشون: عند ابن حبيب: هي سنة لجميع المسلمين، النساء والعبيد والمسافرين ومن عقل الصلاة من الصبيان.

وقال في "العتبية": إنما يجمع في العيدين من تلزمهم الجمعة. وروى ابن القاسم عن مالك أنها تلزم قرية فيها عشرون رجلا، والنزول إليها [ ص: 53 ] من ثلاثة أميال كالجمعة.

ذكر في الباب حديث عبد الله بن عمر قال: أخذ عمر جبة من إستبرق.. الحديث.

سلف في الجمعة، ولا شك أن التجمل بالثياب غير منكر شرعا، وأن التهيؤ للقاء الناس بالتجمل المباح لا ينكر، ولهذا لم ينكر الشارع إلا كونها حريرا، وهذا على خلاف بعض المتقشفين، وقد روي عن الحسن البصري أنه خرج يوما وعليه حلة يمان، وعلى فرقد جبة صوف، فجعل فرقد ينظر ويمس حلة الحسن ويسبح، فقال له: يا فرقد، ثيابي ثياب أهل الجنة، وثيابك ثياب أهل النار - يعني: القسيسين والرهبان - ثم قال له: يا فرقد، التقوى ليس في هذا الكساء إنما التقوى ما وقر في الصدر وصدقه العمل.

وفيه: استفهام الصحابة عند اختلاف القول والفعل ; ليعلموا الوجه الذي يصرف إليه الأمر الثاني.

وفيه: ائتلاف أصحابه بالعطاء وقبول العطية، إذا لم تجر عن مسألة، وفضل الكفاف، وجواز بيع الحرير للرجال والنساء وهبته، وهذا أغلظ حديث جاء في لبس الحرير، وقد جاء في التجمل في العيد وغيره أحاديث سلف بعضها في الجمعة.

وقال الشافعي: أخبرنا إبراهيم، أنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس برد حبرة في كل عيد، وحدثنا إبراهيم، ثنا جعفر بن محمد قال: كان - صلى الله عليه وسلم - يعتم في كل عيد.

[ ص: 54 ] ولابن خزيمة من حديث الحجاج، عن أبي جعفر، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة. وقال: حجاج: أظنه ابن عثمان.

وللبيهقي عن أبي رزين، عن علي بن ربيعة قال: شهدت عليا يوم عيد معتما قد أرخى عمامته من خلفه، والناس مثل ذلك، وعن نافع أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه، وصح أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس وعليه عمامة سوداء، أخرجه مسلم من رواية عمرو بن حريث، عن أبيه.

وللبيهقي عن السائب بن يزيد قال: رأيت عمر بن الخطاب معتما قد أرخى عمامته من خلفه.

التالي السابق


الخدمات العلمية