التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
928 971 - حدثنا محمد، حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي، عن عاصم، عن حفصة، عن أم عطية قالت: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته. [انظر: 324 - مسلم: 890 - فتح: 2 \ 461]


( وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرا ).

وهذا رواه البيهقي من حديث عطاء عن عبد الله بن عمر أن عمر كان يكبر، وفيه: ليسمعه أهل السوق فيكبرون.

[ ص: 117 ] ومعنى: ( ترتج منى ): تتحرك وتضطرب، فهو شبه الزلزلة، وهو مجاز. والمعنى: يرتج الحاضرون بهم. وهذا عبارة عن كثرة المكبرين ورفع أصواتهم.

ذكر هذا في "الموطأ" عن عمر فقال: خرج عمر الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئا فكبر وكبر الناس معه، ثم خرج الثانية بعد ارتفاع النهار فكبر وكبر الناس معه بتكبيره، ثم خرج حين زاغت الشمس فكبر وكبر الناس معه، حتى بلغ البيت فتعرفت أن عمر خرج يرمي. وهذا منه على وجه التذكير للناس على ذكره لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله" وخاف الغفلة على الناس عن ذكر الله تعالى، وقد قال ابن حبيب: ينبغي لأهل منى أن يكبروا أول النهار، وإذا ارتفع، ثم إذا زالت الشمس، ثم بالعشي. وكذا فعل عمر رضي الله عنه.

ثم قال البخاري: ( وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات، وعلى فراشه وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه [ ص: 118 ] تلك الأيام جميعا ) وهذا أيضا ذكره البيهقي فقال: ويذكر عن ابن عمر. إلى آخره.

والفسطاط: بيت من شعر، فيه ثلاث لغات حكاها في "الصحاح": فسطاط، وفستاط، وفساط. قال: وكسر الفاء لغة فيهن، وهو عند ابن فارس: ضرب من الأبنية.

ثم قال البخاري: ( وكانت ميمونة تكبر يوم النحر ) وهذا أيضا ذكره البيهقي أيضا هكذا، وذكر أيضا قوله في البخاري: ( وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد )

قال البيهقي: وكان الشعبي وإبراهيم النخعي يقولان هذا القول.

ثم ساق البخاري حديثين:

أحدهما:

حديث محمد بن أبي بكر الثقفي قال: سألت أنسا ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية.. الحديث.

ويأتي في الحج إن شاء الله تعالى أيضا.

[ ص: 119 ] وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه أيضا.

ومحمد ( خ. م. س. ق ) هذا هو ابن أبي بكر بن عوف بن رباح حجازي، وهذا التكبير يحتمل أن يكون نوعا من الذكر أدخله الملبي في خلال تلبيته من غير ترك التلبية ; لأن المروي عن الشارع أنه لم يقطع التلبية حتى رمى جمرة العقبة، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.

وقال مالك: يقطع إذا زالت الشمس. وقال مرة أخرى: إذا وقف.

وقال أيضا: إذا راح إلى مسجد عرفة. وهو قريب من قولهم: إذا زالت.

الثاني: قال البخاري:

حدثنا محمد، ثنا عمر بن حفص قال: ثنا أبي، عن عاصم، عن حفصة، عن أم عطية قالت: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد.. الحديث.

هكذا في البخاري: حدثنا محمد، ثنا عمر بن حفص. قال الجياني: هكذا رواه أبو ذر. وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقي في كتابه عن محمد عن عمر بن حفص فقال: وفي روايتنا عن أبي علي بن السكن وأبي أحمد وأبي زيد: ثنا عمر بن حفص. لم يذكروا محمدا قبل عمر، ويشبه أن يكون محمد بن يحيى الذهلي، وإليه أشار الحاكم في هذا الموضع. وأما خلف والطرقي فذكرا أن البخاري رواه عن عمر بن حفص، لم يذكر محمدا قبل عمر، وكذا ذكر أبو نعيم أن البخاري رواه عن عمر بن حفص. وذكر ابن عساكر أن عمر بن حفص هذا [ ص: 120 ] روى عنه البخاري ومسلم، ورويا عن رجل عنه، وسلف هذا الحديث في باب: شهود الحائض للعيدين من كتاب الطهارة. وترجم له في الباب: خروج الحيض إلى المصلى واعتزال الحيض المصلى كما ستعلمه.

قولها: ( كنا نؤمر ). هو مرفوع كما سلف، وقد جاء ذلك صريحا كما ستعلمه، وفيه دليل على تساوي النساء في ذلك بالرجال، وحمل على الندب، بدليل الأمر للحيض بالخروج. والحيض بضم الحاء وفتح الياء المشددة جمع حائض. والخدر: السرير المضروب عليه القبة.

وفي "الصحاح": الخدر: الستر. يقال: جارية مخدرة. إذا لزمت الخدر.

قولها: ( يرجون بركة ذلك اليوم ). هكذا شأن المؤمن يرجو عند العمل ولا يقطع ولا يدري ما يحدث له. قال تعالى: وقلوبهم وجلة [المؤمنون: 60] أي: خائفة مشفقة.

وقولها: ( وطهرته ). تعني: من الذنوب.

وقولها: ( فيكن خلف الناس ). فيه تأخرهن عن الرجال. قال المهلب: أيام منى هي أيام التشريق.

وتأول العلماء فيها قوله تعالى: ولتكبروا الله على ما هداكم [البقرة: 185] ومعنى التكبير في هذا: الفضل - والله أعلم - لأنه فضل الذبائح لله تعالى، وكانت الجاهلية تذبح لطواغيتها ونصبها، فجعل التكبير استشعارا للذبح لله حتى لا يذكر في أيام الذبح غيره، ومعنى ذكرالتسمية على الذبح الاختصاص به، والإعلان بذكره ; لتنسى [ ص: 121 ] عبادة الجاهلية. واستحب العلماء التكبير أول يوم العيد وليلته من طريق المصلى، وروي عن علي أنه كبر يوم الأضحى حتى أتى الجبانة.

وعن أبي قتادة أنه كان يكبر يوم العيد حتى يبلغ المصلى. وعن ابن عمر أنه كان يكبر في العيد حتى يبلغ المصلى ويرفع صوته بالتكبير، وهو قول مالك والأوزاعي. قال مالك: ويكبر في المصلى إلى أن يخرج الإمام، فإذا خرج قطعه، ولا يكبر إذا رجع.

وقال الشافعي: أحب إظهار التكبير ليلة النحر، وإذا غدوا ( إلى ) المصلى حتى يخرج الإمام، ولا يستحب عندنا ليلة الفطر عقب الصلوات في الأصح.

وقال أبو حنيفة: يكبر يوم الأضحى يخرج في ذهابه ولا يكبر يوم الفطر. وذكر الطحاوي عن سفينة مولى ابن عباس قال: كنت أقود ابن عباس إلى المصلى فيسمع الناس يكبرون، فيقول: ما شأن الناس ؟ أكبر الإمام ؟ فأقول: لا. فيقول: مجانين الناس. فأنكر التكبير في طريق المصلى، وهذا يدل على أن التكبير عنده الذي يكبر الإمام مما يصلح أن يكبر الناس معه.

[ ص: 122 ] قال ابن بطال: ولم أجد أحدا من الفقهاء ممن يقول بقول ابن عباس.

قال الطحاوي: ومن كبر يوم الفطر تأول فيه قوله تعالى: ولتكبروا الله على ما هداكم [البقرة: 185] وتأول ذلك زيد بن أسلم، قال: ويحتمل ذلك تعظيم الله تعالى بالأفعال والأقوال لقوله تعالى: وكبره تكبيرا [الإسراء: 111] قال: والقياس أن يكبر في العيدين جميعا، فإن صلاة العيدين لا يختلفان في التكبير فيهما والخطبة بعدهما وسائر سننهما، كذلك التكبير في الخروج إليهما.

وقال ابن أبي عمر: إن السنة عند أصحاب أبي حنيفة جميعا في الفطر أن يكبر في الطريق إلى المصلى ولم يعرفوا قول أبي حنيفة.

وفي حديث أم عطية خروج النساء إلى المصلى كما ترجم، وقد فسرت أم عطية إخراج الحيض، فقالت ليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ; رجاء بركة اليوم وطهرته، ورغبت في دعاء المسلمين في الجماعات ; لأن البروز إلى الله تعالى لا يكون إلا عن نية وقصد، فيرجى بركة القصد إلى الله تعالى والبروز إليه، والجماعة لا تخلو من فاضل من الناس، ودعاؤهم مشترك.

وفي حديث أم عطية حجة لمالك والشافعي في قولهما أن النساء يلزمهن التكبير عقب الصلوات أيام التشريق، وأبو حنيفة لا يرى عليهن تكبيرا، وخالفه صاحباه فقالا به. وقد ذكر البخاري عن ميمونة أم المؤمنين أنها كانت تكبر يوم النحر، وأن النساء كن يكبرن خلف [ ص: 123 ] أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز كما سلف، وهذا أمر مستفيض، وإنما أمر الحيض باعتزال المصلى خشية الاختلاف أن تكون طائفة تصلي وطائفة بينهم لا تصلي، وخشية ما يحدث للحائض من خروج الدم الذي لا يؤمن ذلك منها فتؤذي من جاورها وينجس موضع الصلاة.

فروع: من مذهب مالك رحمه الله: من غدا قبل طلوع الشمس، فعن مالك قولان: لا يكبر حتى تطلع الشمس، يكبر بعد صلاة الصبح، وقيل: من خرج مسفرا يكبر.

وقال ابن حبيب: من اغتدى للعيدين لا يكبر حتى يسفر.

ولا يختلف قول مالك أن ابتداء التكبير من ظهر يوم النحر. وفي انتهائه أقوال: أشهرها: عقب الصبح.

وقال ابن المنذر عنه: إلى العصر من آخر أيام التشريق قال: وهو قول الشافعي، وقال سحنون: بعض أصحابنا يرون أن يكبر بعد الظهر من آخر أيام التشريق، ونقل ذلك عن الشافعي.

وقال أبو حنيفة: أوله صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. وقال صاحباه: من وقت الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق كالمختار عندنا.

وقال الشافعي مرة: من المغرب ليلة النحر. ووافق مالكا في آخره [ ص: 124 ] فيكبر على قوله عقب ثماني عشرة صلاة. دليله المشهور: أن الله تعالى خاطب بالتكبير أهل منى فقال: ويذكروا اسم الله وقال: واذكروا الله في أيام معدودات [البقرة: 203].

وقد ثبت - كما قال ابن التين - أن أول التكبير هو عند الفجر بعد رمي جمرة العقبة، وأول صلاة تلي ذلك الظهر إلى صلاة الصبح من آخر آيام التشريق، وهذه مدة صلاة الناس بمنى، وصلاة الظهر آخر أيام التشريق، لما يصلي بهم، وإنما يرمي الحاج ثم ينفر فيصلي بالمحصب أو حيث أدركته الصلاة من طريقه، وروي ذلك عن ابن عمر وغيره من الصحابة، ووجه ما حكاه سحنون أن الناس وقت الظهر بمنى ; لأن الرمي بعد الزوال.

فرع:

صفة التكبير كما قال مالك في "المدونة": الله أكبر. ثلاثا. وقال أيضا: ليس في ذلك حد، إن شاء كبر ثلاثا، أو أربعا، أو خمسا.

وقال في "المختصر": الله أكبر - مرتين - لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. وإن اقتصر على ثلاث تكبيرات أجزأه، والأول أفضل ; لأنه يجمع تهليلا وتحميدا، وهو كالتكبير في الخطبة ; ولذلك كان الجميع واسعا، وروي بلفظ آخر، وعن عطاء أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر كبيرا - مرتين - الله أكبر على ما هدانا.

فرع:

في التكبير في غير عقب الصلاة أيام منى قال مالك: رأيت الناس [ ص: 125 ] يفعلونه، وأما من أدركتهم وأقتدي بهم فلم يكونوا يكبرون إلا دبر الصلوات.

وقال مرة: لا بأس بتكبير أهل الآفاق في أيام منى في غير الصلاة.

وقال ابن حبيب: يكبر أهل الآفاق دبر الصلوات. وفي خلال ذلك، ولا يجهرون. وأهل منى لا يجهرون به.

فرع:

في تكبير النساء قولان، عن مالك: يكبرن كالمسافرين، ووجهه ما سلف في البخاري.

فرع:

قال في "المدونة": إذا خرج الإمام قطع. وعن سحنون في تأويله ( خلف ) فقال مرة: إذا كبر للصلاة. وقال مرة: إذا أخذ في الخطبة.

قال مالك: ويكبر الناس إذا كبر الإمام على المنبر. وقال المغيرة: يمسكون إذا كبر.

وجه الأول: ما رواه سفينة عن مولاه ابن عباس أنه سمع الناس يكبرون والإمام يخطب فقال له ابن عباس: ما لهم كبروا، أكبر الإمام ؟ قلت: لا. قال: مجانين الناس؟.

[ ص: 126 ] وقد سلف، فدل ذلك على أن لهم أن يكبروا إذا كبر. وعن ابن عمر أنه كان يكبر مع الإمام إذا كبر. واحتج المغيرة بأن قال: لأن شروع الإمام في الخطبة يقطع الكلام جملة، أصله في غير التكبير. وقول مالك أولى لما سلف.

فرع:

إذا ذكر صلاة في هذه الأيام قولان في التكبير.

التالي السابق


الخدمات العلمية