التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
967 6 – باب: الاستسقاء في المسجد الجامع

1013 - حدثنا محمد قال: أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال: حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه فقال: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا". قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: والله ما رأينا الشمس ستا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: " اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر". قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس.

[ ص: 243 ] قال شريك: فسألت أنسا أهو الرجل الأول ؟ قال: لا أدري. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2 \ 501]


ذكر فيه حديث أنس أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب.. الحديث.

وقد سلف مختصرا ومطولا في الجمعة، وكرره في الباب مرات، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضا.

ولنذكر هنا ما لم يسبق:

فقوله: ( دخل رجل من باب كان وجاه المنبر ) يعني: مستدبر القبلة، كذا قاله ابن التين، وليتأمل، وفي الرواية التي بعد هذا الباب: من باب كان نحو دار القضاء، وسميت دار القضاء ; لأنها بيعت في قضاء دين عمر كان أنفقه من بيت المال، وكتبه على نفسه، وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ماله، فإن عجز ماله، استعان ببني عدي ثم بقريش، فباعها لمعاوية وما له بالغابة، وقضى دينه، وكان ثمانية وعشرين ألفا، كذا قاله القاضي، والمشهور أنه كان ستة وثمانين ألفا. ونحوه، وهو في البخاري وغيره من أهل التاريخ، وكان يقال لها: دار قضاء دين عمر، ثم اختصروا فقالوا: دار القضاء، وهي دار مروان، وقيل: دار الإمارة وكأنه ظن أن المراد بالقضاء الإمارة.

[ ص: 244 ] وقوله: ( وقطعت السبل ) أي: الطرق، وفي رواية أبي ذر: وانقطعت، وهو أشبه كما قال ابن التين، قال: واختلف في معناه، فقيل: ضعفت الإبل لقلة الكلأ أن يسافر بها، وقيل: لأنها لا تجد في أسفارها من الكلأ ما يبلغها، وقيل: إن الناس أمسكوا ما عندهم من الطعام، ولم يجلبوه إلى الأسواق خوفا من الشدة.

وقوله: ( فادع الله يغيثنا ) كذا هو في جميع النسخ بضم الياء، وفي الحديث في الباب بعده: "اللهم أغثنا" بالألف رباعي من أغاث يغيث، والمشهور في كتب اللغة أنه إنما يقال في المطر: غاث الله الناس والأرض يغيثهم بفتح الياء. قال عياض عن بعضهم: المذكور هنا من الإغاثة بمعنى المعونة، وليس من طلب الغيث، إنما يقال في طلب الغيث: اللهم غثنا، ويحتمل كما قال القاضي أن يكون من طلب الغيث أي: هب لنا غيثا أو ارزقنا غيثا، كما يقال: سقاه الله وأسقاه: أي: جعل له سقيا على لغة من فرق بينهما. وقوله ( فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ).

فيه: الرفع في دعاء الاستسقاء، وقد أفرده البخاري بباب، وسيأتي.

وفيه: الاستسقاء في الجامع دون الصحراء، وقد أجاب الله دعاء نبيه فسقى وأسقى، وهو علم من أعلام نبوته، وجواز الاستسقاء من غير تحويل، والدعاء مستدبر القبلة ; لأنه لم يرد في حديث أنس هذا أنه [ ص: 245 ] استقبل القبلة في دعائه على المنبر، وإن جاء في حديث غيره، وفي رواية: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه حذاء وجهه. وفيه: الاجتزاء بالدعاء عن الصلاة.

وقوله: "اللهم اسقنا" كرره ثلاثا ; لأن تثليث الدعاء مستحب.

وسلع - بفتح السين المهملة وسكون اللام -: جبل بقرب المدينة، ووقع لبعضهم فتح اللام، ولبعضهم بغين معجمة، وكله خطأ كما قال صاحب "المطالع". ومراد أنس بذلك الإخبار عن معجزة هذا النبي العظيم، وعظيم قدره عند ربه، بإنزال المطر حالا، واستمراره سبعة أيام متوالية من غير تقدم سحاب، ولا قزع، ولا سبب آخر لا ظاهر ولا باطن، وهذا معنى قوله: ( وما بيننا وبين سلع من بيت ). وفي رواية: من دار، أي: نحن مشاهدون له من السماء، وليس هناك سبب للمطر أصلا، وشبه السحابة بالترس ; لكثافتها واستدارتها.

وقوله: ثم أمطرت كذا هو بالألف، وفي مسلم: أمطرنا وهو صحيح، ودليل لمذهب الأكثرين المختار أنه يقال: مطرت وأمطرت لغتان في المطر رباعيا وثلاثيا بمعنى واحد، وقيل: لا: يقال أمطرت بالألف إلا في العذاب ; لقوله: وأمطرنا عليهم [الشعراء: 173]، [ ص: 246 ] وقوله: ( ما رأينا الشمس سبتا ) هو بسين مهملة، ثم باء موحدة، ثم مثناة فوق أي: قطعة من الزمان، وأصل السبت القطع وقد رواه الداودي ( ستا ) وفسره ستة أيام وهو تصحيف.

وقوله: "اللهم على الآكام " قال أهل اللغة: الإكام - بكسر الهمزة - جمع أكمة، ويقال في جمعها: آكام بالفتح والمد، ويقال: أكم بفتح الهمزة والكاف، وأكم بضمهما، وهو دون الجبال، وقيل: تل، وقيل: أعلى من الرابية، وقيل: دونها.

والظراب - بالظاء المعجمة المكسورة - قال الفراء: جمع ظرب ساكن الراء، قال: وقيل: بكسر الراء، وهو الجبل المنبسط ليس بالعالي وعن الداودي الظرب - بفتح الظاء وكسر الراء: الجبل الصغير، وكذا ذكره الجوهري بكسر الراء، وقيل: الآكام أصغر من الظراب وبخط الدمياطي: قيل: بكسر الظاء وسكون الراء. والأودية: أي التي تحمل الماء. ومنابت الشجر: التي تنبت الزرع والكلأ، يريد بالشجر: المرعى رغبة منه أن تكون الأمطار بحيث لا تضر بأحد كثرتها.

وفيه: الدعاء للدفع عن المنازل والمرافق عند الكثرة والضرر، ولا يشرع له صلاة، ولا اجتماع في الصحراء، وممن صرح به ابن بطال حيث قال: ولا بروز فيه، ولا صلاة تفرد له، وإنما يكون الدعاء في الاستصحاء في خطبة الجمعة، أو في أوقات الصلوات وأدبارها، وقد سمى الله تعالى كثرة المطر أذى فقال: إن كان بكم أذى من مطر [النساء: 102] قال: ولا يحول الرداء في الاستصحاء أيضا.

[ ص: 247 ] وقوله: ( فانقطعت ). وفي أخرى: فانقلعت، باللام وهما بمعنى، وفيه معجزة ظاهرة لسيد الأمة في إجابة دعائه متصلا به، وأدبه في الدعاء ; فإنه لم يسأل رفعه من أصله، بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق، بحيث لا يتضرر به ساكن، ولا ابن سبيل، وسأل بقاءه في موضع الحاجة، بحيث يبقى خصبه ونفعه، وهي بطون الأودية وغيرها من المذكور في الحديث، فيجب امتثال ذلك في نعم الله إذا كثرت، أن لا نسأل الله قطعها وصرفها عن العباد.

وقوله: ( فسألت أنسا أهو الرجل الأول ؟ قال: لا أدري ). كذا هنا، وفي باب الرفع: فأتى الرجل، وظاهره الأول، وفي باب: من اكتفى بالجمعة في الاستسقاء: جاء رجل في الأول، ثم قال: ثم جاء فقال.

وفي رواية: قام أعرابي. في الأول، ثم قال: فقام ذلك الأعرابي. وفي أخرى: أو قال غيره، وفي رواية للبخاري أنه الأول ذكرها في باب الرفع، وسيأتي.

قال ابن التين: ولعله تذكر بعد ذلك، أو نسي إن كان هذا الحديث قبل قوله: لا أدري هو الأول أم لا ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية