التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1014 1063 - حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا يونس، عن الحسن، عن أبي بكرة قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه فصلى بهم ركعتين، فانجلت الشمس، فقال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذاك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم". وذاك أن ابنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - مات، يقال له: إبراهيم، فقال الناس في ذاك. [انظر: 1040 - فتح: 2 \ 547]


ذكر فيه حديث أبي بكرة قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى ركعتين.

ثم ساقه من حديثه أيضا، وقد سلف أول كتاب الصلاة، ولم يذكر البخاري فيه كسوف القمر.

ورواه ابن أبي شيبة: انكسفت الشمس أو القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية هشيم: انكسفت الشمس والقمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية لابن علية: "إن الشمس والقمر.. " الحديث، وفيه: "فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا".

[ ص: 362 ] قال الإسماعيلي: قوله: "منها شيئا" أدخل في الباب من قوله: "فإذا كان ذلك"، وفي رواية للبيهقي: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله"، وفيه: "فإذا كسف واحد منهما فصلوا وادعوا واذكروا"، وقال: هكذا رواه جماعة من الأئمة عن بشر بن موسى بهذا اللفظ.

وفي بعض نسخ البخاري إسقاط ( شعبة ) بين ( سعيد بن عامر ) و (يونس )، وهو غلط، لا بد من شعبة، نص على ذلك أصحاب الأطراف وغيرهم. وإن كان سعيد بن عامر قد ذكر المزي أنه روى عن يونس بن عبيد، لكن ليس هذا الحديث، ولا علم عليه علامة من روى له.

أما فقه الباب:

فقد اختلف العلماء ; هل في خسوف القمر صلاة جماعة ؟ وقد أسلفناه في أول الباب. قال ابن قدامة وأكثر أهل العلم: نعم. ومن الغريب قول ابن رشد أنه لم يرو أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف القمر، مع كثرة دورانه.

وقد أسلفنا هناك من طريق أنه صلى فيه. وقال ابن التين: وذكر البخاري في الباب كسوف الشمس فقط دون القمر. وفي رواية الأصيلي ذكر فيهما جميعا القمر ولم يذكر الشمس، وهو أشبه بالتبويب، لكنه ذكر في حديث أبي بكرة أنه صلى ركعتين، وذكر في الحديث الثاني [ ص: 363 ] كذلك، وقال: "إنهما آيتان فإذا كان ذلك فصلوا"، وأمر بالصلاة عند خسوف القمر قال: ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، وهذا يفيد سقوط الاجتماع لها ولغيرها من النوافل إلا ما قام عليه الدليل. وانكسف القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفعات كثيرة، ولم ينقل أنه صلاها في جماعة، ولا أنه دعى إلى ذلك. قال: وحديث ابن عباس - يعني الذي أسلفناه في الباب المشار إليه - يحتمل أن يكون إشارة إلى جنس الكسوف أنه يصلى له، وليس في خطبته له دلالة أنه صلاها جماعة ; لأنه كما أنه خطب فيها، وليس من سنتها الخطبة عند مخالفينا جاز أن يكون صلاها منفردا ثم خطب وهذا بعيد.

قال: وقوله: "فافزعوا إلى الصلاة" أمره بها مطلقا، ولم يقل: مجتمعين، فوجب أن يستوي في ذلك الأمران. وأما الاقتران في اللفظ فلا يوجب عندنا الاقتران في الحكم إلا بدليل، ثم قال: واعتبارهم بكسوف الشمس غير صحيح ; لأنه يقع نهارا فلا يلحق فيه مشقة، بخلاف الليل، والاجتماع فيه كلفة. ثم ذكر ابن حبيب عن ابن عباس: كسف القمر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلم يجمعنا إلى الصلاة معه كما فعل في خسوف الشمس، فرأيته صلى ركعتين. وفي "المجموعة" لمالك: يفزع الناس في خسوف القمر إلى الجامع، ويصلون أفرادا. وأجاز أشهب الجمع لكسوف القمر. وقال عبد العزيز: هي كصلاة خسوف الشمس وتصلى أفرادا، والمعروف [ ص: 364 ] خلافه أنهم يصلونها في بيوتهم كالنافلة. قال: فثبت بهذا أن الاختلاف في خسوف القمر في ثلاثة مواضع:

أحدها: في صفة الصلاة.

وإذا قلنا: هي كصلاة كسوف الشمس، فهل تصلى جماعة أو أفرادا ؟

والثاني: في الجمع لها.

والثالث: أن يصلى لها.

فإذا قلنا: يجمع، فهل هو سنة أو مباح ؟

وقوله: ( وثاب إليه الناس ) أي: هادوا إليه. وقال ابن بطال: استغنى البخاري بذكر أحدهما عن الآخر، حيث ترجم للقمر وذكر الشمس.

التالي السابق


الخدمات العلمية