التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1019 [ ص: 391 ] 3 - باب: سجدة ص

1069 - حدثنا سليمان بن حرب وأبو النعمان قالا: حدثنا حماد، عن أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ص ليس من عزائم السجود، وقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها. [3422 - فتح: 2 \ 552]


ذكر فيه حديث ابن عباس قال: سجدة ص ليس من عزائم السجود، وقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها.

هذا الحديث من أفراده، ويأتي في أحاديث الأنبياء، والتفسير في سورة الأنعام، و ص.

ولم يخرج مسلم في ص شيئا.

وذكر البخاري في تفسير سورة ص عن العوام قال: سألت مجاهدا عن سجدة ص فقال: سألت ابن عباس: من أين سجدت ؟ قال: أوما تقرأ: ومن ذريته داود وسليمان ، أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فكان داود من أمر نبيكم أن يقتدي به، فسجدها داود شكرا، فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وأخرج النسائي من حديث ابن عباس مرفوعا: "سجدها داود توبة، ونسجدها شكرا".

وأخرج أبو داود السجود فيها مرة وتركها أخرى من حديث أبي [ ص: 392 ] سعيد الخدري، وصححه الحاكم على شرط الشيخين. وأخرج أبو داود، وابن ماجه، والحاكم من حديث عمرو بن العاصي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان. قال الحاكم: رواته مصريون قد احتج الشيخان بأكثرهم. وليس في عدد سجود القرآن أتم منه.

وهو دال على أن سجدة ص داخلة فيما أقرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لأن العلماء مجمعون على اختلاف بينهم أنه لا يزاد على خمس عشرة سجدة.

وروى ابن ماجه من حديث أبي الدرداء قال: سجدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء: الأعراف، والرعد، والنحل، وبنو إسرائيل، ومريم، والحج، وسجدة الفرقان، وسليمان والسجدة، وفي ص ، وسجدة الحواميم. ورواه الترمذي ولفظه: سجدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة سجدة منها التي في النجم، وقال: حديث غريب.

[ ص: 393 ] وقال أبو داود: روي عن أبي الدرداء مرفوعا إحدى عشرة سجدة، وإسناده واه. وفي الدارقطني من حديث ابن عباس: رأيت عمر قرأ على المنبر ص فسجد، ثم رقى على المنبر.

وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس: في ص سجدة تلاوة أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ومثله عن ابن عمر وعن أبيه أنه كان يسجد في ص، وعن عثمان مثله. وعن سعيد بن جبير أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأها وهو على المنبر، ثم نزل فسجد. وذكر فيها آثارا أخر في السجود فيها.

إذا عرفت ذلك، فاختلف العلماء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم في السجود في ص . ورأى بعض أهل العلم السجود فيها، وهو قول سفيان، وابن المبارك والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ثم هي عند الشافعي ليست من عزائم السجود. أي: ليست بسجدة تلاوة، ولكنها سجدة شكر تستحب في غير الصلاة، وتحرم فيها في الأصح، وهذا هو المنصوص، وبه قطع الجمهور.

وقد أسلفنا عن ابن سريج، وأبي إسحاق المروزي أنها عندهما من العزائم، والمذهب الأول. وقال أبو حنيفة ومالك: هي من سجود التلاوة. وعن أحمد كالمذهبين. والمنصور منهما كقول الشافعي، [ ص: 394 ] ومثله قال داود. وعن ابن مسعود: لا سجود فيها. وقال: هي توبة نبي.

وروي مثله عن عطاء، وعلقمة، وأبي المليح. وروي عن عمر، وعثمان، وعقبة، وسعيد بن المسيب، والحسن، وطاوس، والثوري السجود فيها، وقد سلف عن ابن عباس مثله، واحتجاجه بالقرآن أولى من قوله: ص ليس من عزائم السجود.

قال الطحاوي: والنظر عندنا إثباتها فيها ; لأن موضع السجود منها موضع خبر لا موضع أمر، فينبغي أن يرد إلى حكم أشكاله من الأخبار، فنثبت السجود فيها.

استدل من قال: إنها من العزائم بحديث أبي سعيد السالف ; لأنه نزل وقطع الخطبة، وكونها توبة لا ينافي كونها عزيمة.

[ ص: 395 ] ومعنى قول ابن عباس: ص ليس من عزائم السجود أنها لم تنزل في هذه الأمة، وإنما الشارع اقتدى فيها بالأنبياء قبله. نبه عليه الداودي، ثم هذا إخبار عن مذهبه، وقد سجد الشارع فيها.

فائدة:

موضع السجود فيها ( وأناب ) [ص: 24] أو ( مآب ) [ص: 25] فيه خلاف عن مالك، حكاه ابن الحاجب في "مختصره"، وابن التين في "شرحه"، ومذهب أبي حنيفة الأول.

ثانية: قال أبو بكر الرازي الحنفي في قوله تعالى: وخر راكعا [ص: 24] أجاز أصحابنا الركوع في سجدة التلاوة. وعن محمد بن الحسن أنه عبر بالركوع عن السجود، وعن الحنابلة أنه لو قرأ السجدة في الصلاة وركع ركوع الصلاة أجزأ عن السجدة.

وروى ابن أبي شيبة عن علقمة، والأسود، ومسروق، وعمرو بن شرحبيل: إذا كانت السجدة آخر السورة أجزأك أن تركع بها.

وعن بعض الحنفية: ينوب الركوع عن سجدة التلاوة في الصلاة وخارجها. وفي "الذخيرة" للمالكية أشار ابن حبيب إلى جوازها بالركوع.

[ ص: 396 ] وروى الأثرم عن ابن عمر أنه كان إذا قرأ النجم في صلاة وبلغ آخرها كبر وركع بها، وإن قرأ بها في غير صلاة سجد. وعن عبد الرحمن بن يزيد: سألنا عبد الله عن السورة في آخرها سجدة، أيركع أو يسجد ؟ قال: إذا لم يكن بينك وبين السجود إلا الركوع فقريب.

التالي السابق


الخدمات العلمية