التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
88 [ ص: 438 ] 26 - باب: الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله

الرحلة بكسر الراء: الارتحال، وبالضم: الوجه الذي يريد.

88 - حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا عمر ابن سعيد بن أبي حسين قال: حدثني عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزير، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج [بها]. فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني. فركب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فسأله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كيف وقد قيل؟ ". ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره. [2025، 2640، 2659، 2660، 5140، -فتح: 1 \ 184]


حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن أنا عبد الله أنا عمر بن سعيد بن أبي حسين حدثني عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزير، فاتته آمرأ" فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج بها. فقال لها عقبة : ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني. فركب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فسأله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف وقد قيل؟ ". ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره.

الكلام عليه من أوجه:

أحدها:

هذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم، وانفرد بعقبة بن الحارث أيضا. أخرجه هنا كما ترى عن ابن مقاتل، عن عبد الله -هو ابن المبارك . وأخرجه في الشهادات عن حبان، عن ابن المبارك . وعن أبي عاصم، كلاهما عن عمر به. وفي البيوع عن محمد بن كثير، [ ص: 439 ] عن الثوري، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين . وفي الشهادات أيضا عن علي (عن) يحيى بن سعيد، عن ابن جريج ; ثلاثتهم عن ابن أبي مليكة به.

وفي النكاح عن علي، عن ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي مريم، ثم قال ابن أبي مليكة : وسمعته من عقبة ولكني لحديث عبيد أحفظ.

ثانيها: في التعريف برجاله:

وقد سلف التعريف بهم غير عمر بن سعيد، وعقبة بن الحارث.

فأما عقبة فهو: ابن الحارث بن عامر بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المكي أبي سروعة بكسر السين المهملة، وحكي فتحها.

أسلم يوم الفتح وسكن مكة، هذا قول أهل الحديث، وأما جمهور أهل النسب فيقولون: عقبة هذا هو أخو أبي سروعة، وأنهما أسلما جميعا يوم الفتح. قال الزبير بن بكار : وأبو سروعة هو قاتل خبيب بن عدي .

أخرج لعقبة مع البخاري أبو داود والترمذي والنسائي، أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث في العلم، والحدود، والزكاة عن ابن أبي مليكة عنه أحدها هذا، ووافقه أبو داود والترمذي والنسائي .

وذكره بقي بن مخلد فيمن روى سبعة أحاديث، وقال أبو عمر : له حديث واحد ما أحفظ له غيره في شهادة المرأة على الرضاع. روى عنه [ ص: 440 ] عبيد بن أبي مريم وابن أبي مليكة . وقيل: إن ابن أبي مليكة لم يسمع منه، وأن بينهما عبيد بن أبي مريم .

تنبيه:

إيراد صاحب "العمدة" هذا الحديث في كتابه يوهم أنه من المتفق عليه، وقد نبهناك على أنه من أفراد البخاري فاستفده.

تنبيه آخر:

ابنة أبي إهاب هي: أم يحيى بنت أبي إهاب -بكسر الهمزة- واسمها غنية -بغين معجمة مفتوحة ثم نون ثم مثناة تحت ثم هاء- بنت أبي إهاب -ولا يعرف اسمه- ابن عزير -بفتح العين المهملة وكسر الزاي، وليس في البخاري عزير بضم العين ثم زاي- بن [ ص: 441 ] قيس بن سويد بن ربيعة بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي .

تزوجها بعد عقبة ضريب بن الحارث، فولدت له أم قتال زوجة جبير بن مطعم، فولدت له محمدا، ونافعا .

وأم أبي إهاب: فاختة بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، وهو حليف لبني نوفل، روى أبو إهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الأكل متكئا، أخرجه أبو موسى في الصحابة، وأغفله أبو عمر وابن منده .

وأما عمر فهو: ابن سعيد بن أبي حسين النوفلي . روى عن طاوس، وعطاء وعدة. وعنه يحيى القطان، وروح، وخلق، وهو ثقة.

روى له مع البخاري مسلم والترمذي والنسائي ( وابن ماجه وأبو داود في "المراسيل"، وهو ابن عم عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين .

ثالثها:

هذه المرأة لا يحضرني اسمها بعد البحث عنه.

رابعها:

من أخذ بشهادة المرضعة وحدها أخذ بظاهر الحديث، ومن منع حمله على الورع دون التحريم، كما بوب عليه البخاري في البيوع [ ص: 442 ] باب: تفسير الشبهات، ويشعر به قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف وقد قيل؟ " والورع فيه ظاهر.

وقبلها ابن عباس والحسن وإسحاق وأحمد وحدها، وتحلف مع ذلك.

ولم يقبلها الشافعي وحدها، بل مع ثلاث نسوة أخريات، وقبلها مالك مع أخرى.

ولم يقبل أبو حنيفة فيه شهادة النساء المتمحضات من غير ذكر.

وقال الإصطخري : إنما يثبت بالنساء المتمحضات.

وفي الحديث شهادة المرضعة على فعل نفسها . وقال أصحابنا: لا تقبل، وكذا إن ذكرت أجرة على الأصح للتهمة.

وقيل: تقبل في ثبوت المحرمية دون الأجرة، وإن لم تذكر أجرة فالأصح قبول شهادتها، فإنها لم تجر لنفسها نفعا، ولم تدفع ضررا.

وقيل: لا تقبل أيضا كما لو قالت: أشهد أني ولدته.

وادعى ابن بطال الإجماع على أن شهادة المرأة الواحدة لا تجوز في الرضاع وشبهه.

وهو غريب عجيب فقد قبلها جماعة كما أسلفناه، وقبلها مالك وحدها، بشرط أن يفشو ذلك في الأهل والجيران فإن شهدت امرأتان [ ص: 443 ] شهادة فاشية فلا خلاف في الحكم بها عنده، وإن شهدتا من غير فشو أو شهدت واحدة مع الفشو ففيه قولان.

وفيه أيضا: الرحلة في المسألة النازلة كما ترجم له، وهو دال على حرصهم على العلم وإيثارهم ما يقربهم من الله تعالى، والازدياد من طاعته; لأنهم إنما كانوا يرغبون في العلم للعمل به، ولذلك شهد الله تعالى لهم أنهم خير أمة أخرجت للناس.

التالي السابق


الخدمات العلمية