التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1070 1122 - فقصصتها على حفصة ، فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " نعم الرجل عبد الله ، لو كان يصلي من الليل " . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . [1157 ، 3739 ، 3741 ، 7016 ، 7031 - مسلم : 2479 - فتح: 3 \ 6]


ذكر فيه عن سالم عن أبيه قال : كان الرجل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتمنيت أن أرى رؤيا إلى أن قال : "نعم الرجل عبد الله ، لو كان يصلي من الليل " فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا .

هذا الحديث تقدم في باب : نوم الرجال في المسجد . مختصرا مقتصرا على ذكر نومه في المسجد ، ويأتي في فضل من تعار من الليل ، ومناقب ابن عمر ، والأمن وذهاب الروع في المنام ، [ ص: 25 ] وأخرجه مسلم والأربعة .

ومحمود (خ ، م ، ت ، س ، ق ) الذي يروي عن عبد الرزاق هو ابن غيلان . وجعل خلف هذا الحديث في مسند ابن عمر ، وجعل بعضه في مسند حفصة ،

وأورده ابن عساكر في مسند ابن عمر ، والحميدي في مسند حفصة ، وذكر في رواية نافع عن ابن عمر أنها من مسند ابن عمر . وقال : إذ لا ذكر فيها لحفصة . فحاصله أنهم جعلوا رواية سالم من مسند حفصة ، ورواية نافع من مسند ابن عمر .

إذا تقرر ذلك ; فالكلام عليه من أوجه :

أحدها :

إنما كانت الرؤيا تقص على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لأنها من الوحي ، وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، كما نطق به عليه أفضل الصلاة والسلام ، فكان أعلم بذلك من كل أحد ، وتفسيره من العلم الذي يجب الرغبة فيه .

ثانيها :

فيه تمني الرؤيا الصالحة ليعرف صاحبها ما له عند الله ، وتمني الخير والعلم والحرص عليه .

[ ص: 26 ] ثالثها :

جواز النوم في المسجد لقوله : (وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . وفي رواية : أعزب . ولا كراهة فيه عند الشافعي .

قال الترمذي : وقد رخص قوم من أهل العلم فيه . وقال ابن عباس : لا تتخذه مبيتا ومقيلا .

وذهب إليه قوم من أهل العلم .

قال ابن العربي : وذلك لمن كان له مأوى ، فأما الغريب فهي داره ، والمعتكف فهو بيته ، ويجوز للمريض أن يجعله الإمام في المسجد إذا أراد افتقاده ، كما كانت المرأة صاحبة الوشاح ساكنة في المسجد ، وكما ضرب الشارع قبة لسعد في المسجد حتى سال الدم من جرحه .

ومالك وابن القاسم يكرهان المبيت فيه للحاضر القوي ، وجوزه ابن القاسم للضعيف الحاضر . وقال بعض المالكية : من نام فاحتلم ينبغي أن يتيمم لخروجه منه .

رابعها :

فيه : رؤية الملائكة في المنام وتحذيرهم له ; لقوله : (فرأيت ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ) .

وفيه : الانطلاق بالصالح إليها في المنام ; تخويفا .

[ ص: 27 ] ومعنى : (فإذا هي مطوية كطي البئر ) . يعني : مبنية الجوانب ، فإن لم تبن فهي القليب .

والقرنان : منارتان عن جانبي البئر تجعل عليها الخشبة التي تعلق عليها البكرة .

وقوله : (فإذا فيها أناس قد عرفتهم ) . (إنما أخبرهم ; ليزدجروا ) سكوته عن بيانهم ، إما أن يكون لئلا يغتابهم إن كانوا مسلمين ، وليس ذلك بما يختم عليهم بالنار ، وإما أن يكون ذلك تحذيرا كما حذر ابن عمر ، نبه عليه ابن التين .

وفيه : الاستعاذة من النار ، وأنها مخلوقة الآن ، لقوله : (فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار ) .

ومعنى (لم ترع ) لم تخف . أي : لا روع عليك ولا ضرر ولا فزع .

خامسها :

إنما قصها على حفصة أخته أم المؤمنين أن تذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفيه : استحياء ابن عمر أن يذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضيلته بنفسه .

وفيه : القص على النساء ، وتبليغ حفصة ، وقبول خبر المرأة .

وقوله : فقال : ( "نعم الرجل عبد الله " ) فيه : القول بمثل هذا إذا لم يخش أن يفتتن بالمدح .

سادسها :

قوله : ( "لو كان يصلي من الليل " ) . فيه : فضيلة قيام الليل ، وهو ما بوب عليه البخاري ، وهو منج من النار .

[ ص: 28 ] قال المهلب : وإنما فسر الشارع هذه الرؤيا في قيام الليل -والله أعلم- من أجل قول الملك : لم ترع . أي : لم تعرض عليك لأنك مستحقها ، إنما ذكرت بها . ثم نظر الشارع في أحوال عبد الله فلم ير شيئا يغفل عنه من الفرائض فيذكر بالنار ، وعلم مبيته في المسجد ، فعبر بذلك ; لأنه منبه على قيام الليل فيه بالقرآن ، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى الذي علمه ونام عنه بالليل تشدخ رأسه بالحجر إلى يوم القيامة في رؤياه - صلى الله عليه وسلم - .

وقال القرطبي : إنما فسر الشارع من رؤية عبد الله بالنار أنه ممدوح ; لأنه عرض على النار ثم عوفي منها وقيل له : لا روع عليك ، وهذا إنما هو لصلاحه وما هو عليه من الخير غير أنه لم يكن يقوم من الليل ، إذ لو كان ذلك لما عرض على النار ولا رآها ، ثم إنه حصل لعبد الله من تلك الرؤيا يقين مشاهدة النار والاحتراز منها ، والتنبيه على أن قيام الليل بما يتقى به النار ، ولذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك .

وروى سنيد ، عن يوسف بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه ، عن جابر مرفوعا : "قالت أم سليمان لسليمان : يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة " [ ص: 29 ] وفي الحديث من طريق أبي هريرة : "الرؤيا ثلاث : فرؤيا حق ، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ، ورؤيا تحزين من الشيطان فمن رأى ما يكره فليقم فليصل " .

سادسها : فيه : فضل عبادة الشاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية