التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1073 1125 - حدثنا محمد بن كثير قال : أخبرنا سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : احتبس جبريل - صلى الله عليه وسلم - على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت امرأة من قريش : أبطأ عليه شيطانه . فنزلت : والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى [الضحى : 1 - 3] . [انظر : 1124 - مسلم : 1797 - فتح: 3 \ 8]


ذكر فيه حديث الأسود قال : سمعت جندبا يقول : اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلة أو ليلتين . وفي رواية له : احتبس جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت امرأة من قريش : أبطأ عليه شيطانه . فنزلت : والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى .

الشرح :

هذا الحديث يأتي في تفسير : والضحى أيضا .

وقوله : (ليلة أو ليلتين ) هو شك من الراوي . وكان ذلك ; لأنه لم يكلف إلا ما يطيق ، قال تعالى : قم الليل إلا قليلا [المزمل : 2] ومن الليل فتهجد به [الإسراء : 79] والمريض يكتب له عمله الذي يعمل في الصحة إذا غلب عليه .

وسيأتي في الجهاد من حديث أبي موسى : "إذا مرض العبد أو سافر يكتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا " ، وفي حديث آخر : "من كان له [ ص: 33 ] حظ من العبادة ، ومنعه الله منها بمرض ، فإن الله -عز وجل- يتفضل عليه بهبة ثوابها " ، وفي آخر : "ما من عبد يكون له صلاة يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته ، وكان نومه عليه صدقة " .

ولما لم يقم - صلى الله عليه وسلم - وقت شكواه ، ولم تسمعه المرأة يصلي حينئذ ظنت هذا الظن . والقصة واحدة ، رواها جندب . وقد روي أن خديجة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أبطأ عنه الوحي : إن ربك قد قلاك . فنزلت : والضحى إلى قوله : فترضى فأعطاه الله ألف قصر في الجنة من لؤلؤ ، ترابها المسك ، في كل قصر ما ينبغي له . ذكره بقي بن مخلد في "تفسيره " .

وقد قيل في هذا الحديث : "من لم يرزأ في جسمه فليظن أن الله قد قلاه " ،ولكن روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "لا يحزن أحدكم أن لا يراني في منامه إذا كان طالبا للعلم فله في ذلك العوض " .

وقال ابن التين : ذكر احتباس جبريل في هذا الباب ليس في موضعه .

قال : وقول الكافرة : أبطأ عليه شيطانه -يعني : جبريل- ففيه ما كان يلقى من الأذى .

وفيه : استعماله ما أمر به من الصبر ، وما ذكره ماش في الكافرة على ما رواه الحاكم من حديث زيد بن أرقم ، أن قائل ذلك امرأة أبي [ ص: 34 ] لهب ، فنزلت السورة . وقال : هذا إسناد صحيح ، إلا أني وجدت له علة فذكرها . وفي "تفسير سنيد بن داود " أن قائل ذلك عائشة ، وفيه نظر ; لأن السورة مكية بالاتفاق .

وزعم أبو عبد الله محمد بن علي بن عسكر أن قائلة ذلك أحد عماته .

وروى ابن جرير عن جندب بن عبد الله قال : امرأة من أهله ، أو من قومه ودع محمد . ولابن إسحاق أن المشركين سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخضر ، وذي القرنين ، والروح ، فوعدهم بالجواب إلى غد ، ولم يستثن ، فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشرة ليلة ، وقيل أكثر من ذلك ، فقال المشركون : ودعه ربه ، فنزل جبريل بالضحى ، وقوله : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا [الكهف : 23 - 24] .

ومعنى والضحى أي : ورب الضحى . وقيل : إنه يقسم بما شاء من خلقه .

و سجى [الضحى : 2] سكن ، أو استوى ، أو جاء ، أو غطى كل شيء ، أو أظلم ، أو ذهب ; أقوال ، يقال : سجى يسجو إذا سكن ، وإنما يسكن إذا غطيت ظلمته .

( ودعك ) [الضحى : 3] من التوديع ، ولا تستعمل ودعك إلا في قليل من الكلام ، ومن قرأ بتشديد الدال يقول : ما هو آخر عهدك بالوحي . ومن خفف يقول : ما تركك ; والمعنى واحد .

[ ص: 35 ] وقال أبو عبيدة : التشديد من التوديع ، والتخفيف من ودع يدع إذا سكن .

و قلى . يقال : قلاه يقليه ويقلاه قلاء وقلاء إذا أبغضه ; إذا كسرت قصرت ، وإذا فتحت مددت .

التالي السابق


الخدمات العلمية