التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1090 [ ص: 79 ] 11 - باب: قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل ونومه ، وما نسخ من قيام الليل

وقوله تعالى يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا إلى قوله : سبحا طويلا [المزمل :1 - 7] وقوله : علم أن لن تحصوه إلى قوله : وأعظم أجرا [المزمل : 20] .

قال ابن عباس : نشأ : قام بالحبشية ، وطاء : مواطأة القرآن أشد موافقة لسمعه وبصره وقلبه ليواطئوا : ليوافقوا [فتح: 3 \ 21]

1141 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال : حدثني محمد بن جعفر ، عن حميد ، أنه سمع أنسا - رضي الله عنه - يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه ، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئا ، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته . تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر ، عن حميد . [1972 ، 1973 ، 3561 - فتح: 3 \ 22]


ثم ذكر فيه عن حميد عن أنس : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه ، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئا ، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته ، تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر ، عن حميد .

الشرح :

ما ذكره البخاري عن ابن عباس في تفسير ناشئة ذكره عبد بن حميد في "تفسيره " من حديث سعيد بن جبير عنه به سواء ، وذكر [ ص: 80 ] ابن فارس نحوه قال : ناشئة الليل [المزمل : 6] يريد : القيام والانتصاب للصلاة .

فمعنى : نشأ بالحبشية : قام . ولعلها وافقت اللغة العربية في هذا الحبشية .

وقال ابن عباس أيضا : ناشئة الليل : أوله ، ونحو ما بين المغرب والعشاء . وقال الحسن والحكم : هي من العشاء الآخرة إلى الصبح . وعن ابن عباس وابن الزبير : الليل كله ناشئة . وقول أكثر الناس فيما حكاه ابن التين عنهم وصححه ، والمعنى : إن الساعات الناشئة من الليل -إن المبتدئة القبلية- بعضها في إثر بعض .

وقال الأزهري : ناشئة الليل [المزمل : 6] قيامه ، مصدر جاء على فاعلة كعاقبة . وقيل : ساعاته . وقيل : كل ما حدث بالليل وبدأ فهو ناشئة .

وقال نفطويه : كل ساعة قامها قائم من الليل فهي ناشئة .

وقوله : (وطاء مواطأة ) . قال الأخفش : أشد وطئا أي : قياما .

وأصل الوطء في اللغة : الثقل . ومنه الحديث : "اللهم اشدد وطأتك على مضر " وقيل : أشد وطئا أشد ثباتا من النهار ، نحو ما في البخاري ، من قولك : وطئت الشيء : ثبت عليه . وذكر الإسماعيلي في قوله : وطئا أنه على التفسير المذكور : القراءة وطاء ، ممدود ، والمعنى في وطأ مهموز . أي أثبت للقيام ، وكأنه يريد أن القيام بعد قومه أعون على القيام ويقيم القراءة .

[ ص: 81 ] وحديث أنس يأتي إن شاء الله في الصوم في باب ما يذكر من صومه وإفطاره بالسند واللفظ .

وراويه عن حميد هو : محمد بن جعفر بن أبي كثير .

وسليمان هو : ابن بلال كما صرح به خلف ، وأبو خالد هو : سليمان بن حيان ، وذكره المزي بلفظ : وقال سليمان ، بدل : تابعه . نعم ذكره بلفظ : وقال في الصوم كما سيأتي ، وذكر أن في البخاري حديث أبي خالد في الصلاة والصوم عن محمد -وهو ابن سلام- عن أبي خالد ، وذاك في الصوم فقط لا هنا فاعلمه .

وذكر الإسماعيلي أن القاضي أبا يوسف حدث عن محمد بن أبي بكر ، ثنا يحيى بن سعيد وحميد : سئل أنس عن صوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : وافقه المعتمر .

إذا تقرر ذلك : فالحديث دال على أن أعمال التطوع ليست منوطة بأوقات معلومة ، وإنما هي على قدر الإرادة والنشاط فيها ، فكان - صلى الله عليه وسلم - ليس له في شهر من الشهور صيام معروف ولا فطر معروف ، وكذا صلاته كانت تختلف ، تارة يصلي وتارة ينام ، وذلك -والله أعلم- بحسب التيسير .

وأما الآية الأولى وهي قوله تعالى : قم الليل إلا قليلا نصفه [المزمل : 2 - 3] ففيها أقوال : منها أن قوله قم الليل ليس معناه الفرض بدليل أن بعده نصفه أو انقص منه قليلا أو زد [المزمل : 3 - 4] وليس كذا يكون الفرض ، وإنما هو ندب وحض . وقيل : هو حتم . ثالثها : أنه حتم وفرض عليه وحده . روي ذلك عن ابن عباس ،

[ ص: 82 ] وحجة هذا القول الحديث السالف خشية الافتراض علينا ; فدل على أنه لم يكن فرضا علينا ، ويجوز أن فرض ثم نسخ بقوله : فتاب عليكم [المزمل :20] وعلى هذا جماعة من العلماء .

روى النسائي من حديث عائشة : افترض القيام في أول هذه السورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا ، ثم نزل التخفيف في آخرها ، فصار قيام الليل تطوعا بعد أن كان فريضة ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وجماعة ، فيما حكاه عنهم النحاس .

وقال الحسن وابن سيرين : صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر (حلب ) شاة ، وهذا أسلفناه فيما مضى . قال إسماعيل بن إسحاق : أحسبهما قالا ذلك لقوله تعالى : فاقرءوا ما تيسر منه [المزمل : 20] قال الشافعي : سمعت بعض العلماء يقول : إن الله تعالى أنزل فرضا في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس فقال : يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه الآية ثم نسخ هذا بقوله : فاقرءوا ما تيسر منه ثم احتمل قوله فاقرءوا ما تيسر منه أن يكون فرضا ثابتا لقوله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك

[ ص: 83 ] [الإسراء : 79] فوجب طلب الدليل من السنة على أحد المعنيين ، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا واجب من الصلوات إلا الخمس .

قال أبو عمر : قول بعض التابعين : قيام الليل فرضا ، ولو كقدر حلب شاة ، قول شاذ متروك ; لإجماع العلماء أن قيام الليل نسخ بقوله : علم أن لن تحصوه [المزمل : 20] الآية .

وقد أسلفنا أن الأصح عندنا نسخه في حقه - صلى الله عليه وسلم - .

ومعنى الآية السالفة : التقدير -والله أعلم- أنه منصوب بإضمار فعل كأنه قال تعالى : قم الليل إلا قليلا [المزمل : 2] فعلم تعالى أن هذا الليل يختلف الناس في تقديره على قدر أفهامهم وطاقتهم على القيام ، فقال : أو انقص من نصف الليل بعد إسقاط ذلك القليل قليلا أو زد عليه ، وكان هذا تخييرا من الله تعالى إرادة الرفق بخلقه والتوسعة عليهم ، ورتل القرآن ترتيلا : اقرأه على ترتيل ، قاله مجاهد .

قولا ثقيلا حرامه وحلاله ، قاله مجاهد ، وقال الحسن : العمل به .

ناشئة الليل بعد النوم . أي : ابتداء عمله شيئا بعد شيء ، وهو من نشأ إذا ابتدأ ، وقد سلف ، وفيه ما فيه من الخلاف . أشد وطئا : أمكن موقعا ، وقد سلف ما فيه . قال قتادة : أثبت في الخير وأشد في الحفظ للتفرغ بالليل . ومن قرأ : وطأ . فالمعنى : أشد مهادا للتصرف في التفكر والتدبر ، قاله مجاهد ، يواطئ السمع والبصر والقلب .

[ ص: 84 ] وأقوم قيلا أي : أثبت للقراءة ، قاله مجاهد . قال بعضهم : ولهذا المعنى فرض الله صلاة الليل بالساعات ، جزءا من الليل لا جزءا من القرآن ، إرادة التنبيه على تفهمه وتدبره ، والعمل بالقلب وأنه ليس بهذ الحروف وجريه على اللسان ، وأن الثواب بمقدار تمام الساعات التي يقرأ فيها .

سبحا طويلا " فراغا وحقيقته لغة : التصرف والحركة .

وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى : علم أن لن تحصوه أي : لن تطيقوه . وصحح ابن التين أنه منسوخ بقوله سبحانه : وأقيموا الصلاة [المزمل : 20] .

التالي السابق


الخدمات العلمية