التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1092 1143 - حدثنا مؤمل بن هشام قال : حدثنا إسماعيل قال : حدثنا عوف قال : حدثنا أبو رجاء قال : حدثنا سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرؤيا قال : " أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة " . [انظر : 845 - مسلم : 2275 - فتح: 3 \ 24]


ذكر فيه حديث أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " .

وحديث سمرة بن جندب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرؤيا : "أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة " .

الشرح :

حديث أبي هريرة يأتي إن شاء الله في صفة إبليس ، وأخرجه مسلم [ ص: 86 ] (د . س ) أيضا ، والأعرج هو : عبد الرحمن بن هرمز .

وحديث سمرة مختصر من حديث طويل يأتي بطوله أواخر الجنائز ، وأخرجه النسائي ، وأخرج مسلم منه وأبو داود والترمذي قطعة ، وكرر البخاري هذه القطعة في التفسير في سورة التوبة في قوله : وآخرون اعترفوا بذنوبهم [التوبة : 102] وفي أحاديث الأنبياء والتعبير ، وأخرجه مختصرا ومطولا في الجنائز ، وبدء الخلق ، والبيوع ، والجهاد ، والأدب .

و (أبو رجاء ) هو : عمران العطاردي .

وإسماعيل هو : ابن علية .

و (مؤمل ) (في د س ) شيخ البخاري هو : ابن هشام أبو هاشم ختن إسماعيل بن علية ، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين .

[ ص: 87 ] إذا تقرر ; ذلك فالكلام على الحديث الأول من وجوه :

أحدها :

التبويب ليس مطابقا لما أورده من الحديث ، فإن ظاهره أنه يعقد على رأس من يصلي ومن لم يصل ، وهذا الاعتراض للمازري ، ويتأول كلام البخاري على إرادة استدامة العقد إنما يكون على من ترك الصلاة ، وجعل من صلى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره .

فإن قلت : فالصديق وأبو هريرة كانا يوتران أول الليل وينامان آخره .

قيل : أراد الذي ينام ولا نية له في القيام ، وأما من صلى من النافلة ما قدر له ونام بنية القيام فلا يدخل في ذلك ; بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من امرئ يكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه صلاة " ذكره ابن التين .

الثاني :

القافية : مؤخر الرأس ، وقافية كل شيء آخره . ومنه : قافية الشعر .

وقال ابن الأثير : القافية : القفا ، وقيل : مؤخر الرأس ، وقيل :

وسطه . وقال ابن حبيب : وسطه وأعلاه وأعلى الجسد .

[ ص: 88 ] الثالث :

يحتمل أن يكون هذا العقد حقيقا بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام ; فيعمل فيمن خذل ويصرف عمن وفق ، قال تعالى : ومن شر النفاثات في العقد فشبه تعالى فعل الشيطان بفعل الساحر الذي يأخذ خيطا ويعقد عليه عقدة ويتكلم عليه فيتأثر المسحور عند ذلك . وقيل : من عقد القلب وتصميمه . فكأنه يوسوس في نفسه ويحدثه بأن عليك ليلا طويلا فيتأخر عن القيام .

الرابع :

فسر بعضهم العقد الثلاث ; وقال : هي الأكل والشرب والنوم ، ألا ترى أنه من أكثر الأكل والشرب كثر نومه لذلك ، واستبعد لقوله : "إذا هو نام " فجعل العقد حينئذ ، والظاهر أنه مثل واستعارة من عقد بني آدم وليس بذلك العقد نفسها ، ولكن لما كان بنو آدم يمنعون بعقدهم ذلك بصرف من يحاول فيما عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم الذي لا يقوم من نومه إلى ما يجب من ذكر الله والصلاة .

الخامس :

إنما خص العقد بالثلاث ; لأن أغلب ما يكون انتباه النائم في السحر ، فإن اتفق له أن يستيقظ ويرجع للنوم ثلاث مرات لم تنتقض النومة الثالثة في الغالب إلا والفجر قد طلع ، نبه عليه القرطبي .

السادس :

قوله : ( "يضرب مكان كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد " ) يريد : يضرب بالرقاد . ومنه فضربنا على آذانهم في الكهف [الكهف : 11]

[ ص: 89 ] معناه : أن ذلك مقصود الشيطان بذلك العقد ، ويعني بقوله : "عليك ليل طويل فارقد " تسويفه بالقيام والإلباس عليه في بقية الليل من الطول ما له فيه فسحة .

وقوله : ( "ليل طويل " ) رفع على الابتداء أو على الفاعل بإضمار فعل أي : بقي عليك .

وقال القرطبي في رواية مسلم : وروايتنا الصحيحة : "ليل طويل " على الابتداء والخبر ، ووقع في بعض الروايات : عليك ليلا طويلا ، على الإغراء . والأول أولى من جهة المعنى ; لأنه الأمكن في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد بقوله : "فارقد " ، وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد ، وحينئذ يكون قوله : فارقد ضائعا .

السابع :

قوله : ( "فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة " ) فيه -كما قال أبو عمر- : أن الذكر يطرد الشيطان وكذا الوضوء والصلاة ، قال : ويحتمل أن يكون الذكر : الوضوء والصلاة لما فيهما من معنى الذكر يختص بهما الفضل في طرد الشيطان .

قلت : بعيد ; فقد غاير بينه وبينها ، ويحتمل أن تكون كذلك سائر أعمال البر .

الثامن :

قوله : ( "فإن توضأ انحلت عقدة " ) فيه ما قلناه .

[ ص: 90 ] وقوله : ( "فإن صلى انحلت عقده " ) هو بالجمع ، وفي بدء الخلق زيادة : "كلها " وروي في غيره بالإفراد .

قال صاحب "المطالع " اختلف في الأخير منها فقط ، فوقع في "الموطأ " لابن وضاح بالجمع ، وكذا ضبطناه في البخاري ، وكلاهما صحيح ، والجمع أوجه وقد جاء في مسلم في الأولى : "عقدة " وفي الثانية : "عقدتان " وفي الثالثة : "انحلت العقد " .

التاسع :

المراد بالصلاة هنا : الفريضة ، قاله ابن التين ، قال : وقيل : النافلة ، واحتج له بالحديث الذي بعد هذا : "بال الشيطان في أذنه " .

ومعنى : ( "أصبح نشيطا طيب النفس " ) للسرور بما وفقه الله له من الطاعة ووعده به من ثوابه ، مع ما يبارك في نفسه ، وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه .

وقوله : ( "وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " ) وذلك لما عليه من عقد الشيطان ، وآثار تثبيطه واستيلائه ولم يزل عنه .

قال أبو عمر : وزعم قوم أن في هذا الحديث ما يعارض الحديث الآخر : "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي " لقوله : "خبيث النفس "

[ ص: 91 ] وليس كذلك لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهية لتلك الكلمة وتشاؤما بها إذا أضافها الإنسان إلى نفسه ، فإن الخبث : الفسق ، قال تعالى : الخبيثات للخبيثين [النور : 26] ، والحديث الثاني : "أصبح خبيث النفس " ذما لفعله وعيبا له ، ولكل واحد من الخبرين وجه فلا معنى للتعارض ، فالنهي منصب أن يقول هذا اللفظ عن نفسه ، وهذا إخبار عن صفة غيره .

العاشر :

ظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة ، وهي الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان .

قال المهلب : قد فسر الشارع معنى العقد وهو : "عليك ليل طويل فارقد " ، فكأنه يقولها إذا أراد النائم الاستيقاظ إلى حزبه ، فينعقد في نفسه أنه بقي من الليل بقية طويلة حتى يروم بذلك إتلاف ساعات ليله وتفويت حزبه فإذا ذكر الله انحلت عقدة أي : علم أنه قد مر من الليل طويل ، وأنه لم يبق منه طويل ، فإذا قام وتوضأ استبان له ذلك أيضا ، وانحل ما كان عقد في نفسه من الغرور والاستدراج ، فإذا صلى واستقبل القبلة ، انحلت الثالثة ; لأنه لم يصغ إلى قوله ، ويئس الشيطان منه ، ولما كان مؤخر الرأس فيه العقل والفهم ، فعقده فيه إثباته في فهمه أنه بقي عليه ليل طويل ، فيصبح نشيطا طيب النفس ; لأنه مسرور بما قدم مستبشر بما وعده ربه من الثواب والغفران ، وإلا أصبح مهموما بجواز كيد الشيطان عليه ، وكسلان بتثبيط الشيطان له عما كان اعتاده من فعل الخير .

[ ص: 92 ] وأما الحديث الثاني : فـ "يثلغ " بمثناة تحت مضمومة ثم مثلثة ثم لام ثم غين معجمة أي : يشدخ ، والشدخ : فضخ الشيء الرطب بالشيء اليابس ، ومعنى : "يرفضه " : يتركه ، وهو بفتح الفاء وكسرها كما ذكره ابن التين عن الضبط وعن أهل اللغة أي يترك تلاوته حتى ينساه أو يترك العمل به .

وعبارة ابن بطال : يترك حفظه والعمل بمعانيه ، قال : فأما إذا ترك حفظ حروفه وعمل بمعانيه فليس برافض له ، قد أتى في الحديث "أنه يحشر يوم القيامة أجذم " أي : مقطوع الحجة ، والرافض له يثلغ رأسه كما سلف ، وذلك لعقد الشيطان فيه ، فوقعت العقوبة في موضع المعصية .

وقوله : ( "ينام عن الصلاة المكتوبة " ) يعني : لخروج وقتها وفواته ، وهذا إنما يتوجه إلى تضييع صلاة الصبح وحدها لأنها التي تبطل بالنوم ، وهي التي أكد الله المحافظة عليها ، وفيها تجتمع الملائكة . وسائر الصلوات إذا ضيعت فحملها محملها ، لكن لهذه الفضل . ا . هـ

وفي رواية : "فأتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على [ ص: 93 ] رأسه بفهر أو صخرة فيشدخ به رأسه ، فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذه حتى يلتئم رأسه ، وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه " .

واعترض الإسماعيلي فقال : هذا الحديث لا يدخل في هذا الباب ، وليس رفض القرآن : ترك الصلاة بالليل ، وهو عجيب منه ، فسيأتي في الحديث في الجنائز : "والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل حتى نسيه ، ولم يعمل به بالنهار ، يفعل به إلى يوم القيامة " .

. . .

باب

كذا في أصول البخاري ، وفي أصل ابن بطال :

التالي السابق


الخدمات العلمية