التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1097 1148 - حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام قال : أخبرني أبي ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسا ، حتى إذا كبر قرأ جالسا ، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ، ثم ركع . [انظر : 1118 - مسلم : 731 - فتح: 3 \ 33]


ذكر فيه حديث عائشة : ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعا ، فلا تسل عن حسنهن وطولهن . . الحديث .

وحديثها أيضا : ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في شئ من صلاة الليل جالسا ، حتى إذا كبر قرأ جالسا ، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ، ثم ركع .

الشرح :

حديث عائشة الأول يأتي في الصوم وصفته - صلى الله عليه وسلم - ، وأخرجه مسلم [ ص: 110 ] أيضا ، وأبو داود والنسائي ، والترمذي ، وقال : حسن صحيح .

أخرجاه عن مالك عن سعيد المقبري عن أبي سلمة عنها .

قال أبو عمر : وهكذا هو في "الموطأ " عند جماعة الرواة فيما علمت ، ورواه محمد بن معاذ بن المستهل ، عن القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب عن أبي سلمة ، عنها . والصواب الأول .

وأخرجه البخاري في الاعتصام وصفته - صلى الله عليه وسلم - من حديث سعيد بن ميناء عن جابر . وحديثها الثاني أخرجه مسلم أيضا ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وقد أسلفنا اختلاف الآثار في عدد صلاته - صلى الله عليه وسلم - قريبا .

واختلف العلماء في عدد الصلاة في رمضان ، فذكر ابن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون ، ثنا إبراهيم (ت . ق ) بن عثمان ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر ، وروي مثله عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي بن [ ص: 111 ] كعب ، وبه قال الكوفيون والشافعي وأحمد ، إلا أن إبراهيم هذا هو جد ابن شيبة ، وهو ضعيف فلا حجة في حديثه ، والمعروف القيام بعشرين ركعة في رمضان عن عمر وعلي ، قاله ابن بطال ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء ، ونقله ابن رشد عن داود .

وقال عطاء : أدركت الناس يصلون ثلاثا وعشرين ركعة ، الوتر منها ثلاثا .

وروى ابن مهدي عن داود بن قيس . قال : أدركت الناس في المدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستا وثلاثين ركعة ، ويوتر بثلاث . وهو قول مالك وأهل المدينة ، وجعله الشافعي خاصا بأهل المدينة ; لشرفهم وفضل مهاجرهم . ونقل ابن رشد عن ابن القاسم عن مالك : الوتر بركعة . وحكي [أن] الأسود بن يزيد ، كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بسبع .

وقول عائشة : (يصلي أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا ) قد أسلفنا في أبواب الوتر أن ذلك مرتب على قوله : "صلاة الليل مثنى مثنى " لأنه مفسر وقاض على المجمل ، وقد جاء بيان هذا في بعض طرق هذا [ ص: 112 ] الحديث ، روى ابن أبي ذئب والأوزاعي ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة بالوتر يسلم بين كل ركعتين .

فإن قلت : إذا كان يفصل بالسلام فما الحكمة في الجمع ؟

قلت : لينبه على أن صفتهما وطولهما من جنس واحد وأن الآخر بعدها ليست من جنسها وإن كانت أخذت من الحسن والطول حظها .

وقيل في قولها : (يصلي أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا ) . أي : أنه كان ينام بينهن .

وروي نحوه عن ابن عباس ، وفيه دلالة على جواز فعل ذلك ، بل هو عند أبي حنيفة : أفضل التطوع أن يصلي أربعا بتسليمة . واحتج من قال ذلك بحديث الليث ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى ، عن أم سلمة أنها وصفت صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالليل وقراءته فقالت : كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ، ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى ، ثم يقوم فيوتر .

[ ص: 113 ] وقولها : (أتنام قبل أن توتر ؟ ) كأنها توهمت أن الوتر إثر الصلاة على ما شاهدته من أبيها ; لأنه كان يوتر إثرها ، فلما رأت منه خلاف ذلك سألته عن ذلك فأخبرها أن عينيه تنامان ولا ينام قلبه -أي : عن مراعاة الوقت- وليس ذلك لأبيها ، وهذه من أعلى مراتب الأنبياء ، ولذلك قال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي . لأنهم يفارقون سائر البشر في نوم القلب ، ويساوونهم في نوم العين ، وكان يغط ثم يصلي . قال عكرمة : كان محفوظا ، وإنما كان يتوضأ من الانتباه من النوم وإن كان لا يتوضأ بعد نومه ; لأنه كان يتوضأ لكل صلاة ، ولا يبعد أن يتوضأ إذا غامر قلبه النوم واستولى عليه ، وذلك في النادر ، كنومه في الوادي إلى أن طلعت الشمس ، ليسن لأمته أن الصلاة لا يسقطها خروج الوقت وإن كان معلوما بنوم أو نسيان .

وفي حديث عائشة الآتي : قيامه - صلى الله عليه وسلم - بالليل ، ومعنى قيامه عند الركوع ; لئلا يخلي نفسه من فضل القيام في آخر الركعة ، وليكون انحطاطه إلى الركوع والسجود من قيام إذ هو أبلغ وأشد في التذلل والخشوع .

وفيه : دليل للمذهب الصحيح أنه يجوز أن يقال : رمضان . بغير [ ص: 114 ] إضافته إلى شهر ، وإنما سألها أبو سلمة عن صلاته في رمضان ليقف على حقيقة ركعاته .

وفيه : أن تطويل القراءة في القيام وتحسين الركوع والسجود أكثر من تكثير الركوع والسجود . وعكست طائفة ، وفصلت أخرى فقالت : تطويل القيام في الليل أفضل وتكثير الركوع والسجود في النهار أفضل . ومذهب الشافعي أن تطويل القيام أفضل .

وفيه : جواز الركعة الواحدة بعضها قياما وبعضها قعودا ، وهو مذهبنا ومالك وأبي حنيفة وعامة العلماء ، وسواء قام ثم قعد أو عكس ، ومنعه بعض السلف . وعن أبي يوسف ومحمد بن الحسن وأشهب : لا تجزئه .

وقولها : من صلاة الليل جالسا . اختلف في كيفية الجلوس في الصلاة ، فعن أبي حنيفة : يقعد في حال القراءة كما يقعد في سائر الصلاة ، وإن شاء توبع وإن شاء احتبى . وعن أبي يوسف : يحتبي . وعنه : يتربع إن شاء . وعن محمد : يتربع . وعن زفر : يقعد كما (يقعد ) في التشهد . وعن أبي حنيفة في صلاة الليل : يتربع من أول الصلاة إلى آخرها . وقال أبو يوسف : إن جاء في وقت الركوع والسجود يقعد كما يقعد في تشهد المكتوبة . وعن أبي يوسف : يركع متربعا ، وإذا أراد الركوع ثنى رجله اليسرى وافترشها ، وهو مخير بين أن يركع من قعود وبين أن يقوم عند آخر قراءته .

[ ص: 115 ] قال في "المغني " : فإن الأمرين جميعا جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما روته عائشة عنه . والإقعاء مكروه ، والافتراش عندنا أفضل من التربع على أظهر أقوال الشافعي .

ثالثها : ينصب ركبته اليمنى كالقارئ بين يدي المقرئ . وعند مالك : يتربع . كما ذكره القرافي في "الذخيرة " ، وقال في "المغني " عن أحمد : يقعد متربعا في حال القيام ويثني رجليه في الركوع والسجود ، ثم القعود في حقه - صلى الله عليه وسلم - كالقيام في حال القدرة وغيرها تشريفا له وتخصيصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية