التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1100 1151 - قال : وقال عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت عندي امرأة من بني أسد ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "من هذه ؟ " . قلت : فلانة لا تنام بالليل . فذكر من صلاتها ، فقال : " مه ، عليكم ما تطيقون من الأعمال ، فإن الله لا يمل حتى تملوا " . [انظر : 43 - مسلم : 785 - فتح: 3 \ 36]


ذكر فيه حديث أنس بن مالك قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حبل ممدود بين الساريتين . . الحديث .

وقال عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن هشام عن أبيه ، عن عائشة قالت : كانت عندي امرأة من بني أسد . . الحديث .

أما حديث أنس فأخرجه مسلم في الصلاة ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

وأغرب الحميدي فذكره في أفراد البخاري .

[ ص: 119 ] وشيخ البخاري فيه : أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج .

وزينب هذه هي ابنة جحش ، كما جاء في رواية أبي بكر بن أبي شيبة وغيره . وفي أبي داود : حمنة بنت جحش . وقال ابن الجوزي في حديث : فقالوا فلانة تصلي : هي حمنة . وقيل : أختها زينب أم المؤمنين . وقيل : ميمونة بنت الحارث . وذكر في "الموطأ " أنها الحولاء بنت تويت .

وأما حديث عائشة فقد سلف مسندا في باب : أحب الدين إلى الله أدومه من كتاب الإيمان من حديث يحيى بن سعيد عن هشام ، ورواه أبو نعيم من حديث محمد بن غالب ، عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، وقال في آخره : ورواه -يعني : البخاري - وقال : قال عبد الله بن مسلمة ، وأسنده الإسماعيلي من طريق يونس ، عن ابن وهب ، عن مالك . ورواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة .

وفيه : الحث على الاقتصاد في العبادة ، والنهي عن التعمق ، وقد قال تعالى : لا تغلوا في دينكم [النساء : 171] والله أرحم بالعبد من نفسه .

[ ص: 120 ] وفيه : الأمر بالإقبال عليها بنشاط ، وإذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور ، وإزالة المنكر باليد لمن تمكن منه ، وجواز التنفل في المسجد وذلك لأنها كانت تصليها فيه فلم ينكر عليها ، وكراهية الاعتماد على الشيء في الصلاة ، ويأتي إن شاء الله في باب : استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة ، من كره ذلك ومن أجازه ، وإنما كره التشديد في العبادة ، خشية الفتور والملالة ، وقد قال الشارع : "خير العمل ما داوم عليه صاحبه وإن قل " وقال الرب جل جلاله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة : 286] وقال : وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحج : 78] فكره الإفراط في العبادة ; لئلا ينقطع عنها المرء فيكون كأنه رجوع فيما بذله من نفسه للرب جل جلاله وتطوع به .

وقوله : (فذكر من صلاتها ) هو من قول عروة أو من رواة الحديث ، وهو تفسير لقول عائشة : لا تنام الليل . ووصفتها بالامتناع من النوم ; لأنه دأب الصالحين .

واختلف قول مالك فيمن يحيي الليل كله ، فكرهه مرة ، وهو مذهب الشافعي ، وفي الشارع أسوة حسنة ، كان يصلي أدنى من ثلثي الليل ونصفه ، ثم رجع فقال : لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح .

وقوله : ( "لا يمل حتى تملوا " ) أي : لا يمل من الثواب حتى تملوا أنتم من العمل الذي هو شأنكم . ومعنى الملل من الله : ترك الإعطاء .

ومعناه هنا : السآمة . إلا أنه لما كان الأمر من الترك وصف تركه [ ص: 121 ] بالملل على معنى المقابلة ، وليس فيه ما يدل على أنه يمل العطاء إذا مللنا العمل ، إلا من جهة دليل الخطاب إذا علق بالغاية ، وبه قال القاضي أبو بكر ، وذكر الداودي أن أحمد بن أبي سليمان قال : معناه : لا يمل وأنتم تملون . وقيل هي ها هنا بمعنى : حين . فهذه أربعة أقوال .

وقال الهروي : قيل : إن الله لا يمل أبدا مللتم أو لم تملوا ، فجرى هذا مجرى قول العرب : حتى يبيض القار .

ومعنى : ( "فعليكم بما تطيقون من الأعمال " ) يحتمل الندب لنا إلى أن نكلف بما لنا به طاقة أو نهينا عما لا نطيق ، والأمر بالاقتصار على ما يطيقه ، وهو الأليق .

وقوله : ( "من الأعمال " ) أراد به عمل البر ; لأنه ورد على سببه ،

وهو قول مالك : إن اللفظ الوارد على سبب مقصور عليه ; ولأنه ورد من جهة صاحب الشرع فيجب أن يحمل على الأعمال الشرعية .

وقوله : ( "بما تطيقون " ) يريد : بما لكم المداومة عليه طاقة ، وقد اختلف السلف في التعليق بالحبل في النافلة عن الفتور والكسل ، فذكر ابن أبي شيبة عن أبي حازم أن مولاته كانت في أصحاب الصفة قالت : وكانت لنا حبال نتعلق بها إذا فترنا ونعسنا في الصلاة ، فأتى أبو بكر فقال : اقطعوا هذه الحبال وأفضوا إلى الأرض . وقال حذيفة في التعلق في الصلاة : إنما يفعل ذلك اليهود .

ورخص في ذلك آخرون . قال عراك بن مالك : أدركت الناس في رمضان يربط لهم الحبال فيمسكون بها من طول القيام .

[ ص: 122 ] وقد أسلفنا الكلام على هذا الحديث في باب : أحب الدين إلى الله أدومه ، ولما طال العهد أشرنا إليه أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية