التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1105 1158 - وكانوا لا يزالون يقصون على النبي - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا أنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أرى رؤياكم قد تواطت في العشر الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها من العشر الأواخر " . [2015 ، 6991 - مسلم : 1165 - فتح: 3 \ 40]


ذكر فيه حديث عبادة بن الصامت :

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله " الحديث .

وعن الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن الهيثم بن أبي سنان

أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه -وهو يقصص في قصصه- وهو يذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخا لكم لا يقول الرفث " . يعني بذلك : عبد الله بن رواحة .


وفينا رسول الله يتلو كتابه . . . إذا انشق معروف من الفجر ساطع

    أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
. . . به موقنات أن ما قال واقع

    يبيت يجافي جنبه عن فراشه
. . . إذا استثقلت بالمشركين المضاجع



تابعه عقيل . وقال الزبيدي : أخبرني الزهري ، عن سعيد والأعرج ، عن أبي هريرة .

وذكر حديث ابن عمر : قال : رأيت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كأن بيدي قطعة إستبرق . . الحديث .

الشرح :

حديث عبادة من أفراده ، وأخرجه الأربعة : أبو داود في الأدب ،

[ ص: 131 ] والترمذي في الدعوات وقال : حسن غريب صحيح ، والنسائي في اليوم والليلة ، وابن ماجه في الدعوات .

وفيه : الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي .

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا في هجاء المشركين من الأدب ، وهو من أفراده أيضا ، ورواه الإسماعيلي من حديث أصبغ عن ابن وهب ، عن يونس . والإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن يونس .

وقوله : (تابعه عقيل ) أي : تابع يونس عقيل في رواية ابن شهاب عن الهيثم .

والزبيدي هو محمد بن الوليد الحمصي .

وسعيد هو ابن المسيب .

والأعرج عبد الرحمن بن هرمز . وحديث ابن عمر تقدم بعضه في فضل قيام الليل .

وأيوب هو ابن أبي تميمة . وأخرجه مسلم .

وشيخ البخاري أبو النعمان هو محمد بن الفضل السدوسي عارم ،

[ ص: 132 ] مات في صفر ، بعد العشرين والمائتين .

إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه :

أحدها :

( "تعار من الليل " ) استيقظ ، وقيل : إنما يكون مع صوت . وقيل : لا يقال : تعار إلا لمن قام وذكر . وظاهر الحديث الأول ; لأنه قال : "من تعار . . فقال " فعطف القول بالفاء على (تعار ) ، فهذا من قوله تعالى : فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون [البقرة : - 152] فجمع في هذا الحديث ما في هذه الآية ، ومن ذكره الله لا يعذبه ، ومن قبل له حسنة قبل له سائر عمله ; لأنه يعلم عواقب الأمور وما يحبط الأعمال ، فلا يقبل شيئا ثم يحبطه ، قاله الداودي .

ثانيها :

حديث عبادة شريف عظيم القدرة وفيه ما وعد الله عباده على التيقظ من نومهم لهجة ألسنتهم بشهادة التوحيد له والربوبية ، والإذعان له بالملك ، والاعتراف له بالحمد على جزيل نعمه التي لا تحصى ، رطبة أفواههم بالقدرة التي لا تتناهى ، مطمئنة قلوبهم بحمده وتسبيحه وتنزيهه عما لا يليق بالإلهية من صفات النقص ، والتسليم له بالعجز عن القدرة عن نيل شيء إلا به ، فإنه وعد بإجابة دعاء من بهذا دعاه ، وقبول صلاة من بعد ذلك صلى ، وهو تعالى لا يخلف الميعاد .

فينبغي لكل من بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ، ويخلص نيته لربه العظيم أن يرزقه حظا من قيام الليل ، فلا عون إلا به ، ويسأله فكاك [ ص: 133 ] رقبته من النار ، وأن يوفقه لعمل الأبرار ، وأن يتوفاه على الإسلام ، فقد سأل ذلك الأنبياء الذين هم خيرة الله وصفوته من خلقه ، فمن رزقه الله حظا من قيام الليل فليكثر شكره على ذلك ، ويسأله أن يديم له ما رزقه ، وأن يختم له بفوز العاقبة وجميل الخاتمة .

قال أبو عبد الله الفربري : أجريت هذا الدعاء على لساني عند انتباهي من النوم ثم نمت فجاءني جاء فقرأ هذه الآية : وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد [الحج : - 24] .

ثالثها :

قوله : ( "فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " ) وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فيه أنه "خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي " .

وروى عنه أبو هريرة أنه قال : "من قال ذلك في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل بما جاء ، إلا أحد عمل أكثر من عمله ذلك " .

[ ص: 134 ] وقوله : ( "الحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة

إلا بالله " ) . وفي نسخة : "ولا إله إلا الله " خرج مالك عن سعيد بن المسيب أنه قال : الباقيات الصالحات قول العبد ذلك ، بزيادة لا إله

إلا الله . كما ذكرناه عن بعض النسخ فجعلها خمسا بتقديم وتأخير .

وروي عن ابن عباس : هي : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . جعلها أربعا .

رابعها :

قوله : ( "إن أخا لكم " ) القائل هذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو دال على أن حسن الشعر محمود كحسن الكلام ، وبين أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه ، خير له من أن يمتلئ شعرا " لا يراد به كل الشعر ، إنما المراد الشعر الذي فيه الباطل والهجر من القول ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد نفى عن ابن رواحة بقوله هذه الأبيات ; قول الرفث ، وإذا لم تكن من الرفث فهي في حيز الحق ، والحق مرغوب فيه ، مأجور عليه صاحبه ، وذكر هذه الأبيات لأن فيها أنه - صلى الله عليه وسلم - يبيت يجافي جنبه عن فراشه ، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل إلا ما فيه الفضل ، فلما كان تلاوة القرآن وهجر الفراش من الفضائل لما فعله ، فهو داخل في هذا الباب .

خامسها :

قوله في حديث ابن عمر : (إحدى رؤياي ) . كذا هنا ويجوز رؤتي أو [ ص: 135 ] رؤاتي ، وفيه : أن قيام الليل ينجي من النار ، وقد سلف .

وقوله : ( " أرى رؤياكم قد تواطت في العشر الأواخر " ) هكذا وقع في سائر النسخ وأصله مهموز ، تواطأت على وزن تفاعلت ، لكنه وقع على التسهيل ، ومعنى "تواطأت " : اتفقت واجتمعت . ذكره الداودي .

التالي السابق


الخدمات العلمية