التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1118 1167 - حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سيف بن سليمان المكي ، سمعت مجاهدا يقول : أتي ابن عمر رضي الله عنهما في منزله ، فقيل له : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دخل الكعبة . قال : فأقبلت فأجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خرج ، وأجد بلالا عند الباب قائما ، فقلت : يا بلال ، صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة ؟ قال : نعم . قلت فأين ؟ قال : بين هاتين الأسطوانتين . ثم خرج فصلى ركعتين في وجه الكعبة . قال أبو عبد الله : قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : أوصاني النبي - صلى الله عليه وسلم - بركعتي الضحى . وقال عتبان : غدا علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - بعد ما امتد النهار ، وصففنا وراءه ، فركع ركعتين . [انظر : 397 - مسلم : 1329 - فتح: 3 \ 49]


ذكر فيه أحاديث :

أحدها :

حديث أنس بن مالك قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم انصرف .

وهو ثابت في بعض النسخ ، وفي أصل الدمياطي أيضا . نعم ذكره بعد حديث أبي قتادة ، وهو مختصر من حديث تقدم في باب الصلاة على الحصير .

[ ص: 155 ] الحديث الثاني :

حديث جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة .

الحديث

ويأتي في الدعوات في باب الدعاء عند الاستخارة ، والتوحيد في باب : قل هو القادر [الأنعام : 65] . وأخرجه الأربعة في الصلاة خلا النسائي ففي النكاح ، والنعوت ، واليوم والليلة . قال الترمذي : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي الموالي ، وهو مدني ثقة . قال : وفي الباب عن ابن مسعود ، وأبي أيوب .

ثم الكلام عليه من أوجه :

أحدها :

قوله : (يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن ) . فيه ما كان من شفقته بأمته ، وإرشادهم إلى مصالحهم دينا ودنيا ، فكان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن ; لشدتهم في الحالات كلها كشدة حاجتهم إلى القراءة في كل الصلوات . والاستخارة مشتقة من سؤال الخير .

[ ص: 156 ] وقوله : ( "فليركع ركعتين من غير الفريضة " ) فيه استحباب ذلك .

ويفعل في كل وقت عندنا إلا وقت الكراهة على الأصح ; لأن سببها متأخر . وفيه تسمية ما يتعين فعله من العبادات فرائض . ولا يسمى به المندوب وإن كان فيه معنى الفرض ، وهو التقدير ، ولكنه أمر خص به المكتوبة حتما في لسان الشارع .

ثانيها :

معنى : "أستخيرك " استعمل في لسان العرب على معان منها سؤال الفعل ، فالتقدير : أطلب منك الخير فيما هممت به . والخير هو كل معنى زاد نفعه على ضره . ومعنى : "وأستقدرك بقدرتك " : أسألك تهيئة الخير والقدرة . وفيه : دلالة على أن العبد لا يكون قادرا إلا مع الفعل ، لا قبله ، كما يقول القدرية ، فإن البارئ هو خالق العلم بالشيء للعبد ، والهم به ، والقدرة عليه ، والفعل مع القدرة ، وذلك كله موجود بقدرة الله .

قال ابن بطال : والقادر والقدرة من صفات الذات ، والقدرة والقوة بمعنى واحد مترادفات ، فالبارئ تعالى لم يزل قادرا قويا ذا قدرة وقوة ، قال : وذكر الأشعري أن القدرة والقوة والاستطاعة اسم لا يجوز أن يوصف به مستطيع لعدم التوقف بذلك ، وإن كان قد جاء القرآن بالاستطاعة فقال : هل يستطيع ربك [المائدة : 112] وإنما هو خبر عنهم ولا يقضي إثباته صفة له تعالى ثابتة لهم عقب هذا ، وقراءة من قرأ : (هل تستطيع ربك ) بمعنى : هل تستطيع سؤاله . قال : وقد أخطئوا في الأمرين جميعهم لاقتراحهم على نبيهم وخالقهم ما لم يأذن فيه ربهم تعالى .

[ ص: 157 ] وقوله : ( "وأسألك من فضلك العظيم " ) كل عطاء الرب جل جلاله فضل ، فإنه ليس لأحد عليه حق في نعمة ولا في شيء ، فكل ما يهب فهو زيادة مبتدأة من عنده لم يقابلها منا عوض فيما مضى ، ولا يقابلها فيما يستقبل ، فإن وفق للشكر والحمد فهو نعمة سؤل وفضل يفتقر أيضا إلى حمد وشكر هكذا إلى غير نهاية ، خلاف ما تعتقده المبتدعة التي تقول : إنه واجب على الله أن يبتدئ العبد بالنعمة ، وقد خلق له القدرة ، وهي باقية فيه ، دائمة له أبدا يعصي ويطيع .

وقوله : ( "فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم " ) فيه تصريح بعقيدة أهل السنة ، فإنه نفي العلم عن العبد والقدرة وهما موجودان ، وذلك يناقض في بادئ الرأي ، والحق والحقيقة فيه الاعتراف بأن العلم لله والقدرة لله ، ليس للعبد من ذلك شيء إلا ما خلق له يقول : فأنت يا رب تقدر قبل أن تخلق في القدرة ، وتقدر مع خلقها ، وتقدر بعدها . وأما على الحقيقة في الأقوال كلها مصرف لك ومحل لمقدوراتك وكذلك في العلم .

وقوله : ( "وأنت علام الغيوب " ) المعنى : أنا أطلب مستأنفا لا يعلمه إلا أنت ، فهب لي منه ما ترى أنه خير لي في ديني ومعاشي ، وعاجل أمري وآجله ، وهي أربعة أقسام : خير يكون له في دينه دون دنياه ، وهذا هو المقصود للإبدال ، ولا صبر على عموم الخلق فيه .

ثانيها : خير له في دنياه خاصة ولا يعرض على دينه ، فذلك حظ حقير .

ثالثها : خير في العاجل ، وذلك يحصل في الدنيا ويحتمل للابتداء ، ويكون في الآخرة أولى .

[ ص: 158 ] رابعها : خير في الانتهاء ، وذلك أولاه وأفضله ، ولكن إذا جمع الأربعة فذلك الذي ينبغي للعبد أن يسأل ربه ، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، والموت راحة لي من كل شر ، إنك على كل شيء قدير " .

وقوله : "وبارك لي فيه " أي : أدمه وضاعفه .

وقوله : ( "وعاقبة أمري -أو قال : عاجل أمري وآجله " ) شك أي الكلمتين قال .

وقوله : ( "واصرفه عني واصرفني عنه " ) أي : لا تعلق بالي به وبطلبه . ومن دعاء بعض أهل الطريق : اللهم لا تتعب بدني في طلب ما لم تقدره لي .

وقوله : ( "واقدر لي الخير " ) أي : اقضه ، قال الشيخ أبو الحسن : أهل المشرق يضمون الدال منه ، وأهل بلدنا يكسرونها ، ولا أدري كيف قرأه أبو زيد .

وقوله : "ثم أرضني " كذا في البخاري ، وفي الترمذي زيادة : "به " ولأبي داود : "ثم رضي به " أي : اجعلني راضيا به إن وجد ، أو بعدمه إن عدم . والرضى : سكون النفس إلى القدر والقضاء .

[ ص: 159 ] ففيه : أنه يجب على المؤمن رد الأمور كلها إلى الله ، وصرف أزمنتها ، والتبرء من الحول والقوة ، وأن لا يروم شيئا من دقيق الأمور ولا جليلها حتى يسأل الله فيه ، ويسأله أن يحمله فيه على الخير ويصرف عنه الشر إذعانا بالافتقار إليه في كل أمره والتزاما لذلة العبودية له ، وتبركا لاتباع سنة سيد المرسلين في الاستخارة ، وربما قدر ما هو خير ويراه شرا نحو قوله : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم [البقرة : 216] .

وفي قوله : "وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي " حجة على القدرية الذين يزعمون أن الله لا يخلق الشر -تعالى الله عما يفترون- فقد أبان في هذا الحديث أن الله هو المالك للشر والخالق له ، وهو المدعو لصرفه عن العبد ; لأن محالا أن يسأله العبد صرف ما يملكه العبد من نفسه وما يقدر على اختراعه دون تقدر الله عليه .

وقوله : ( "ويسمي حاجته " ) أي : إما بلسانه أو بقلبه لأنه من الدعاء والعمل الذي يتقرب به إلى الله .

"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " .

وقد سلف في باب : إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين .

الحديث الرابع : حديث ابن عمر :

صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها .

الحديث .

وقد سلف في باب : الصلاة بعد الجمعة ، ويأتي في : التطوع بعد [ ص: 160 ] المكتوبة ، وأخرجه مسلم وأبو داود مختصرا ، والترمذي مطولا .

الحديث الخامس :

حديث شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب : "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب -أو قد خرج- فليصل ركعتين " .

وقد سلف في باب : صلاة الجمعة ، وأخرجه مسلم والأربعة .

قال الأصيلي : خالف شعبة فيه أصحاب عمرو بن دينار : ابن جريج ، وحماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة فرووه عن عمرو عن جابر في قصة سليك ، وكذلك روى أبو الزبير عن جابر ، فانفرد شعبة بما لم يتابع عليه ، لم تكن زيادة زادها الحافظ على غيره ; بل هي قصة منقلبة عن وجهها . وقال يحيى بن معين : أحق أصحاب عمرو بن دينار بحديثه سفيان بن عيينة .

وقال الداودي : أراه إنما روى الحديث على تأويله الذي روي أن [ ص: 161 ] رجلا دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب -وبه بذاذة - فأمره أن يصلي ركعتين ليفطن له الناس وقد سلف هذا .

وقوله : ( "أو قد خرج " ) يعني : دخل المسجد وخرج على القوم .

الحديث السادس : حديث سيف بن سليمان :

سمعت مجاهدا يقول : أتي ابن عمر في منزله . الحديث .

وهذا سلف في باب : قول الله تعالى : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة : 125] .

قال البخاري : وقال أبو هريرة : أوصاني النبي - صلى الله عليه وسلم - بركعتي الضحى .

وهذا يأتي إن شاء الله تعالى .

وقال عتبان بن مالك : غدا علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - بعدما امتد النهار ، وصففنا وراءه ، فركع ركعتين .

وهذا سلف ، وفي هذا دلالة على صلاة النافلة جماعة .

إذا عرفت ذلك :

فترجمة الباب أن التطوع مثنى مثنى ، وما ذكره من الأحاديث المتواترة شاهد له عموما وخصوصا ، قولا وفعلا ، وحديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعا : "أربع ركعات قبل الظهر لا تسليم فيهن يفتح لهن أبواب السماء " إنما أراد اتصالهن ذلك الوقت لا أنه لا سلام [ ص: 162 ] بينهن ; لما صح من صلاته قبل الظهر وغيرها ركعتين توفيقا بين الأدلة ، ثم إنه دال على فضل الأربع إذا اتصلت وفعلت في هذا الوقت ، ولا يدل على أن أكثر من الأربع لا يكون أفضل منها إذا كانت منفصلة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد يذكر فضل الشيء ويكون هناك ما لو قاله أو فعله لكان أفضل ، ألا ترى أنه قال : "اتقوا النار ولو بشق تمرة " ولا شك أن رطل تمر أفضل منها ، فنبه بذكره على أربع على أن الأكثر يكون أفضل ، فلو صلى عشرين بتسليمة بين كل ركعتين كان أفضل من أربع متصلة .

وقد اختلف العلماء في التطوعات ليلا ونهارا ، وقد أسلفناه فيما مضى في باب : ما جاء في الوتر ، ومذهب ابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأبي ثور : مثنى مثنى . وهو قول أبي يوسف ومحمد في صلاة الليل ، وقال أبو حنيفة : أما صلاة الليل فإن شئت ركعتين وإن شئت أربعا أو ستا أو ثمانيا . وكره الزيادة على ذلك . قاله أبو حنيفة وتبعه صاحباه .

[ ص: 163 ] فأما النهار فإن شئت ركعتين وإن شئت أربعا . وكرهوا الزيادة على ذلك ، احتج أبو حنيفة بحديث عائشة السالف : كان يصلي أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا . وأجيب عنه بأنه ليس فيه أن الأربع بسلام واحد ، وإنما أرادت العدد في قولها : أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا . بدليل قوله : "صلاة الليل مثنى مثنى " وهذا يقتضي ركعتين ركعتين بسلام بينهما على ما سلف في باب : كيف صلاة الليل .

ورد الطحاوي على أبي حنيفة بحديث الزهري عن عروة عنها أنه كان يسلم بين كل اثنتين منهن . وقال : هذا الباب إنما يؤخذ من جهة التوقيف والاتباع لما فعله الشارع وأمر به وفعله أصحابه من بعده ، فلم يجد عنه من فعله ولا من قوله أنه أباح أنه يصلي بالليل أكثر من ركعتين ، وهذا أصح القولين عندنا .

وأما صلاة النهار فالحجة فيه حديث أبي أيوب السالف ، وقد سلف بيانه . وقال عبد الله : كان عبد الله يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لا يفصل بينهن بتسليم . وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي بالليل ركعتين وبالنهار أربعا ، وما سلف أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية