التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1119 1173 - وحدثتني أختي حفصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر ، وكانت ساعة لا أدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها . تابعه كثير بن فرقد وأيوب ، عن نافع . وقال ابن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع : بعد العشاء في أهله . [انظر : 618 - مسلم : 723 - فتح: 3 \ 50]


ذكر فيه حديث عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدتين قبل الظهر . الحديث .

وقد سلف قريبا في باب : ما جاء في التطوع مثنى مثنى ، تابعه كثير بن فرقد ، وأيوب عن نافع . وقال ابن أبي الزناد : عن موسى بن عقبة ، عن نافع : بعد العشاء في أهله . كذا هو ثابت في عدة نسخ ، وكذا ذكره أبو نعيم في "مستخرجه " ، ويقع في بعضها بعد قوله : فأما المغرب والعشاء ففي بيته . قال ابن أبي الزناد : إلى آخره ، تابعه كثير بن فرقد وأيوب عن نافع .

وحديث أيوب أخرجه الترمذي ، والمراد بسجدتين : ركعتان . عبر [ ص: 175 ] عن الركوع بالسجود ، وهو يبين حديث الكسوف (ركعتين في سجدة ) ، أي : في ركعة . على ما روته عائشة .

وقوله : (ففي بيته ) . أي : في بيت حفصة ، كذا ذكره الداودي ، ولا تعارض بين حديثه هذا وحديثه السالف في باب : الصلاة بعد الجمعة ، وبعد المغرب ركعتين في بيته ، وبعد العشاء ركعتين ، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين . فإن ظاهره أنه مخالف له للعشاء والجمعة ، وقد أسلفنا ما يوضحه هناك .

وقوله : (كانت ساعة لا أدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ) هو من قوله : من قبل صلاة الفجر [النور : 58] ، وقيل : إن هذه الآية للنساء خاصة .

أي : إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت ، والنساء يستأذن في هذه الأوقات خاصة ، حكاه النحاس . ثم تطوعه - صلى الله عليه وسلم - بهذه النوافل قبل الفرائض وبعدها ; لأن أفضل الأوقات أوقات صلوات الفريضة .

وفيها تفتح أبواب السماء للدعاء ، ويقبل العمل الصالح ، فلذلك يحيها - صلى الله عليه وسلم - بالنوافل ، ولكن في حديث ابن عمر التنفل قبل العصر .

[ ص: 176 ] وقد روي عن علي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبلها أربع ركعات يفصل بينهما بسلام . وفي الترمذي : "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا " . استغربه ، وصححه ابن حبان .

وقد اختلف السلف في ذلك ، فكان بعضهم يصلي أربعا ، وبعضهم ركعتين ، وبعضهم لا يرى الصلاة قبلها ، فممن كان يصلي أربعا علي ، وقد رواه كما سلف . وقال إبراهيم : كانوا يحبون أربعا قبل العصر .

وممن كان يصلي ركعتين ، روى سفيان وجرير ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : كانوا يركعون الركعتين قبل العصر ولا يرون أنها من السنة .

وممن كان لا يصلي فيها شيئا ، روى قتادة ، عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يصلي قبل العصر شيئا ، وقتادة عن الحسن مثل ذلك . وروى فضيل ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه رأى إنسانا يصلي قبل العصر ، فقال : إنما العصر أربع . والصواب عندنا -كما قال الطبري - أن الفصل في التنفل قبل العصر بأربع ركعات ; لصحة الخبر بذلك عن علي ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ساقه من حديث عاصم بن ضمرة عن علي قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى أربع ركعات قبل العصر . وأما قول [ ص: 177 ] ابن عمر : (فأما المغرب والعشاء في بيته ) . فقد اختلف في ذلك ، فروى قوم من السلف منهم زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عوف أنهما كانا يركعان الركعتين بعد المغرب في بيوتهم .

وقال العباس بن سهل بن سعد : لقد أدركت زمن عثمان وإنه ليسلم من المغرب فما أرى رجلا واحدا يصليهما في المسجد ، كانوا يبتدرون أبواب المسجد يصلونها في بيوتهم .

وقال ميمون بن مهران : كانوا يحبون الركعتين بعد المغرب ، وكانوا يؤخرونها حتى تشتبك النجوم .

وروي عن طائفة أنهم كانوا يتنفلون النوافل كلها في بيوتهم دون المسجد . روي عن عبيدة أنه كان لا يصلي بعد الفريضة شيئا حتى يأتي أهله .

وقال الأعمش : ما رأيته متطوعا حياته في مسجد إلا مرة صلى بعد الظهر ركعتين ، وكانت طائفة لا تتنفل إلا في المسجد ، روى عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يصلي سبحته مكانه ، وكان أبو مجلز يصلي بين الظهر والعصر في المسجد الأعظم . وروى ابن القاسم عن مالك قال : التنفل في المسجد هو شأن الناس في النهار ، وبالليل في بيوتهم ، وهو قول الثوري ، وحجة ذلك حديث حذيفة : صليت مع [ ص: 178 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء الآخرة ، ثم صلى حتى لم يبق في المسجد أحد .

وعن سفيان بن جبير قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعد المغرب ركعتين ، ويصليهما حين ينصدع أهل المسجد ، وإنما كره الصلاة في المسجد لئلا يرى جاهل عالما يصليها فيه فيراها فريضة ، أو كراهة أن يخلي منزله من الصلاة فيه ، أو حذرا من الرياء ، أو عارض من خطرات الشيطان ، فإذا سلم من ذلك فإن الصلاة فيه حسنة ، وقد بين بعضهم علة كراهة من كرهه : لا يرونكم الناس فيرون أنها سنة .

قال الطبري : والذي يقول : إن حديث حذيفة ، وسفيان بن جبير .

وقوله : "صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة " هي صحاح كلها ، لا يدفع شيء منها شيئا ، وذلك نظير ما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعمل العمل ; ليتأسى به فيه ، ثم يعمل بخلافه في حال آخر ; ليعلم بذلك من فعله أن أمره بذلك على وجه الندب ، وأنه غير واجب العمل به .

التالي السابق


الخدمات العلمية