التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1129 1184 - حدثنا عبد الله بن يزيد قال : حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب قال : سمعت مرثد بن عبد الله اليزني قال : أتيت عقبة بن عامر الجهني فقلت : ألا أعجبك من أبي تميم ، يركع ركعتين قبل صلاة المغرب . فقال عقبة : إنا كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلت : فما يمنعك الآن ؟ قال : الشغل . [فتح: 3 \ 59]


ذكر فيه حديث ابن بريدة :

عن عبد الله المزني ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال : "صلوا قبل صلاة المغرب " . -قال في الثالثة- "لمن شاء " كراهة أن يتخذها الناس سنة .

وحديث مرثد بن عبد الله اليزني :

قال : أتيت عقبة بن عامر الجهني فقلت : ألا أعجبك من أبي تميم ; يركع ركعتين قبل صلاة المغرب . فقال عقبة : إنا كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلت : فما يمنعك الآن ؟ قال : الشغل .

الشرح :

حديث عبد الله ذكره البخاري أيضا في آخر كتاب الاعتصام ، في باب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - على التحريم إلا ما يعرف إباحته ، بهذا اللفظ والسند .

وكذا أخرجه كذلك أبو داود ، وسلف في باب كم بين الأذان والإقامة [ ص: 202 ] من كتاب الأذان بلفظ : "بين كل أذانين صلاة " . أخرجاه .

وابن بريدة اسمه : عبد الله أخو سليمان . وعبد الله الراوي : هو ابن مغفل بالغين المعجمة والفاء . والحسين الراوي عنه هو ابن ذكوان المعلم . قال الإسماعيلي : قال ابن حساب : محمد بن عبيد في حديثه عن عبد الله ، كنيته ونسبه لا أدري : ابن معقل ، أو ابن مغفل ، فذكره .

قال البيهقي : ورواه حيان بن عبيد الله ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، وأخطأ في إسناده ، وأتى بزيادة لم يتابع عليها ، وهي أن بين كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب .

قال ابن خزيمة : هو خطأ ، إنما الخبر عن ابن بريدة ، عن ابن مغفل ، لا عن أبيه .

قلت : وحيان هذا وثقه ابن حبان وغيره ، وإن جهل .

والحديث الثاني أخرجه النسائي . وأبو تميم عبد الله بن مالك الجيشاني المصري . مات سنة سبع وسبعين . يقال : أسلم في حياة رسول الله . إذا تقرر ذلك :

فاختلف السلف في التنفل قبل المغرب ، فأجازه طائفة من الصحابة [ ص: 203 ] والتابعين والفقهاء ، وممن فعله أبي بن كعب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص .

وقال حميد عن أنس : رأيتهم إذا أذن المؤذن يبتدرون السواري فيصلون .

وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : أدركت أصحاب محمد يصلون عند كل تأذين .

وكان الحسن ، وابن سيرين يركعان قبل المغرب ، وهو قول أحمد وإسحاق . والحجة لهم من حديث المزني : "لمن شاء " وممن كان لا يصليها ، قال إبراهيم النخعي : لم يصلها أبو بكر ولا عمر ولا عثمان . وقال إبراهيم : هما بدعة ، قال : وكان خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكوفة علي وابن مسعود وحذيفة وعمار ، فأخبرني من رمقهم كلهم فما رأى أحدا منهم يصلي قبل المغرب . وهو قول مالك ، وأبي حنيفة والشافعي .

قال المهلب : والحجة لهم أن هذا كان في أول الإسلام ليدل على أن وقت الفجر في وقت النافلة ، في هذا الوقت قد انقطع بمغيب الشمس ، وحلت النافلة والفريضة ، ثم التزم الناس مبادرة الفريضة ; لئلا يتباطأ الناس بالصلاة عن الوقت الفاضل . ويختلف أمر الناس في [ ص: 204 ] المبادرة بالصلاة ، إذ المغرب لا يشكل على العامة والخاصة ، وغيرها من الصلوات يشكل أوائل أوقاتها ، وفيها مهلة حتى يستحكم الوقت ; فلذلك أبيح الركوع قبل غيرها من الصلوات .

وقال ابن قدامة : ظاهر كلام أحمد أنهما جائزان ، وليسا بسنة . قال الأثرم : سألت أحمد عنهما ، قال : ما فعلته قط إلا مرة حين سمعت الحديث . وقال : فيهما أحاديث جياد -أو قال : صحاح- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه ، والتابعين ، إلا أنه قال : "لمن شاء " فمن شاء صلى . وقال : هذا ينكره الناس ، وضحك كالمتعجب ، وكل هذا عندهم عظيم .

وقال ابن العربي : لم يفعلها أحد بعد الصحابة . واختلف أصحابنا فيه على وجهين : أشهرهما لا يستحب . والصحيح عند المحققين استحبابها ; للأحاديث الصحيحة في ذلك ، منها حديثا الباب ، وحديث أنس قال : كان المؤذن إذا أذن قام الناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتدرون السواري حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهم كذلك يصلون ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد ، فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما . أخرجاه ، وقد سلف في (كتاب )

[ ص: 205 ] الأذان . ولأبي داود من حديث أنس قال : صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال المختار : قلت لأنس : أرآكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم رآنا . فلم يأمرنا ، ولم ينهنا .

وللبيهقي عن سعيد بن المسيب قال : كان المهاجرون لا يركعون ركعتين قبل المغرب ، وكانت الأنصار يركعونهما ، وكان أنس يركعهما . قال البيهقي : كذا قال سعيد بن المسيب .

وقد روينا عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال : كنا نركعهما ، وكان من المهاجرين -وكأنه أراد غيره أو الأكثر منهم- ثم ساق بسنده إلى زر قال : كان ابن عوف ، وأبي بن كعب يصليان قبل المغرب ركعتين ، وبسنده إلى مكحول عن أبي أمامة قال : كنا لا ندعهما في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعن حبيب بن مسلم قال : رأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهبون إليها كما يهبون إلى المكتوبة . يعني : إلى الركعتين قبل المغرب . وحجة المانع حديث أبي داود ، عن طاوس قال : سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب ، فقال : ما رأيت أحدا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما ، ورخص في الركعتين بعد العصر .

ولما ذكر الداودي حديث الباب قال : يدل على قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تتحروا [ ص: 206 ] بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها " وقول ابن عمر : لا أنهى أحدا أن يصلي أية ساعة شاء من ليل أو نهار ، هذا عند طلوع الشمس وعند غروبها .

وقوله : "بين كل أذانين صلاة " ، وفي الحديث الآخر : كان إذا أذن (بالمغرب ) ابتدروا السواري ، فيخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم على ذلك .

فائدة :

يدخل في الحديث السالف : "بين كل أذانين صلاة " قبل العشاء .

وبه صرح المحاملي في "لبابه " ، فقال : ويصلي بعد العشاء الآخرة ركعتين ، وقبلها ركعتين . ولم أر من صرح به من متقدمي أصحابنا سواه . وقد رواه الشافعي في البويطي عن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية