التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1130 1186 - فزعم محمود أنه سمع عتبان بن مالك الأنصاري - رضي الله عنه -وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كنت أصلي لقومي ببني سالم ، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار ، فيشق علي اجتيازه قبل مسجدهم ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : إني أنكرت بصري ، وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار ، فيشق علي اجتيازه ، فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكانا أتخذه مصلى . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سأفعل " . فغدا علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - بعد ما اشتد النهار فاستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأذنت له ، فلم يجلس حتى قال : "أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ " . فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن أصلي فيه ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبر وصففنا وراءه ، فصلى ركعتين ، ثم سلم وسلمنا حين سلم ، فحبسته على خزير يصنع له ، فسمع أهل الدار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي ، فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت . فقال رجل منهم : ما فعل مالك ؟ لا أراه . فقال رجل منهم : ذاك منافق ، لا يحب الله ورسوله . فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقل ذاك ، ألا تراه قال لا إله إلا الله . يبتغي بذلك وجه الله ؟ " . فقال : الله ورسوله أعلم . أما نحن فوالله لا نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فإن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله . يبتغي بذلك وجه الله " . قال محمود : فحدثتها قوما فيهم أبو أيوب ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوته التي توفي فيها ، ويزيد بن معاوية عليهم بأرض الروم ، فأنكرها علي أبو أيوب قال : والله ما أظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ما قلت قط . فكبر ذلك علي ، فجعلت لله علي إن سلمني حتى أقفل من غزوتي ، أن [ ص: 208 ] أسأل عنها عتبان بن مالك - رضي الله عنه - إن وجدته حيا في مسجد قومه ، فقفلت فأهللت بحجة -أو بعمرة- ، ثم سرت حتى قدمت المدينة فأتيت بني سالم ، فإذا عتبان شيخ أعمى يصلي لقومه ، فلما سلم من الصلاة سلمت عليه وأخبرته من أنا ، ثم سألته عن ذلك الحديث ، فحدثنيه كما حدثنيه أول مرة . [انظر : 424 - مسلم : 263 - فتح: 3 \ 60]


حديث أنس سلف مسندا في باب الصلاة على الحصير . وحديث عائشة سلف في الكسوف .

ثم ذكر فيه حديث محمود بن الربيع : أنه عقل مجة مجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه . . إلى آخره .

وفيه : فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا ، وقد سلف في كتاب العلم ، وباب : المساجد في البيوت . وهو كما ترجم له من جواز الجماعة في النافلة . قال ابن حبيب : لا بأس أن يؤم النفر في النافلة في صلاة الضحى وغيرها كالرجلين والثلاثة ، وأما أن يكون مشتهرا جدا ، ويجتمع له الناس فلا . قاله مالك . واستثنى ابن حبيب قيام رمضان ; لما في ذلك من سنة أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم - .

ولنذكر هنا من فوائده فوق الخمسين فائدة ، فقد طال العهد به :

إحداها : أن من عقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعقل منه فعلا يعد صحابيا .

ثانيها : ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الرحمة لأولاد المؤمنين ، وفعل ذلك ليعقل عنه الغلمان ، وتعدلهم به الصحبة لينالوا فضلها ، وناهيك بها .

[ ص: 209 ] ثالثها : استئلافه لآبائهم بمزحه مع بنيهم .

رابعها : مزحه ليكرم به من يمازحه .

خامسها : استراحته في بعض الأوقات ; ليستعين على العبادة في وقتها .

سادسها : إعطاء النفس حقها ، ولا يشق عليها في كل الأوقات .

سابعها : اتخاذ الدلو .

ثامنها : أخذ الماء بالفم منه .

تاسعها : إلقاء الماء في وجه الطفل .

عاشرها : صلاة القبائل الذين حول المدينة في مساجدهم المكتوبة وغيرها .

الحادية عشرة : إمامة الضعيف البصر .

والتخلف عن المسجد في الطين والظلمة . وصلاة المرء المكتوبة وغيرها في بيته . وسؤال الكبير إتيانه إلى بيته ليتخذ مكان صلاته مصلى . وذكر المرء ما فيه من العلل متعذرا ، ولا تكون شكوى فيه .

وأجاب الشارع من سأله . وسير الأتباع مع التابع . وصحبة أفضل الصحابة إياه . وتسميته لأبي بكر وحده لفضله . وأن صاحب البيت أعلم بأماكن بيته فهو أدرى به .

الحادية بعد العشرين : التبرك بآثار الصالحين ، وطلب العين تقديما على الاجتهاد ، فإن كل موضع صلى فيه الشارع فهو عين لا يجتهد فيه ، وطلب الصلاة في موضع معين لتقوم صلاته فيه مقام الجماعة ببركة من صلى فيه ، وترك التطلع في نواحي البيت ، وصلاة النافلة جماعة في البيوت ، وفضل موضع صلاته - صلى الله عليه وسلم - ، وأن نوافل النهار تصلى ركعتين [ ص: 210 ] كالليل ، وأن المكان المتخذ مسجدا ملكه باق عليه ، وأن النهي أن يوطن الرجل مكانا للصلاة إنما هو في المساجد دون البيوت ، وصلاة الضحى .

الحادية بعد الثلاثين : صنع الطعام الكثير عند إتيانه لهم ، وإن لم يعلم بذلك ، وعدم التكلف فيما يصنع ، فكان لا يعيب طعاما ، وهو أدوم على فعل الخيرات .

والخزير بالخاء والزاي المعجمتين : طعام يتخذ من دقيق ولحم كما ذكر الخطابي . قال الجوهري : يقطع اللحم صغارا على ما في القدر ، فإذا نضج ذر عليه الدقيق ، وإن لم يكن لحما فهو عصيدة .

وقال ابن فارس : هي دقيق ملبك بشحم أي : يخلط بشحم ، كانت العرب تعير به .

وقال أبو الهيثم : إذا كان من دقيق فهي خزيرة ، وإن كان نخالة فهي حريرة . والاكتفاء بالإشارة . ويجوز أن يكون تلفظ به معها ، وأنه يعبر بالدار عن المحلة التي فيها الدور ، ومثله في الحديث : "خير دور الأنصار بنو النجار . . . " ثم عدد جماعة ، وفي آخره : "وفي كل دور الأنصار خير " . وكذا حديث : أمر ببناء المساجد في الدور ، وتنظيفها . أراد المحال . وكذا قوله تعالى : سأريكم دار الفاسقين

[ ص: 211 ] [الأعراف : 145] واجتماع القبيل إلى الموضع الذي يأتيه الكبير ليؤدوا حقه ، ويأخذوا حظهم منه ، وعيب من حضر على من تخلف ونسبته إلى أمر يتهم به ، وهو مالك بن الدخشم ، شهد بدرا واختلف في شهوده العقبة ، وظهر من حسن إسلامه ما ينفي عنه تهمة النفاق ، وكراهية من يميل إلى المنافقين في حديثه ومجالسته ، وأن من رمى مسلما بالنفاق لمجالسته لهم لا يعاقب ولا يقال له : أثمت . وأن الشارع كان يأتيه الوحي ولا شك فيه .

الحادية بعد الأربعين : أنه لا يحب الله ورسوله منافق ، وأن الكبير إذا علم بصحة اعتقاد من نسب إلى غيره يقول له : لا تقل ذلك . وأن من عيب بما يظهر منه لم يكن عيبة ، وأن من تلفظ بالشهادتين واعتقد حقيقة ما جاء به مات على ذلك فاز ودخل الجنة ، وأصابه بذنوبه سفع منها ، وإخبار من سمع الحديث من صاحب صاحبا مثله وغيره ليثبت ما سمع ويشهد ما عند الذي يخبره من ذلك ، وإنكار من روى حديثا من غير أن يقطع بنفيه ، وقيل : إن الإنكار ; لأن ظاهره تحريم دخول النار على من قال : لا إله إلا الله . كقول بعض أهل الأهواء .

وقيل : معنى التحريم هنا : تحريم الخلود في النار ، وغزو أرض الروم ، وكان أبو أيوب تخلف عن الخروج مع يزيد قبل ذلك العام ،

[ ص: 212 ] ثم ندم وقال : ما علي لو خرجت أقاتل على نفسي من الآخرة ، ولكل أحد ما يحتسب . والمراجعة ; فإن محمود بن الربيع الأنصاري أوجب على نفسه إن سلم أن يأتي عتبان فيسأله ، وكان محمود مقيما بالشام ، وذكر العمرة ليصف ما جرى وليتأسى به أن يجمع في طريقه العمرة والسفر إلى أبي أيوب والرحلة في العلم . وأن ذكر ما في الإنسان على وجه التعريف ليس عيبة لذكره عمى عتبان .

الحادية بعد الخمسين : إمامة الأعمى وجلب الحديث لصلاته بهم جماعة في النافلة ، والإسرار بالنوافل ، وفيه غير ذلك بما سلف ، فلا بد لك من مراجعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية