التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1140 [ ص: 255 ] 21

كتاب العمل في الصلاة [ ص: 256 ] [ ص: 257 ] [بسم الله الرحمن الرحيم

21 - كتاب العمل في الصلاة]

1 - باب: استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة

وقال ابن عباس : يستعين الرجل في صلاته من جسده بما شاء . ووضع أبو إسحاق قلنسوته في الصلاة ورفعها . ووضع علي كفه على رصغه الأيسر ، إلا أن يحك جلدا أو يصلح ثوبا .

1198 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب - مولى ابن عباس - أنه أخبره ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها -وهي : خالته - قال : فاضطجعت على عرض الوسادة ، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها ، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل ، أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل ، ثم استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس ، فمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم قرأ العشر آيات خواتيم سورة آل عمران ، ثم قام إلى [ ص: 258 ] شن معلقة فتوضأ منها ، فأحسن وضوءه ، ثم قام يصلي . قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقمت فصنعت مثل ما صنع ، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه ، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي ، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها بيده ، فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم أوتر ، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن ، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم خرج فصلى الصبح . [انظر : 117 - مسلم : 763 - فتح: 3 \ 71]


ثم ذكر حديث ابن عباس ومبيته عند ميمونة بطوله .

الشرح :

قوله في أثر أبي إسحاق : (ورفعها ) كذا في الأصول ، وفي بعضها : أو رفعها . بالألف ، وحكاه صاحب "المطالع " خلافا في الرواية وقال : حذفها هو الصواب .

وقوله : (على رصغه ) . قال ابن التين : وقع في البخاري بالصاد ، وهو لغة في الرسغ بالسين ، قاله الخليل ، قال : وقال غيره : صوابه بالسين وهو مفصل الكف في الذراع ، والقدم في الساق .

وقوله : (إلا أن يحك . . ) إلى آخره هو من قول البخاري .

وحديث ابن عباس في مبيته سلف من أول البخاري إلى هنا في اثني عشر موضعا ، ويستثنى من الاستعانة في الصلاة الاختصار ، فإنه مكروه ، وهو وضع اليد على الخاصرة ، والنهي إما لأنه فعل الجبابرة ، أو اليهود في صلاتهم كما سيأتي .

ووضع الكف على الرسغ كرهه مالك في الفريضة ، وأجازه في [ ص: 259 ] النافلة لطول القيام ، وقد سلف ، وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - أغلق بابا بين يديه وهو في الصلاة .

ورأى ابن عمر ريشة في الليل فظنها عقربا فضربها برجله ، وقد كره ذلك مالك ، إلا أن يؤذيه في رواية ابن القاسم ، وفي رواية عنه : لا بأس به ، وفيها الفعل .

وكان - صلى الله عليه وسلم - يغمز عائشة بيده إذ سجد فتقبض رجليها .

وهذا كله دليل على أن الفعل اليسير الذي لا يقع معه كبير شغل لا يؤثر في إبطال الصلاة ، ويكره لغير عذر ، ثم العمل في الصلاة القليل عندنا مغتفر دون الكثير ، وقسمه المالكية ثلاثة أقسام : يسير جدا ، كالغمز وحك الجسد والإشارة فمغتفر عمده وسهوه ، وكذا التخطي إلى الفرجة القريبة ، وأكثر من هذا يبطل عمده دون سهوه كالانصراف من الصلاة والمشي الكثير ، والخروج من المسجد يبطل عمده وسهوه .

[ ص: 260 ] واختلف في الأكل والشرب في السهو ، قال ابن القاسم : يبطل كالعمد . وقال ابن حبيب : لا ، إلا أن يطول جدا كسائر الأفعال . وهذا الباب هو من باب العمل اليسير في الصلاة ، وهو معفو عنه عندالعلماء .

والاستعانة باليد في الصلاة في هذا الحديث : هو وضع الشارع يده على رأس ابن عباس ، وفتله أذنه .

واستنبط البخاري منه : أنه لما جاز للمصلي أن يستعين بيده في صلاته فيما يخص به غيره على الصلاة ويعينه عليها وينشط لها كان استعانته في أمر نفسه ; ليقوى بذلك على صلاته وينشط لها إذا احتاج إلى ذلك أولى .

وقد اختلف السلف في الاعتماد في الصلاة والتوكؤ على الشيء ، فذكر البخاري عن ابن عباس وعلي ما سلف ، وقالت طائفة : لا بأس أن يستعين في صلاته بما شاء من جسده وغيره .

ذكره ابن أبي شيبة . قال : كان أبو سعيد الخدري يتوكأ على عصاه .

وعن أبي ذر مثله ، وعن عطاء : كان أصحاب محمد يتوكئون على العصا في الصلاة . وأوتد عمرو بن ميمون وتدا إلى حائط ، فكان إذا سئم القيام في الصلاة أو شق عليه أمسك بالوتد يعتمد عليه .

وقال الشعبي : لا بأس أن يعتمد على الحائط . وكرهت ذلك طائفة ، فروى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كره أن يعتمد على الحائط في المكتوبة إلا من علة ، ولم ير به بأسا في النافلة . ونحوه قال مالك [ ص: 261 ] في "المدونة " . وكرهه ابن سيرين في الفريضة والتطوع .

وقال مجاهد : إذا توكأ على الحائط ينقص من صلاته بقدر ذلك .

وقد سلف في باب : ما يكره من التشديد في العبادة . زيادة في هذا المعنى .

وقول البخاري : (إلا أن يحك جلدا أو يصلح ثوبا ) يريد : فإنه لا حرج عليه فيه ; لأنه أمر عام لا يمكن الاحتراز منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية