التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1154 1212 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ، عن عروة قال : قالت عائشة : خسفت الشمس ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ سورة طويلة ، ثم ركع فأطال ، ثم رفع رأسه ، ثم استفتح بسورة أخرى ، ثم ركع حتى قضاها وسجد ، ثم فعل ذلك في الثانية ، ثم قال : " إنهما آيتان من آيات الله ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى يفرج عنكم ، لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته ، حتى لقد رأيت أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم ، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت ، ورأيت فيها عمرو بن لحي وهو الذي سيب السوائب " . [انظر : 1044 - مسلم : 901 - فتح: 3 \ 81]


وذكر فيه عن الأزرق بن قيس قال : كنا بالأهواز نقاتل الحرورية ، فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي ، وإذا لجام دابته بيده ، فجعلت الدابة تنازعه ، وجعل يتبعها . قال شعبة : هو أبو برزة الأسلمي . . الحديث .

[ ص: 301 ] وعن عروة قال : قالت عائشة : خسفت الشمس ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ سورة طويلة . . الحديث . وفيه : "حين رأيتموني جعلت أتقدم " .

الشرح :

قصة الأزرق ستأتي في الأدب ، وهو من أفراده ، وفي بعض روايات الإسماعيلي : كنا نقاتل الأزارقة بالأهواز مع المهلب بن أبي صفرة ، وفيه : فمضت الدابة وانطلق أبو برزة حتى أخذها ثم رجع القهقرى ، فقال رجل كان يرى رأي الخوارج . وفيه : فقلت للرجل : ما أرى الله إلا مخزيك ، تسب رجلا من الصحابة! وفيه : قال : قلت : كم صلى ؟ قال : ركعتين . وهو عند البرقاني . وفي رواية حماد بن زيد عنده : فجاء أبو برزة الأسلمي فدخل في صلاة العصر .

وحديث عائشة سلف في الخسوف .

و (الأهواز ) قال صاحب "العين " : هي سبع كور بين البصرة وفارس ، لكل كورة منها اسم ، وتجمعها الأهواز ، ولا تفرد واحدة منها بهوز .

كذا قاله صاحب "المحكم " .

وقال غيره : بلاد واسعة متصلة بالجبل وأصبهان . وقال البكري : بلد يجمع سبع كور : كورة الأهواز ، وجندي سابور ، والسوس ، وسرق ، ونهر بين ، ونهر تبرا . وقال ابن السمعاني : يقال لها الآن : سوق الأهواز .

[ ص: 302 ] وفي "الكامل " لأبي العباس المبرد أن الخوارج تجمعت بالأهواز مع نافع بن الأزرق سنة أربع وستين ، فلما قتل نافع وابن عبيس رئيس المسلمين من جهة ابن الزبير ثم خرج إليهم حارثة بن بدر ، ثم أرسل إليهم ابن الزبير عثمان بن عبيد الله ، ثم تولى القباع فبعث إليهم المهلب ، وكل من هؤلاء الأمراء يمكنون معهم في القتال جبنا ، فلعل ذلك انتهى إلى سنة خمس . لكن أبو برزة مات سنة ستين ، وأكثر ما قيل : سنة أربع .

والحرورية -بفتح الحاء المهملة وضم الراء- نسبة إلى حروراء موضع .

وذكر أبو برزة العلة في فعله وهي الكلفة التي تلحقه في طلبها .

ولا خلاف بين الفقهاء في أن من انفلتت دابته وهو في الصلاة فإنه يقطع الصلاة ويتبعها .

واختلف قول مالك في الشاة إذا أكلت العجين أو قطعت الثوب وهو يصلي ، فقال مرة : لا يقطع الفرض . وقال ابن القاسم وغيره : يقطعه .

وكذا قال ابن القاسم في المسافر تنفلت دابته ويخاف عليها ، أو على صبي ، أو أعمى يخاف أن يقع في بئر أو نار ، أو ذكر متاعا يخاف أن يتلف ، فذلك عذر يبيح له أن يستخلف ، ولا يفسد على من خلفه شيئا . وقال مالك في "المختصر " : من خشي على دابته الهلاك أو على صبي رآه في الموت ، فليقطع صلاته .

[ ص: 303 ] قال ابن التين : والصواب أنه إذا كان شيء له قدر يخشى فواته يقطع ، وإن كان يسيرا فتماديه على صلاته أولى من صيانة قدر يسير من ماله . هذا حكم الفذ والمأموم ، فأما الإمام ففي كتاب ابن سحنون : إذا صلى ركعة ثم انفلتت دابته وخاف عليها أو خاف على صبي أو أعمى أن يقعا في بئر ، أو ذكر متاعا يخاف تلفه ، فذلك عذر يبيح له أن يستخلف ، ولا يفسد على من خلفه شيئا .

وعلى قول أشهب إن لم يبعد واحد عنهم بنى قياسا على قوله : إذا خرج لغسل دم رآه في ثوبه أحب إلي أن يستأنف . وإن بنى أجزأه .

وقول أبي برزة للذي أنكر عليه قطع الصلاة واتباع دابته : (شهدت تيسير النبي - صلى الله عليه وسلم - ) . يعني : تيسيره على أمته في الصلاة وغيرها ، ولا يبعد أن يفعل هذا أبو برزة من رأيه دون أن يشاهده من الشارع .

وصحف الداودي (تيسيره ) بـ (تستر ) فقال : فتح تستر كان في زمن عمر . وهو تصحيف عجيب ، فالحديث يدل على خلافه .

وقوله : (وإني غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست غزوات أو سبعا أو ثمانيا ) . هو شك من المحدث أو من أبي برزة . وفيه أنه إذا هضم (من ) امرئ ذكر فعله وفضائله .

وقوله : (وإني إن كنت أن أراجع مع دابتي ، أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي . ) . أخبر أن قطعه للصلاة واتباعه لدابته أفضل من تركها ، وإن رجعت إلى مكان علفها وموضعها في داره ، وهو المراد بمألفها . أي : الموضع الذي ألفته واعتادته ، فكيف إن خشي عليها أنها لا ترجع إلى داره فهذا أشد لقطعه للصلاة واتباعه لها ، ففي هذا حجة [ ص: 304 ] للفقهاء في أن كل ما خشي تلفه من متاع أو مال أو غير ذلك من جميع ما بالناس إليه حاجة أنه يجوز قطع الصلاة وطلبه ، وذلك في معنى قطع الصلاة لهرب الدابة .

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة : "لقد رأيت أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم " فهذا المشي عمل في الصلاة . وكذلك قوله بعده : "حين رأيتموني تأخرت " عمل أيضا إلا أنه ليس فيه قطع للصلاة ولا استدبار للقبلة ، ولا مشي كثير مثل من يمشي (ممن ) انفلتت دابته وبعدت عنه ، فدل أن المشي إلى دابته خطى يسيرة نحو تقدمه - صلى الله عليه وسلم - إلى القطف ، وكانت دابته قريبا منه في قبلته أنه لا يقطع صلاته .

وقد سئل الحسن البصري عن رجل صلى فأشفق أن تذهب دابته .

قال : ينصرف . قيل له : أيتم على ما مضى ؟ قال : إذا ولى ظهره القبلة استأنف الصلاة .

وسئل قتادة عن رجل دخلت الشاة بيته وهو يصلي فطأطأ رأسه ليأخذ القصبة يضربها . قال : لا بأس بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية