التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1156 1214 - حدثنا محمد حدثنا غندر ، حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كان في الصلاة فإنه يناجي ربه ، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ، ولكن عن شماله تحت قدمه اليسرى " . [انظر : 241 - مسلم : 413 ، 551 - فتح: 3 \ 54]


ثم أسند فيه حديث ابن عمر أنه - عليه السلام - رأى نخامة في قبلة المسجد . . الحديث .

وحديث أنس : "إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه ، فلا يبزقن بين يديه . . " الحديث .

أما حديث عبد الله بن عمرو المعلق فأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في "شمائله " . وإنما قال : ويذكر . لأنه من رواية عطاء بن السائب ، ولم يخرج له إلا حديثا واحدا مقرونا ، واختلط بآخره [ ص: 306 ] فيحتج بمن سمع منه قبله .

وحديث ابن عمر وأنس سلفا في المساجد .

وشيخ البخاري في حديث أنس : محمد ، وهو بندار . واعترض أبو عبد الملك بأن البخاري ذكر النفخ ولم يذكر له حديثا ، وهو عجيب ، فقد ذكره معلقا .

إذا عرفت ذلك ، فاختلف العلماء في النفخ في الصلاة متعمدا ، فكرهه طائفة ولم توجب على من نفخ إعادة ، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس والنخعي ، ورواية عن مالك ، وهو قول أبي يوسف وأشهب وأحمد وإسحاق ، وقالت طائفة : هو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة . وروي عن سعيد بن جبير ، وهو قول مالك في "المدونة " : وكذا من تنحنح ، وعندنا البطلان إن بان حرفان .

احتج للأول بأنه - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أنه سها أو تنفس صعداء ، وبدر ذلك منه من الخوف من الكسوف ، وأنها أيضا ليست حروف هجاء ، واحتج مالك للثاني بقوله : فلا تقل لهما أف [الإسراء : 23]

[ ص: 307 ] وفي المسألة قول ثالث : أنه إن كان يسمع كالكلام فيقطع الصلاة ، وهو قول أبي حنيفة والثوري ومحمد ، ورجح ابن بطال الأول فقال : إنه أولى لما ذكره البخاري .

وذكر ابن أبي شيبة عن أبي صالح أن قريبا لأم سلمة صلى فنفخ ، فقالت أم سلمة : لا تفعل ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لغلام لنا أسود : "يا رباح ، ترب وجهك " وقال ابن بريدة : كان يقال : من الجفاء أن ينفخ الرجل في صلاته .

فدل هذا أن من كرهه إنما جعله من الجفاء وسوء الأدب ، لا أنه بمنزلة الكلام عنده ، ألا ترى أن أم سلمة لم تأمر قريبها حين نفخ في الصلاة بإعادتها ؟ ولو كان بمنزلة الكلام عندها ما تركت بيان ذلك ، ولا فعله الشارع ، ويدل على صحة هذا اتفاقهم على جواز التنخم والبصاق في الصلاة ، وليس في النفخ من النطق بالفاء والهمزة أكثر مما في البصاق من النطق بالفاء والتاء اللتين يفهمان من رمي البصاق ، ولما اتفقوا على جواز البصاق في الصلاة جاز النفخ فيها ، إذ لا فرق في أن كل واحد منهما بحروف .

ولذلك ذكر البخاري حديث البصاق في هذا الباب ; ليستدل به على جواز النفخ ; لأنه لم يسند حديث عبد الله بن عمرو ، واعتمد على الاستدلال من حديث النخامة والبصاق وهو استدلال حسن .

وأما البصاق اليسير فإنه يحتمل في الصلاة ، إذا كان على اليسار أو تحت القدم كما في الحديث ، غير أنه ينبغي إرساله بغير نطق بحرف مثل [ ص: 308 ] التاء والفاء اللتين يفهمان من رمي البصاق ; لأن ذلك من النطق ، وهو خلاف الخشوع فيها .

وورد : "من نفخ في صلاته فقد تكلم " .

وفي "المصنف " عن ابن جبير : ما أبالي نفخت في الصلاة أو تكلمت ، النفخ في الصلاة كلام .

وكان إبراهيم يكرهه ، وكذا ابن أبي الهذيل ، ومكحول وعطاء وأبو عبد الرحمن والشعبي وأم سلمة ويحيى بن أبي كثير .

وعن ابن عباس : النفخ في الصلاة يقطع الصلاة .

وقوله : ( "إن الله قبل أحدكم ، فإذا كان في صلاته فلا يبزقن " ) خص النهي إذ ذاك لشرف الصلاة والاستقبال .

والمراد بقول : ( "قبل أحدكم " ) ثوابه وإحسانه من قبل وجهه ، فيجب تنزيه تلك الجهة عن البصاق أو ما أمره بتنزيهه وتعظيمه قبل وجهه ، وأن في تعظيم تلك الجهة تعظيم الرب جل جلاله . وقيل : معناه أن مقصوده بينه وبينها فيصان ، وهذا كله في البصاق الظاهر .

[ ص: 309 ] و (النخامة ) : النخاعة ، قاله ابن فارس . قال الداودي : وهي الشيء الخاثر ينزل من الرأس أو يخرج من الصدر فيخالط البصاق . و (حتها ) : أزالها ; لأنه كريه المنظر .

وقول سلمان وإبراهيم النخعي أن البصاق نجس . خلاف الإجماع ولا يكتفي بدفن الدم في المسجد ، قال مالك : من دمى فوه فيه فلينصرف حتى يزول عنه . قال : ولا بأس أن يبصق أمامه أو عن يساره أو عن يمينه ، والأفضل عن اليسار .

قال أبو عبد الملك : ولعل هذا الحديث لم يبلغ مالكا . ومعنى قوله : ( "تحت قدمه اليسرى " ) أي : مع دفنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية