التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
99 [ ص: 486 ] 33 - باب: الحرص على الحديث

99 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قلبه -أو- نفسه". [6570 - فتح: 1 \ 193]


حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قلبه -أو- نفسه".

الكلام عليه من أوجه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه هنا عن عبد العزيز، عن سليمان بن بلال .

وأخرجه في صفة الجنة عن قتيبة، عن إسماعيل بن جعفر كلاهما عن عمرو به، وفيه: قلت: (يا رسول الله). والحديث من أفراد البخاري لم يخرجه مسلم .

ثانيها: في التعريف برواته:

وقد سلف التعريف بهم خلا شيخ البخاري، وعمرو بن أبي عمرو .

[ ص: 487 ] أما عمرو (ع): فهو أبو عثمان عمرو بن أبي عمرو ميسرة، وميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي القرشي المدني .

عن أنس بن مالك وغيره. وعنه: مالك، والدراوردي .

قال أبو زرعة : ثقة. وقال أبو حاتم : لا بأس به. وأما يحيى بن معين فقال: ضعيف ليس بالقوي وليس بحجة. وقال ابن عدي : لا بأس به; لأن مالكا روى عنه، ولا يروي إلا عن صدوق ثقة. مات في أول خلافة المنصور وكانت أول سنة ست وثلاثين ومائة وزياد بن (عبيد) الله على المدينة .

وأما شيخ البخاري فهو أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس بن (سعد) بن أبي سرح بن حذيفة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن فهر أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المديني الثقة .

روى عنه البخاري بغير واسطة، وأبو داود والترمذي عن رجل عنه، وروى البخاري في الإصلاح عن محمد بن عبد الله مقرونا بالفروي عنه، عن محمد بن جعفر . قال أبو حاتم : مديني صدوق. وعنه قال: هو أحب إلي من يحيى بن بكير .

[ ص: 488 ] ثالثها:

قوله: (قيل: يا رسول الله): كذا وقع في رواية أبي ذر، والصواب حذف قيل كما جاء عند الأصيلي والقابسي ; لأن السائل هو أبو هريرة نفسه، وقد أسلفنا أن البخاري رواه مرة بلفظ: (قلت: يا رسول الله).

رابعها:

قوله: "أول منك" يجوز في أول الرفع على الصفة والنصب على الظرف، والرواية بالرفع. وذكر بعضهم أنه روي بالنصب أيضا، أي: قبلك.

قال سيبويه : معنى أول منك: أقدم منك. وقال السيرافي : يقال:

هذا أول منك، ورأيت أول منك، ومررت بأول منك، فإذا حذفوا منك قالوا: هو الأول، ولا يقولوا: الأول منك; لأن الألف واللام تعاقب منك.

وقال أبو علي الفارسي : أول تستعمل اسما وصفة، فإن استعملت صفة كانت بالألف واللام أو بالإضافة أو بـ (من) ظاهرة أو مقدرة، فإن كانت بـ (من) جرت في الأحوال كلها على لفظ واحد تقول: هذا أول من زيد. والزيدان أول من العمرين، ولا ينصرف لوزن الفعل والصفة.

قال: وإن شئت نصبت أول على الظرف، وإن كان معناه الصفة تقول: رأيت زيدا أول، تريد أول من عامنا، فأول بمنزلة قبل، كأنك قلت: رأيت زيدا عاما قبل عامنا، فحكم له بالظرف، حتى قالوا: ابدأ بهذا أوله، وبنوه على الضم. كما قالوا: ابدأ به قبل. فصار كأنه [ ص: 489 ] قطع عن الإضافة، ومن النصب على الظرف قوله تعالى: والركب أسفل منكم [الأنفال: 42] كما تقول: الركب أمامك، وأصله الصفة، وصار أسفل ظرفا، والتقدير: والركب في مكان أسفل من مكانكم، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، فصار أسفل منكم بمنزلة تحتكم، ومن لم يجعل أولا صفة صرفه، يقول: ما ترك لنا أولا ولا آخرا.

وأما أصله، فقال الجوهري : أوأل بهمزة متوسطة فقلبت الهمزة واوا وأدغمت، يدل عليه قولهم: هذا أول منك، والجمع الأوائل، والأوائل: على القلب، وهذا مذهب البصريين، وقال الكوفيون: وزنه فوعل أصله ووأل فنقلوا الهمزة إلى موضع الفاء، ثم أدغموا الواو في الواو، وهو من وأل إذا نجا، كأن في الأول النجاة.

خامسها: في فوائده:

الأولى: الحرص على العلم والخير، فإن الحريص يبلغ بحرصه إلى البحث عن الغوامض، ودقيق المعاني; لأن الظواهر يستوي الناس في السؤال عنها; لاعتراضها أفكارهم، وما لطف من المعاني لا يسأل عنها إلا الراسخ، فيكون ذلك سببا للفائدة، ويترتب عليه أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

الثانية: تفرس العالم في متعلمه وتنبيهه على ذلك ; ليكون أبعث على اجتهاده.

الثالثة: سكوت العالم عن العلم إذا لم يسأل حتى يسأل، ولا يكون ذلك كتما; لأن على الطالب السؤال، اللهم إلا إذا تعين عليه فليس له السكوت.

[ ص: 490 ] الرابعة: أن الشفاعة إنما تكون في أهل التوحيد، وهو موافق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لكل نبي دعوة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة - إن شاء الله تعالى- من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا".

الخامسة: ثبوت الشفاعة، والأحاديث جارية مجرى القطع في ذلك، وهو مذهب أهل السنة، وأنها جائزة عقلا وواجبة بصريح الآيات والأخبار التي بلغ مجموعها التواتر لمذنبي المؤمنين، وهو إجماع السلف ومن بعدهم منهم.

ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتأولت الأحاديث على زيادات الدرجات والثواب، واجتمعوا بقوله تعالى: فما تنفعهم شفاعة الشافعين [المدثر: 48] وقوله: ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع [غافر: 18]. وهذا إنما جاء في الكفار، والأحاديث مصرحة بها في (الموحدين) المؤمنين.

ثم هي أقسام:

أحدها: الإراحة من هول الموقف.

الثانية: في إدخال قوم الجنة بغير حساب.

الثالثة: عدم دخول النار لمن استوجبها بذنبه.

الرابعة: في إخراجهم منها، ويشفع في هذه المؤمنون أيضا.

الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها.

السادسة: في تخفيف العذاب كما في حق أبي طالب.

[ ص: 491 ] السابعة: فيمن مات بالمدينة كما صح في الحديث.

وقد أوضحت هذه الأقسام في كتابي "غاية السول في خصائص الرسول"، وقد عرف بالاستفاضة سؤال السلف الصالح الشفاعة، ولا التفات إلى من كره سؤالها; لأنها لا تكون إلا للمذنبين، فقد تكون لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات، ثم كل عاقل معترف بالتقصير مشفق من الأمر الخطير، ويلزم هذا القائل أن لا يدعي بالمغفرة والرحمة; لأنهما لأصحاب الذنوب وهذا كله خارج عن المطلوب. اللهم لا تحرمنا شفاعة رسولك يا علام الغيوب.

التالي السابق


الخدمات العلمية