التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1165 1223 - حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عثمان بن عمر قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري قال : قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : يقول الناس أكثر أبو هريرة . فلقيت رجلا فقلت : بم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البارحة في العتمة ؟ فقال لا أدري . فقلت : لم تشهدها ؟ قال : بلى . قلت : لكن أنا أدري ، قرأ سورة كذا وكذا . [فتح: 3 \ 90]


ثم ذكر فيه عن عقبة بن الحارث : قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر ، فلما سلم قام سريعا دخل على بعض نسائه . . الحديث .

وعن الأعرج عن أبي هريرة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان . . " الحديث . قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : إذا فعل أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو قاعد . وسمعه أبو سلمة من أبي هريرة .

[ ص: 322 ] وعن سعيد المقبري قال : قال أبو هريرة : يقول الناس أكثر أبو هريرة . . الحديث .

الشرح :

أما أثر عمر فرواه ابن أبي شيبة ، عن حفص ، عن عاصم ، عن أبي عثمان النهدي عنه : إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة .

وحديث عقبة تقدم في باب : من صلى بالناس فذكر حاجته .

وحديث أبي هريرة الأول تقدم في الأذان ، ووجه إدخاله هنا : أذكر كذا إلى آخره . وقول أبي سلمة يأتي قريبا في السهو ، وحديثه الثاني من أفراده .

وأثر عمر إنما كان فيما يقل فيه التفكر ، يذكر في نفسه : أخرج فلانا ومعه كذا من العدد ، فيأتي على ما يريده في أقل شيء من الفكرة ، وأما إن تابع التفكر وأكثر حتى لا يدري كم صلى ، فهذا لاه في صلاته . قال ابن التين : ويجب عليه الإعادة .

وقول أبي هريرة : (يقول الناس : أكثر أبو هريرة ) . ثم ذكر ما قال للرجل ، وما قيل له فإنما يغبط الناس بحفظه ، وبينها لئلا ينساها ، وقد كان ابن شهاب يحدث خادمه بالحديث لئلا ينسى ، وليس من أهله ، وكان إذا خرج إلى البادية صنع طعاما لهم وحدثهم لئلا ينسى .

وفيه : أنه أكثر من العلم ، وكان حافظا له ضابطا . والإكثار ليس عيبا ، وإنما يكون عيبا فيه إذا خشي قلة الضبط ، فقد يكون من الناس [ ص: 323 ] غير مكثر من العلم ولا ضابط له مثل هذا الرجل لم يحفظ ما قرأ به - صلى الله عليه وسلم - في العتمة .

وفيه : أنه قد يجوز أن ينفي فعل الشيء عمن لم يحكمه ; لأن أبا هريرة قال للرجل : لم تشهدها ؟ يريد شهودا تاما ، فقال الرجل : بل شهدتها . كما يقال للصانع إذا لم يحسن صنعته : ما صنعت شيئا . يريدون الإتقان ، وللمتكلم : ما قلت شيئا . إذا لم يعلم ما يقول .

وقول الرجل لأبي هريرة : لا أدري بما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . يدل على أنه كان مفكرا في صلاته ، فلذلك لم يدر ما قرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

إذا تقرر ذلك : فالفكر في الصلاة أمر غالب لا يمكن الاحتراز من جميعه ، لما جعل الله للشيطان من السبيل إلى تذكيرنا ما يسهينا به عن صلاتنا ، وخير ما اشتغل به في الصلاة مناجاة الجليل جل جلاله ، ثم بعده الفكر في إقامة حدود الله كالفكر في تفريق الصدقة كما فعله - صلى الله عليه وسلم - ، أو في تجهيز جيش الله تعالى على أعدائه المشركين كما فعل عمر .

وروى هشام بن عروة ، عن أبيه : قال عمر : (إني ) لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة . ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه " للحض على الإقبال على الصلاة ، وليجاهد الشيطان في ذلك بما رغبهم فيه وأعلمهم من غفران الذنوب لمن أجهد نفسه فيه .

[ ص: 324 ] وهذا الانصراف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل في معنى التخطي ; لأن على الناس كلهم الانصراف بعد الصلاة ، فمن بقي في موضعه فهو مختار لذلك ، وإنما التخطي في الدخول في المسجد لا في الخروج منه .

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "اذكر كذا ، اذكر كذا " فإن أبا حنيفة أتاه رجل قد دفع مالا ثم غاب عن مكانه سنين ، فلما انصرف نسي الموضع الذي جعله ، فذكر ذلك لأبي حنيفة ; تبركا برأيه ، ورغبة في فضل دعائه ، فقال له أبو حنيفة : توضأ هذه الليلة وصل ، وأخلص النية في صلاتك لله ، وفرغ قلبك من خواطر الدنيا ، ومن كل عارض فيها . فلما جاء الليل فعل الرجل ما أمره به واجتهد أن لا يجري على باله شيئا من أمور الدنيا ، فجاءه الشيطان ، فذكره بموضع المال فقصده من وقته ، فوجده ، فلما أصبح غدا إلى أبي حنيفة فأخبره بوجوده للمال ، فقال أبو حنيفة : قدرت أن الشيطان سيرضى أن يشغله عن إخلاص فعله في صلاته لله تعالى ويصالحه على ذلك بتذكيره بما يقدمه من ماله ليلهيه عن صلاته استدلالا بهذا الحديث . فعجب جلساؤه من جودة انتزاعه لهذا المعنى الغامض من هذا الحديث ، وذكره ابن الجوزي في "الأذكياء " .

التالي السابق


الخدمات العلمية