التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1167 1225 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه أنه قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما ، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ، ثم سلم بعد ذلك . [انظر : 829 - مسلم : 570 - فتح: 3 \ 92]


ذكر فيه حديث عبد الله ابن بحينة أنه قال : صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين من بعض الصلوات . . الحديث .

[ ص: 328 ] وعنه : قام من اثنتين من الظهر . . الحديث .

وقد سلف في باب : من لم ير التشهد الأول واجبا . ويأتي قريبا ، وهذه الصلاة هي الظهر كما بينت في الطريق الثاني ، وهذا الحديث هو أحد الأحاديث التي عليها مدار باب سجود السهو ، وعليها تشعبت مذاهب العلماء .

ثانيها : حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين .

ثالثها : حديثه : "إذا لم يدر أحدكم كم صلى " .

رابعها : حديث عمران بن حصين .

خامسها : حديث ابن مسعود .

سادسها : حديث عبد الرحمن بن عوف .

وقوله : (ثم قام فلم يجلس ) . هو موضع استدلال البخاري في الترجمة .

وفيه سجود السهو قبل السلام ، وقد اختلف العلماء فيه على ثلاث فرق :

فرقة قالت : إنه قبل السلام مطلقا ، زيادة كان أو نقصانا ، وتعلقت بظاهر هذا الحديث ، وهو أظهر أقوال الشافعي ، ورواية عن أحمد ،

[ ص: 329 ] حكاها أبو الخطاب ، وهو مروي عن أبي هريرة ومكحول والزهري وربيعة والليث ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي .

واحتجوا أيضا بحديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف في ذلك ، أخرجه الترمذي وابن ماجه ، قال الترمذي : حسن صحيح ، والحاكم وقال : صحيح الإسناد ، وقال مرة : على شرط مسلم .

وقال البيهقي : وصله يحيى بن عبد الله ، وهو ضعيف .

وطرقه الدارقطني في "علله " ثم قال : فرجع الحديث إلى إسماعيل بن مسلم ، وهو ضعيف .

واحتجوا أيضا بأحاديث :

أحدها : حديث أبي سعيد الخدري ، وفيه : "يسجد سجدتين قبل أن يسلم " أخرجه مسلم منفردا به ، ورواه مالك مرسلا ، وقال الدارقطني :

[ ص: 330 ] القول لمن وصله . وخالف البيهقي فقال : كان الأصل الإرسال .

ثانيها : حديث معاوية ، أخرجه النسائي من حديث ابن عجلان ، عن محمد بن يوسف مولى عثمان ، عن أبيه ، عنه ، ثم قال : ويوسف ليس بمشهور .

قلت : ذكره ابن حبان في "ثقاته " ، وقال الدارقطني : لا بأس به .

وأخرجه البيهقي في "المعرفة " وقال : وكذلك فعله عقبة بن عامر الجهني وقال : السنة الذي صنعت . وكذا سجدهما ابن الزبير ، كما قاله أبو داود ، وهو قول الزهري .

قال البيهقي : قد اختلف فيه عن عبد الله بن الزبير .

ثالثها : حديث أبي هريرة ، وسيأتي ، وأخرجه مسلم والأربعة .

[ ص: 331 ] رابعها : حديث ابن عباس أخرجه الدارقطني .

خامسها : حديث ابن مسعود ، وغير ذلك من الأحاديث . قال الترمذي : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ، وهو قول الشافعي ، يرى سجود السهو كله قبل السلام ، ويقول : هذا الناسخ لغيره من الأحاديث . ويذكر أن آخر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على هذا .

وهو قول أكثر الفقهاء من أهل المدينة مثل يحيى بن سعيد وربيعة وغيرهما ، وقال الشافعي في القديم : أخبرنا مطرف بن مازن ، عن معمر ، عن الزهري قال : سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدتي السهو قبل السلام وبعده ، وآخر الأمرين قبل السلام . وذكر أن صحبة معاوية متأخرة ، وفي "سنن حرملة " : سأل عمر بن عبد العزيز ابن شهاب : [متى] تسجد سجدتي السهو ؟ فقال : قبل السلام ; لأنهما من الصلاة وما كان من الصلاة فهو مقدم قبل السلام . فأخذ به عمر بن عبد العزيز .

ثم ذكر حديث أبي هريرة الذي فيه : قبل أن يسلم ثم (يسلم ) . وقد سلف ، وقال : ففي روايته ورواية معاوية ، وصحبته متأخرة . وحديث ابن بحينة تأكيد هذه الطريقة التي رواها مطرف .

[ ص: 332 ] قلت : وتحتمل الأحاديث التي جاء فيها : بعد السلام ، أن يكون المراد : بعد السلام على رسول الله في التشهد ، أو تكون أخرت سهوا وعلم به بعده .

وقالت فرقة أخرى أنه بعده مطلقا ، وهو قول أبي حنيفة والثوري والكوفيين ، وهو مروي عن علي وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعمار وابن عباس وابن الزبير وأنس والنخعي وابن أبي ليلى والحسن البصري ، واستدسلوا بأحاديث :

أحدها : حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين .

ثانيها : حديث ابن مسعود ، وقد سلف الأول في باب : تشبيك الأصابع في المسجد وغيره ، ويأتي أيضا ، والثاني في باب : ما جاء في القبلة ، ويأتي بعد ، وخبر الواحد رواه الجماعة كلهم ، وفيه : فسجد سجدتين بعد ما سلم .

ثالثها : حديث عمران بن حصين ، أخرجاه والأربعة ، ورجح ابن القطان انقطاعه فيما بين ابن سيرين وعمران .

[ ص: 333 ] رابعها : حديث عبد الله بن جعفر ، أخرجه أبو داود والنسائي ، وقال : فيه مصعب بن شيبة ، وهو منكر الحديث وعتبة بن الحارث ، وليس بمعروف ، وقيل : عقبة ، وقال أحمد : لا يثبت .

وقال البيهقي : إسناده لا بأس به . وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " ، وقال : الصحيح عتبة لا عقبة .

خامسها : حديث المغيرة بن شعبة ، رواه أبو داود والترمذي وصححه . قال البيهقي في "المعرفة " : وإسناد حديث ابن بحينة أصح .

[ ص: 334 ] واحتجوا أيضا بحديث ثوبان ، وفيه مقال ، وبحديث ابن عمر وأنس وسعد .

وقالت فرقة ثالثة : كله قبله إلا في موضعين الذين ورد سجودهما بعده ، وهما : إذا سلم في بعض من صلاته ، أو تحرى الإمام فبنى على غالب ظنه ; لحديث ذي اليدين : سلم من ركعتين وسجد بعد السلام .

وحديث عمران : سلم من ثلاث وسجد بعد السلام .

وحديث ابن مسعود في التحري بعد السلام ، وهو قول أحمد بن [ ص: 335 ] حنبل ، وبه قال سليمان بن داود الهاشمي من أصحاب الشافعي ، وأبو خيثمة ، وابن المنذر .

وذكر الترمذي عن أحمد قال : ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سجدتي السهو فيستعمل كل على جهته ، وكل سهو ليس فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر فقبل السلام .

وقال إسحاق نحو قول أحمد في هذا كله ، إلا أنه قال : كل سهو ليس فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر فإن كانت زيادة في الصلاة يسجدهما بعد السلام وإن كان نقصا فقبله .

وحكى أبو الخطاب عن أحمد مثل قول إسحاق ، وهو قول مالك وأبي ثور ، وأحد أقوال الشافعي .

وعن ابن مسعود : كل شيء شككت فيه من صلاتك من نقصان ركوع أو سجود فاستقبل أكبر ظنك ، واجعل سجدتي السهو من هذا النحو قبل السلام ، أو غير ذلك من السهو واجعله بعد التسليم .

[ ص: 336 ] وقال علقمة والأسود : يسجد للنقص ولا يسجد للزيادة . حكاه عنهما الشيخ أبو حامد وابن التين ، وهو عجيب .

وقالت الظاهرية : لا يسجد للسهو إلا في المواضع الخمسة التي سجد فيها الشارع ، وغير ذلك فإن كان فرضا أتى به ، وإن كان ندبا فليس عليه شيء .

قال داود : تستعمل الأحاديث في مواضعها على ما جاءت عليه ، ولا يقاس عليها ، وقال ابن حزم : سجود السهو كله بعد السلام إلا في موضعين ، فإن الساهي فيهما مخير بين أن يسجد سجدتي السهو بعد السلام ، وإن شاء قبله .

أحدها : من سها فقام من ركعتين ولم يجلس ولم يتشهد -فهذه سواء كان إماما أو فذا- فإنه إذا استوى قائما فلا يحل له الرجوع إلى الجلوس ، فإن رجع وهو عالم بأن ذلك لا يجوز ذاكرا لذلك بطلت صلاته ، وإن فعل ذلك ساهيا لم تبطل ، وهو سهو يوجب السجود ، ولكن يتمادى في صلاته ، فإذا أتم التشهد الأخير فإن شاء سجد السهو قبل السلام ، وإن شاء بعده .

والثاني : أن لا يدري في كل صلاة تكون ركعتين أصلى ركعة أم ركعتين ؟ وفي كل صلاة تكون ثلاثا أصلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثا ؟ وفي كل صلاة رباعية كذلك ، فهذا يبني على الأقل ، فإذا تشهد الأخير فهو غير كما ذكرنا .

وللشافعي قول آخر : أنه يتخير إن شاء قبل السلام وإن شاء بعده ، والخلاف عندنا في الإجزاء ، وقيل : في الأفضل . وادعى الماوردي [ ص: 337 ] اتفاق الفقهاء -يعني : جميع العلماء- عليه .

وقال صاحب "الذخيرة " الحنفي : لو سجد قبل السلام جاز عندنا .

قال القدوري : هذا في رواية الأصول قال : وروي عنهم أنه لا يجوز ; لأنه أداه قبل وقته . ووجه رواية الأصول أن فعله حصل في فعل مجتهد فيه ، فلا يحكم بفساده ، وهذا لو أمرناه بالإعادة يتكرر عليه السجود ، ولم يقل به أحد من العلماء ، وذكر في "الهداية " أن هذا الخلاف في الأولوية .

وذكر ابن عبد البر : كلهم يقولون : لو سجد قبل السلام فيما يجب السجود (بعده ) أو بعده فيما يجب قبله لا يضر ، وهو موافق لنقل الماوردي السالف .

وقال الحازمي : طريق الإنصاف أن نقول : أما حديث الزهري الذي فيه دلالة على النسخ ففيه انقطاع ، فلا يقع معارضا للأحاديث الثابتة ، وأما بقية الأحاديث في السجود قبل السلام وبعده قولا وفعلا ، فهي وإن كانت ثابتة صحيحة وفيها نوع تعارض ، غير أن تقديم بعضها على بعض غير معلوم برواية موصولة صحيحة ، والأشبه حمل الأحاديث على التوسع وجواز الأمرين .

[ ص: 338 ] فوائد :

الأولى : الحديث دال على سنية التشهد الأول والجلوس له ، إذ لو كانا واجبين لما جبرا بالسجود كالركوع وغيره ، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة ، وقال أحمد في طائفة قليلة : هما واجبان ، وإذا سها جبرهما بالسجود على مقتضى الحديث .

الثانية : التكبير مشروع لسجود السهو بالإجماع ، وقد ذكر في حديث الباب وفي حديث أبي هريرة أيضا ، وكان من شأنه - صلى الله عليه وسلم - أن يكبر في كل خفض ورفع ، ومذهبنا تكبيرات الصلاة كلها سنة غير تكبيرة الإحرام فركن وهو قول الجمهور ، وأبو حنيفة يسمي تكبيرة الإحرام واجبة ، وعن أحمد في رواية ، والظاهرية أنها كلها واجبة .

الثالثة : الصحيح عندنا أنه لا يتشهد وكذا في سجود التلاوة كالجنازة ، ومذهب أبي حنيفة : يتشهد .

وقال ابن قدامة : إن كان قبل السلام سلم عقب التكبير ، وإن كان [ ص: 339 ] بعده تشهد وسلم . قال : وبه قال ابن مسعود والنخعي ، وقتادة والحكم وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي في التشهد والتسليم ، وعن النخعي : أيضا يتشهد لها ولا يسلم ، وعن أنس والحسن والشعبي وعطاء : ليس فيهما تشهد ولا تسليم ، وعن سعد بن أبي وقاص وعمار وابن أبي ليلى وابن سيرين وابن المنذر : فيهما تسليم بغير تشهد .

قال ابن المنذر : التسليم فيهما ثابت من غير وجه ، وفي ثبوت التشهد عنه نظر .

وقال أبو عمر : لا أحفظه مرفوعا من وجه صحيح .

وعن عطاء : إن شاء تشهد وسلم وإن شاء لم يفعل .

وفي "شرح الهداية " : يسلم ثنتين . وبه قال الثوري وأحمد ، ويسلم عن يمينه وشماله . وفي "المحيط " : ينبغي أن يسلم واحدة عن يمينه ، وهو قول الكرخي وبه قال النخعي كالجنازة . وفي "البدائع " : يسلم تلقاء وجهه .

[ ص: 340 ] وفي صفة السلام منهما روايتان عن مالك :

إحداهما : أنه في السر والإعلان لسائر الصلوات .

والثانية : أنه يسر ولا يجهر به ، وكذا الخلاف في الجنازة .

الرابعة : لا يتكرر السجود حقيقة فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما ترك التشهد الأول ، والجلوس له اكتفى بسجدتين ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وعن الأوزاعي : إذا سها سهوين مختلفين تكرر ويسجد أربعا ، وقال ابن أبي ليلى : يتكرر السجود بعد السهو ، وقال ابن أبي حازم وعبد العزيز بن أبي سلمة : إذا كان عليه سهوان في صلاة واحدة ، منه ما يسجد له قبل السلام ، ومنه ما يسجد له بعد السلام ، فليفعلهما كذلك .

الخامسة : جمهور العلماء على أن سجود السهو في التطوع كالفرض ، وقال ابن سيرين وقتادة : لا سجود فيه ، وهو قول غريب ضعيف عن الشافعي .

السادسة : متابعة الإمام عند القيام من هذا الجلوس واجب ، وقد وقع كذلك في الحديث ، ويجوز أن يكونوا علموا حكم هذه الحادثة أو لم يعلموا فسبحوا ، وأشار إليهم أن يقوموا ، نعم اختلفوا فيمن قام من اثنتين ساهيا هل يرجع إلى الجلوس ؟

فقالت طائفة بهذا الحديث ، وأن من استتم قائما ، واستقل من الأرض فلا يرجع وليمض في صلاته ، وإن لم يستو قائما جلس ،

[ ص: 341 ] وروي ذلك عن علقمة وقتادة وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو قول الأوزاعي وابن القاسم في "المدونة " والشافعي .

وقالت أخرى : إذا فارقت أليته الأرض وإن لم يعتدل فلا يرجع ويتمادى ويسجد قبل السلام . رواه ابن القاسم عن مالك في "المجموعة " .

وقالت ثالثة : يقعد وإن كان استتم قائما ، روي ذلك عن النعمان بن بشير والنخعي والحسن البصري إلا أن النخعي قال : يجلس ما لم يفتتح القراءة ، وقال الحسن : ما لم يركع .

وفي "المدونة " لابن القاسم قال : إن أخطأ فرجع بعد أن قام سجد بعد السلام . وقال أشهب وعلي بن زياد : قبل السلام ; لأنه قد وجب عليه السجود في حين قيامه ، ورجوعه إلى الجلوس زيادة ، وقال سحنون : تبطل صلاته . قال ابن القاسم : ولا يرجع إذا فارق الأرض ولم يستتم قيامه ، وخالفه ابن حبيب .

وعلة الذين قالوا : يقعد وإن استتم قائما القياس على إجماع الجميع أن المصلي لو نسي الركوع من صلاته وسجد ثم ذكر وهو ساجد أن عليه أن يقوم حتى يركع ، فكذلك حكمه إذا نسي قعودا في موضع قيام حتى [ ص: 342 ] قام أن عليه أن يعود له إذا ذكره ، والصواب كما قال الطبري : قول من قال : إذا استوى قائما يمضي في صلاته ولا يقعد فإذا فرغ سجد للسهو لحديث الباب أنه - صلى الله عليه وسلم - حين اعتدل قائما لم يرجع إلى الجلوس بعد قيامه ، وقد روي عن عمر وابن مسعود ومعاوية وسعيد والمغيرة بن شعبة ، وعقبة بن عامر أنهم قاموا من اثنتين فلما ذكروا بعد القيام لم يجلسوا وقالوا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك .

وفي قول أكثر العلماء أنه من رجع إلى الجلوس بعد قيامه من ثنتين أنه لا تفسد صلاته إلا ما ذكر ابن أبي زيد عن سحنون أنه قال : أفسد الصلاة برجوعه .

والصواب : قول الجماعة ; لأن الأصل ما فعله ، وترك الرجوع رخصة ويبينه أن الجلسة الأولى لم تكن فريضة ; لأنها لو كانت فريضة لرجع ، وقد سجد عنها فلم يقضها ، والفرائض لا ينوب عنها سجود ولا غيره ، ولابد من قضائها في العمد والسهو .

وقد شذت فرقة فأوجبت الأولى فرضا ، وقالوا : هي مخصوصة من بين سائر الصلاة أن ينوب عنها سجود السهو كالعرايا من المزابنة ، وكالوقوف بعد الإحرام لمن وجد الإمام راكعا ، لا يقاس عليها شيء من أعمال البر في الصلاة .

ومنهم من قال : هي فرض . وأوجب الرجوع إليها ما لم يعمل المصلي بعدها ما يمنعه من الرجوع إليها ، وذلك عقد الركعة التي قام [ ص: 343 ] إليها برفع رأسه منها ، وقولهم مردود بحديث الباب فلا معنى للخوض فيه ، وإنما ذكر ليعرف فساده .

ونقل ابن بطال إجماع العلماء على أن من ترك الجلسة الأولى عامدا أن صلاته فاسدة ، وعليه إعادتها ، قالوا : وهي سنة على حالها فحكم تركها عمدا حكم الفرائض . ولا يسلم له هذا الإجماع ، نعم أجمعوا على أن الجلسة الأخيرة فريضة إلا ابن علية فقال : ليست بفرض قياسا على الجلسة الوسطى ، واحتج بحديث الباب في القيام من ثنتين ، والجمهور حجة على من خالفهم على أنه يوجب فساد من لم يأت بأعمال الصلاة كلها سننها وفرائضها ، وقوله مردود بقوله ، ويرده أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - : "وتحليلها التسليم " والتسليم لا يكون إلا بجلوس فسقط قوله .

السابعة : قوله : (فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه ) أي : قارب قضاءها وأتى بجميعها غير السلام ، ولو طال سجود السهو قبل السلام ، فهل يعاد له التشهد ؟ فيه روايتان عن مالك :

أشهرهما : نعم ، وإن انصرف عن صلاته فذكر سجدتي السهو قبل [ ص: 344 ] السلام بالقرب ، قال محمد : يسجدهما في موضع ذكر ذلك إلا في الجمعة يتمها في المسجد ، وإن أتم ذلك في غير المسجد لم تجزه الجمعة .

قال الشيخ أبو محمد : يريد إذا فاتتا قبل السلام ; ووجهه أنه سجود من صلاة الجمعة قبل التحلل منها ، فلا يكون إلا في موضع الجمعة لسجود الصلاة .

الثامنة : السجود في الزيادة لأحد معنيين ; ليشفع ما قد زاد إن كان زيادة كثيرة ، كما سيأتي الحديث فيه .

وإن كانت قليلة فالسجدتان ترغمان أنف الشيطان -كما نطق به الحديث أيضا - الذي أسهى واشتغل حتى زاد فأغيظ الشيطان بهما ; لأن السجود هو الذي استحق إبليس بتركه العذاب في الآخرة والخلود في النار ، فلا أرغم له منه .

فرع :

سها في سجدتي السهو لا سهو عليه ، قاله النخعي والحكم وحماد ومغيرة وابن أبي ليلى والبتي والحسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية