التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1168 [ ص: 345 ] 2 - باب: إذا صلى خمسا

1226 – حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسا ، فقيل له : أزيد في الصلاة ؟ فقال : "وما ذاك " . قال : صليت خمسا . فسجد سجدتين بعد ما سلم . [انظر : 401 - مسلم : 572 - فتح: 3 \ 93]


ذكر فيه حديث علقمة عن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسا ، فقيل له : أزيد في الصلاة ؟ فقال : "وما ذاك ؟ " . قال : صليت خمسا . فسجد سجدتين بعدما سلم .

هذا الحديث تقدم في باب : ما جاء في القبلة ، وهذا الحديث دال لمذهب مالك وأبي حنيفة ، وقد تقدم من أدلة من رجح أنه قبل السلام حديث أبي سعيد ، وأن عطاء أرسله .

وحديث ابن مسعود لا مزيد على إسناده في الجودة ، وكذا ما في معناه ، والخبر السالف اضطرب في وصله وإرساله .

وحاصل المذاهب سبعة :

كله بعد السلام ، قاله أبو حنيفة .

كله قبله ، قاله الشافعي .

الزيادة بعد والنقص قبل .

وكذا إذا اجتمعا ، قاله مالك .

المتيقن أنه نقص والسهو المشكوك فيه قبله ، والمتيقن أنه زيادة بعد ، قاله ابن لبابة ، وذكر الداودي نحوه عن مالك .

[ ص: 346 ] الكل سواء ، قاله مالك في "المجموعة " .

يسجد للنقص فقط دون زيادة ، قاله علقمة والأسود .

إذا اجتمع سهو نقص وزيادة سجدهما ، قاله الأوزاعي وعبد العزيز .

واختلف العلماء فيمن قام إلى خامسة ، فقالت طائفة بظاهر هذا الحديث : إن ذكر وهو في الخامسة قبل كمالها رجع وجلس وتشهد وسلم ، وإن لم يذكر إلا بعد فراغه من الخامسة ; فإنه يسلم ويسجد للسهو وصلاته مجزية عنه ، هذا قول عطاء والحسن والنخعي والزهري ، وإليه ذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور .

وقال أبو حنيفة : إذا صلى الظهر خمسا ساهيا نظر ; فإن لم يقعد في الرابعة قدر التشهد فإن صلاة الفرض قد بطلت ، ويضيف إلى الخامسة سادسة ، وتكون نافلة ، ويعيد الفرض ، وإن جلس في الرابعة مقدار التشهد فصلاته مجزئة ويضيف إلى الخامسة سادسة ، وتكون الخامسة والسادسة نفلا ، وإن ذكر وهو في الخامسة قبل أن يسجد فيها ولم يكن جلس في الرابعة رجع إليها فأتمها كما يقول ، وسجد للسهو بعد السلام .

[ ص: 347 ] ولا ينفك أصحاب أبي حنيفة في هذا الحديث عن أحد وجهين : إما أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قعد في الرابعة قدر التشهد ، فإذا سجد ولم يزد على الخامسة سادسة أو لم يقعد فإنه لم يعد الصلاة ، وهم يقولون قد بطلت صلاته ، ولو كانت باطلة لم يسجد - صلى الله عليه وسلم - للسهو ، ولأعاد الصلاة .

وعبارة شيخنا قطب الدين في تحرير مذهب أبي حنيفة : ذهب أصحابه إلى أنه إن سها عن القعدة حتى قام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة ، وذلك لأنه لم يستحكم خروجه من الفرض وألغى الخامسة ; لأن ما دون الركعة ليس له حكم الصلاة بدليل النهي ، ويسجد للسهو لتأخير الواجب ، وإذا قيد الخامسة بسجدة استحكم دخوله في ركعة كاملة في النفل فخرج به عن الفرض قبل تمامه فبطلت صلاته ، وإن كان قعد في الرابعة مقدار التشهد ثم سها وقام إلى الخامسة وقيدها بسجدة ضم إليها ركعة أخرى ، وتمت صلاته ، وكانت الركعتان له نافلة ويسجد للسهو .

قالوا : وحديث ابن مسعود محمول عندهم على ما إذا قعد في الرابعة مقدار التشهد ، وذلك لأن الراوي قال : صلى خمسا . ولا ظهر بدون ركنه وهو القعدة الأخيرة .

قال السرخسي منهم :

وإنما قام إلى الخامسة على ظن أن هذه القعدة الأولى ، والصحيح أنهما لا ينوبان عن سنة الظهر ; لأن شروعه فيهما لم يكن عن قصد ، وفي صلاة العصر لا يضم إلى الخامسة ركعة أخرى بل يقطع التنفل بعد الفرض .

[ ص: 348 ] وروى هشام عن محمد أنه يضيف إليها ركعة أخرى ، وكذا روى الحسن عن أبي حنيفة ، وهو الصحيح ; لأن الكراهة إنما تقع إذا كان التنفل بعده عن قصد .

وفي "قاضي خان " : إذا قام قدر التشهد ، روى البلخي عن أصحابنا أنه لا يتابعه القوم ; لأنه أخطأ بيقين ، ولكن ينتظرونه قعودا حتى يعود ، ويسلموا معه ، فإن قيد الخامسة بالسجدة سلم القوم .

ثم الحديث دال لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أن من زاد في صلاته ركعة ناسيا لا تبطل صلاته ، بل إن علم بعد صلاته فقد مضت صلاته صحيحة ، ويسجد للسهو إن ذكر بعد السلام بقريب ، وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد ، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود ، سواء كان في قيام أو ركوع أو سجود أو غيرها ، ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم .

والزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة ، سواء قلت أو كثرت إذا كانت من جنس الصلاة ، فلو زاد ركوعا أو سجودا أو ركعة أو ركعات كثيرة ساهيا فصلاته صحيحة في كل ذلك ، ويسجد للسهو استحبابا لا إيجابا .

وحكى القاضي عياض عن مذهب مالك أنه إن زاد نصف الصلاة لم تبطل صلاته بل هي صحيحة ويسجد للسهو ، وإن زاد النصف فأكثر فمن أصحابه من أبطلها ، وهو قول مطرف وابن القاسم ، ومنهم من قال : إن زاد ركعتين بطلت ، وإن زاد ركعة فلا ، وهو قول عبد الملك وغيره .

[ ص: 349 ] وقال ابن قدامة : متى قام إلى خامسة في الرباعية أو إلى رابعة في المغرب أو إلى ثالثة في الصبح لزمه الرجوع متى ما ذكر فيجلس ، فإن كان قد تشهد عقب الركعة التي تمت بها صلاته سجد للسهو وسلم ، وإن كان ما تشهد تشهد وسجد للسهو ثم سلم ، وذكر قول أبي حنيفة ، وقال : ونحوه قال حماد بن أبي سليمان ، قال : وقال قتادة والأوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا : يضيف إليها أخرى ، فتكون الركعتان تطوعا ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد : "ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم " ، "وإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته ، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان " ، أخرجه مسلم ، وفي أبي داود وابن ماجه : "كانت الركعة له نافلة وسجدتان " ، ولنا حديث ابن مسعود ، يعني هذا . ثم قال : والظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجلس عقب الأربعة ; لأنه لم ينفل ، ولأنه قام إلى خامسة معتقدا أنه قام عن ثالثة ، ولم تبطل صلاته بهذا ، ولم يضف إلى الخامسة أخرى ، وحديث أبي سعيد حجة عليهم أيضا ، فإنه جعل الزائدة نافلة من غير أن يفصل بينها وبين التي قبلها بجلوس ، وجعل السجدتين يشفعانها ولم يضم إليها ركعة أخرى .

ثم في بعض طرق هذا الحديث فقال : أزيد في الصلاة شيء ؟ فقال : "إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون ، وأنسى كما تنسون ، فإذا نسي [ ص: 350 ] أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس " . ثم تحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد .

وهو مما يستشكل ظاهره ; لأن ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم هذا الكلام بعد أن ذكر أنه زاد أو نقص قبل أن يسجد للسهو ، ثم بعد أن قاله سجد للسهو ، ومتى ذكر كذلك فالحكم أنه يسجد ولا يتكلم ، ولا يأتي بمناف للصلاة ، والجواب عنه من أوجه :

أحدها : أن (ثم ) هنا ليست لحقيقة الترتيب ، وإنما هي لعطف جملة على جملة ، وليس معناه أن التحويل والسجود كان بعد الكلام ، بل إنما كانا قبله .

ويؤيده أنه جاء في حديث ابن مسعود هذا : فزاد أو نقص ، فلما سلم قيل له : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : "وما ذاك ؟ " قالوا : صليت كذا وكذا ، فثنى رجليه واستقبل القبلة ، فسجد سجدتين ثم سلم ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال : "إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به ، ولكن إنما أنا بشر " الحديث .

وهي صريحة أن التحول والسجود كان قبل الكلام فتحمل الثانية عليها جمعا بين الروايتين ، وحمل الثانية على الأولى أولى من عكسه ; لأن الأولى على وفق القواعد .

ثانيها : أن يكون هذا قبل تحريم الكلام .

ثالثها : أنه وإن كان عامدا بعد السلام لا يضره ، وهو أحد وجهي أصحابنا ، أنه إذا سجد لا يصير عائدا إلى الصلاة حتى لو أحدث فيه لا تبطل صلاته ، والأصح : نعم .

[ ص: 351 ] وقولهم : أزيد في الصلاة ؟ سؤال من جوز النسخ على ما ثبت من العبادة ، ويدل على هذا أنهم كانوا يتوقعونه .

وقوله : "وما ذاك ؟ " سؤال من لم يشعر ما وقع منه ، ولا يقين عنده ولا غلبة ظن .

وقال ابن حبان : إخبار ذي اليدين أن الشارع تكلم على أن الصلاة قد تمت ، وذو اليدين توهم أن الصلاة ردت إلى الفريضة الأولى فتكلم على أنه في غير صلاة ، وأن صلاته قد تمت ، فلما استثبت - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، كان من استثباته على يقين أنه قد أتمها ، وجواب الصحابة له ; لأنه كان من الواجب الإجابة عليهم ، وإن كانوا في الصلاة ، فأما اليوم فالوحي قد انقطع وأقرت الفرائض ، فإن تكلم الإمام ، وعنده أن الصلاة قد تمت بعد السلام لم تبطل ، وإن سأل المأمومين فأجابوه بطلت ، وإن سأل بعض المأمومين الإمام عن ذلك بطلت صلاته ، والعلة في سهو الشارع التعلم .

والله الهادي إلى الصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية