التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1169 [ ص: 352 ] 3 - باب: إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث ، فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول

1227 - حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر فسلم ، فقال له ذو اليدين : الصلاة يا رسول الله ، أنقصت ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : "أحق ما يقول ؟ " . قالوا : نعم . فصلى ركعتين أخريين ، ثم سجد سجدتين . قال سعد : ورأيت عروة بن الزبير صلى من المغرب ركعتين ، فسلم وتكلم ، ثم صلى ما بقي وسجد سجدتين ، وقال : هكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - . [انظر : 482 - مسلم : 573 - فتح: 3 \ 96]


ذكر فيه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر فسلم ، فقال له ذو اليدين . . الحديث .

وقد سلف في باب : هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس .

وأخرجه أيضا النسائي ، وقال : لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث : ثم سجد سجدتين غير سعد بن إبراهيم ، يعني : الراوي عن أبي سلمة .

قال البيهقي : ويحيى بن أبي كثير لم يحفظ سجدتي السهو عن أبي سلمة ، وإنما حفظهما عن ضمضم بن جوشن ، عن أبي هريرة ، وقد حفظهما سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، ولم يحفظهما الزهري لا عن أبي سلمة ، ولا عن جماعة حدثوه بهذه القصة عن أبي هريرة . ثم ذكر اختلافا فيه عنه .

[ ص: 353 ] وقوله في آخر الحديث : (قال سعد : ورأيت عروة بن الزبير صلى من المغرب ركعتين ، فسلم وتكلم ، ثم صلى ما بقي وسجد سجدتين ، وقال : هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .

قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا غندر عن شعبة عن سعد . فذكره .

وقال أبو نعيم : رواه -يعني : البخاري - عن آدم عن شعبة ، وزاد : قال سعد : ورأيت عروة . . . إلى آخره .

وأورده الإسماعيلي من طريق معاذ ويحيى ، عن شعبة ، ثنا سعد بن إبراهيم : سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة . . الحديث . ثم قال في آخره : رواه غندر : فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين . لم يقل : ثم سلم ثم سجد . ثم قال : لم يتضمن هذا الحديث ما ذكره في الترجمة ، وخرج ما ذكره من ترجمة هذا الباب في الباب الذي يليه .

وكذا قال ابن التين : لم يأت في الحديث بشيء بما يشهد السلام من ثلاث ، وقد قال سحنون : إنما يجوز ذلك لمن سلم من ثنتين على مثل خبر ذي اليدين ، وكذا قوله : فسجد مثل سجود الصلاة أو أطول . لم يأت فيه بشيء ، لكن في الباب الذي بعده : فسجد مثل سجوده أو أطول .

وذكر السلام من الثلاث مسلم من حديث عمران في حديث ذي اليدين ، فأشار إليه في الترجمة كما فعل في باب : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة . لم يذكره كذلك وإنما أشار إليه فيها .

[ ص: 354 ] وقوله : (الظهر أو العصر ) . بين في "الموطأ " أنها العصر ، وفي البخاري في كتاب : الأدب أنها الظهر ، وفي رواية : إحدى صلاتي العشي .

وفي كتاب أبي الوليد : إحدى صلاتي العشاء . ولعله غلط من الكاتب .

وقوله : (فقال له ذو اليدين ) اسمه الخرباق ، وقد سلف ، وهذا على باب الإنكار لفعله مع أنه شرع الشرائع ، وعنه يؤخذ ، إلا أنه جوز عليه النسيان ، وجوز أن يكون حدث فيها تقصير ، فطلب منه بيان ذلك ، فصادف سؤاله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقينا أن صلاته كملت أو شكا في ذلك .

وقوله : فقال : "أحق ما يقول ؟ " يحتمل أن يقوله وهو متيقن كمال صلاته فيستشهد على رد قول ذي اليدين بقولهم ، وتبين هذا بقوله في الخبر الآخر : "كل ذلك لم يكن " . تيقنا منه لكمال صلاته ، ولو شك في تمامها لأخذ من الإتيان بما شك فيه ، فلما أخبروه بتصديق قول ذي اليدين طرأ عليه الشك فأخذ في التمام .

ويحتمل أن يقوله وهو شاك في تمامها بقول ذي اليدين ، فأراد اليقين ، وجاز له الكلام مع الشك ; لأنه تيقن كمالها وحدوث الشك [ ص: 355 ] بعده ، فوجب الرجوع إليها ، وهذا أصل مختلف فيه للمالكية يرد لأصحابهم مسائل منه اختلفوا فيها .

قال ابن حبيب : إذا سلم الإمام على يقين ثم شك بنى على يقينه ، وإن سأل من خلفه فأخبروه أنه لم يتم فقد أحسن ، وليتم ما بقي وتجزئهم .

ولو كان الفذ سلم من اثنتين على يقين ثم شك ، فقال أصبغ : لا يسأل من خلفه ، فإن فعل فقد أخطأ ، بخلاف الإمام الذي يلزمه الرجوع إلى يقين من معه .

فهذه المسألة مبنية على أن الشك بعد السلام على اليقين مؤثر يوجب الرجوع إلى الصلاة ، إلا أنهم لم يجعلوا ذلك كمن شك داخل الصلاة ; لأنه لو شك ذا قبل السلام لم يجز له أن يسأل أحدا ، فإن فعل استأنف ، قاله ابن حبيب . وكذا لو سلم على شك ثم سألهم . وقيل : يجزئه .

وقوله : (فصلى ركعتين أخراوتين ) . كذا وقع في أكثر الروايات ، وصوابه : أخرتين . وكذا وقع في بعضها ، نبه عليه ابن التين .

فرع في التكبير للرجوع : قال ابن نافع : إن لم يكبر بطلت صلاته ; لأنه خرج منها بالسلام .

وقال ابن القاسم عن مالك : كل من جاز له البناء بعد الانصراف لقرب ذلك فليراجع بإحرام .

ومتى يكبر ؟ قال ابن القاسم : يكبر ثم يجلس . وقال غيره : يحرم [ ص: 356 ] وهو جالس ، فإن لم يدخل بإحرام ففي الفساد قولان ، قال الأصيلي : ورجوعه بنية يجزئه عن ابتداء الإحرام كما فعل الشارع .

تنبيه :

نقل ابن التين عن القاضي أنه قال في "إشرافه " : اجتمع على الشارع أشياء من السهو : كلامه ، وسلامه من اثنتين ، واستثباته ، فسجد لهن سجودا واحدا فصار فيه حجة إذا وجب عليه سجود يكفيه سجدتان وإن كثر ، وقال الأوزاعي وعبد العزيز : إذا وجب عليه سجود قبل وسجود بعد سجدهما جميعا .

ثم ما ترجم به البخاري رد على أهل الظاهر في قولهم : إنه لا يسجد أحد من السهو إلا في المواضع الخمسة التي سجد فيها الشارع : وهو السلام من ثنتين على حديث ذي اليدين ، والقيام من ثنتين على حديث ابن بحينة إلا أنه يجعل السجود في ذلك بعد السلام ، أو من صلى الظهر خمسا على حديث ابن مسعود ، وفي البناء على اليقين على حديث أبي سعيد الخدري ، وفي التحري على حديث ابن مسعود .

وجماعة الفقهاء يقولون : إن من سلم في ثلاث ركعات أو قام في ثلاث ، أو نقص من صلاته ما له بال ، أو زاد فيها فعليه سجود السهو ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - علم الناس في السلام من ثنتين والقيام منها وزيادة خامسة ، وفي البناء على اليقين والتحري سجود ; ليستعملوا ذلك في كل سهو يكون في معناه .

واحتجوا في ذلك أيضا بحديث ابن مسعود : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر الصواب ، فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين "

[ ص: 357 ] فأمر الشارع بالسجود لكل سهو ، وهو عام إلا أن يقوم دليل .

وفي قصة ذي اليدين من الفقه : أن اليقين لا يجب تركه بالشك حتى يأتي بيقين يزيله ، ألا ترى أن ذا اليدين كان على يقين من أن فرض صلاتهم تلك أربع ركعات ، فلما أتى بها على غير تمامها ، وأمكن القصر من جهة الوحي ، وأمكن النسيان لزمه أن يسبقهم حتى يصيره إلى يقين يقطع به الشك .

وفيه أيضا : أن من سلم ساهيا في صلاته وتكلم وهو يظن أنه قد أتمها ، فإنه لا يضره ذلك ويبني على صلاته .

واختلف قول مالك كيف (يرجع ) المصلي إلى إصلاح صلاته ؟

فقال في "المدونة " : كل من رجع لإصلاح ما بقي عليه من صلاته فليرجع بإحرام . وقال في رواية ابن وهب : إنه إن لم يكبر فلا يضره ذلك مع إمام كان أو وحده . وقال ابن نافع : إن لم يدخل بإحرام أفسد صلاته على نفسه وعلى من خلفه إن كان إماما .

وقال الأصيلي : رواية ابن وهب هي القياس ; لأن رجوعه إلى صلاته بنية تجزئه من ابتداء إحرام كما فعل الشارع ، وهذا أسلفناه عنه . وقال غيره : إن لم يكبر في رجوعه لا شيء عليه ، ثم هو حجة للشافعي ومالك في عدم إبطال الصلاة بالكلام ناسيا -خلافا لأبي حنيفة وأصحابه- والثوري والنخعي وقتادة .

[ ص: 358 ] وابن وهب وابن كنانة المالكيان قالا : إنما كان حديث ذي اليدين في بدء الإسلام ، ولا أرى لأحد أن يفعله اليوم ، والعمد لمصلحة الصلاة يبطلها عندنا ، خلافا لمالك .

وقال الأوزاعي : إن تكلم لغرض يجب عليه لم تفسد صلاته ، وإن كان لغير ذلك فسدت والفرض عليه رد السلام ، أو أن يرى أعمى يقع في بئر فينهاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية