التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1174 [ ص: 365 ] 6 - باب: إذا لم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا ، سجد سجدتين وهو جالس .

1231 - حدثنا معاذ بن فضالة ، حدثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان ، فإذا قضي الأذان أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا وكذا . ما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى ، فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ثلاثا أو أربعا ، فليسجد سجدتين وهو جالس " . [انظر : 608 - مسلم : 389 - فتح: 3 \ 103]


ذكر فيه حديث أبي هريرة : "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط . . " الحديث .

سلف في باب الأذان ، وتذكر الرجل الشيء في الصلاة . وذكرنا هناك أنه إنما يفعل الشيطان ذلك ; لئلا يشهد للمؤذن بما يسمعه منه ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يسمع مدى صوت المؤذن " الحديث . فيفعل اللعين ذلك مرارا ، وذكرنا هناك غير هذا أيضا .

وقوله : ( "فإذا ثوب بها " ) أي : أقيمت الصلاة .

وقوله : ( "فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه " ) قد سلف الخلاف في ضبط "يخطر " . وقال ابن التين : وقع هنا عند أبي الحسن بضاد غير مرفوعة -أي : غير مشالة - وقال : هكذا قرأ لنا أبو زيد ، والصواب : يخطر .

[ ص: 366 ] وقوله : "حتى يظل " أي : لا يعرف كم صلى .

ثم اعلم أن حديث أبي هريرة هذا بخلاف حديث أبي سعيد : "إذا شك أحدكم فليطرح الشك ، وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم " . وذكر الطبري عن بعض أهل العلم أنه يأخذ بأيهما أحب لعدم التأريخ ، ومنهم من رجح حديث أبي سعيد بالقياس ; لأن محمل من شك أنه لم يفعل ، والركعة في ذمته بيقين ، فلا تبرأ بشك .

وقال أبو عبد الملك : يحمل حديث أبي هريرة هذا على من استنكحه السهو ، وقال : لو كان حكمه حكم حديث أبي سعيد لبينه .

وردوه عليه ، والأولى أن يكون حديث أبي سعيد مفسرا له ، وأن بعض الرواة قصر في ذكره ، على أن حديث أبي هريرة حمل على كل ساه ، وأن حكمه السجود ، ويرجع في بيان حكم المصلي فيما يشك فيه وفي موضع سجوده من صلاته إلى سائر الأحاديث المفسرة ، وهو قول أنس وأبي هريرة والحسن وربيعة ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور وإسحاق ، وما حمله عليه أبو عبد الملك هو ما فسره الليث بن سعد ، وقاله مالك وابن القاسم .

وعن مالك قول آخر : لا يسجد له أيضا . حكاه ابن نافع عنه ، وقال ابن عبد الحكم : لو سجد بعد السلام كان أحب إلي .

[ ص: 367 ] وقال آخرون : إذا لم يدر كم صلى أعادها أبدا حتى يحفظ . روي عن ابن عباس وابن عمر والشعبي وشريح وعطاء وسعيد بن جبير ، وبه قال الأوزاعي . وحكي عن عطاء وميمون بن مهران وسعيد بن جبير قول آخر : إنهم إذا شكوا في الصلاة أعادوها ثلاث مرات ، فإذا كانت الرابعة لم يعيدوا . وهما مخالفان للآثار كلها ، وكأنهما قصدا الاحتياط ، ولا معنى لمن حد ثلاث مرات .

فرع : لو غلب على ظنه التمام فهو شك عندنا وعند مالك وأصحابه ، وقيل : تجزئه بحديث ابن مسعود في التحري .

وهو مذهب أبي حنيفة قال : من شك في صلاته فلم يدر كم صلى ; فإن وقع له ذلك كثيرا بنى على اجتهاده وغالب ظنه ، وإن كان ذلك أول ما عرض له فليستأنف صلاته .

وحديث ابن مسعود فيه : "فليتحر الصواب ، فيتم ما بقي ; ثم يسجد سجدتين " ذكره البخاري في الإيمان والنذور كما ستعلمه . وهو لا يقوم يتم بل يستأنف ، والحديث بخلافه .

وروي عن مكحول والأوزاعي أنه من بنى على اليقين فليس عليه سجدتان ، ومن لم يبن فليسجد . ذكره الطبري ، وهو خلاف حديث ابن مسعود وغيره في السجود لمن بنى على اليقين ، وهو خلاف قول الفقهاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية