التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1176 [ ص: 369 ] 8 - باب: إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع

1233 - حدثنا يحيى بن سليمان قال : حدثني ابن وهب قال : أخبرني عمرو ، عن بكير ، عن كريب ، أن ابن عباس ، والمسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها ، فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر وقل لها : إنا أخبرنا أنك تصلينهما وقد بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها . وقال ابن عباس : وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنهما . فقال كريب : فدخلت على عائشة رضي الله عنها فبلغتها ما أرسلوني . فقالت : سل أم سلمة . فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها ، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة . فقالت أم سلمة رضي الله عنها : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنها ، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ، ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فأرسلت إليه الجارية فقلت : قومي بجنبه ، قولي له : تقول لك أم سلمة : يا رسول الله ، سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما . فإن أشار بيده فاستأخري عنه . ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال : "يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان " [4370 - مسلم : 834 - فتح: 3 \ 105]


ذكر فيه حديث غريب أن ابن عباس ، والمسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن الأزهر أرسلوه إلى عائشة . . الحديث .

وهو حديث أم سلمة عن الركعتين بعد العصر ، وفيه : فأشار بيده فاستأخرت عنه . وأخرجه مسلم ،

ويأتي في المغازي أيضا ، وذكره تعليقا في باب ما يصلى بعد [ ص: 370 ] العصر من الفوائت ونحوها ، فقال : وقال كريب : عن أم سلمة : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر ركعتين . الحديث ، وقد سلف .

وقوله : (كنت أضرب مع عمر الناس عليها ) . كذا هو بالضاد المعجمة ، وهو الصحيح ; لأنه جاء في "الموطأ " : كان عمر يضرب عليها . روى السائب بن يزيد أنه رأى عمر يضرب المنكدر على الصلاة بعد العصر . وروي : أصرف . بالصاد المهملة والفاء .

واختلف العلماء في الإشارة المفهمة في الصلاة ، فقال مالك والشافعي : لا تقطع الصلاة . وقال أبو حنيفة وأصحابه : تقطعها كالكلام . واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعا : "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ، ومن أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد "

واحتج الأولون بحديث الباب وقالوا : قد جاء من طرق متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإشارة مفهمة ، فهي أولى من هذا الحديث ، وليست الإشارة [ ص: 371 ] في طريق النظر كالكلام ; لأن الإشارة إنما هي حركة عضو ، وقد رأينا حركة سائر الأعضاء غير اليد في الصلاة لا تفسدها وكذلك حركة اليد .

وفيه : جواز استماع المصلي إلى ما يخبره به من ليس في الصلاة ، وقد روى موسى عن القاسم أن من أخبر في الصلاة بما يسره فحمد الله ، أو بمصيبة فاسترجع ، أو يخبر بالشيء فيقول : الحمد لله على كل حال ، أو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . فلا يعجبني وصلاته مجزئة ، ومداومته - صلى الله عليه وسلم - على هاتين الركعتين بعد العصر دائما من خصائصه ، وليس لنا ذلك على الأصح .

وفيه : أنه ينبغي أن يسأل أعلم الناس بالمسألة ، وأن العلماء إذا اختلفوا يرفع الأمر إلى الأعلم والأفقه لملازمة سبقت له ، ثم يقتدى به وينتهى إلى فعله .

وفيه : فضل عائشة وعلمها ; لأنهم اختصوها بالسؤال قبل غيرها ، وإنما رفعت المسألة إلى أم سلمة ; لأن عائشة كانت تصليهما بعد العصر ، وعلمت أن عند أم سلمة من علمها مثل ما عندها ، وأنها قد رأته - صلى الله عليه وسلم - يصليهما في ذلك الوقت في بيتها ، فأرادت عائشة أن تستظهر بأم سلمة ; تقوية لمذهبها ; من أجل ظهور نهيه - صلى الله عليه وسلم - عنها ; وخشية الإنكار ; لقولها متفردة . وقد حفظ عن عائشة أنها قالت : ما تركهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي سرا ولا جهرا ، تريد : جهرا منها ، وكان لا يصليهما في المسجد ; مخافة أن يثقل على أمته .

[ ص: 372 ] وادعى ابن بطال أن الركعتين صلاهما ذلك اليوم في بيت أم سلمة هنا غير اللتين كان يلتزم صلاتهما في بيت عائشة بعد العصر ، وإنما كانت الركعتان بعد الظهر على ما جاء في الحديث ، فأراد إعادتهما ذلك الوقت ; أخذا بالأفضل ، لا أن ذلك واجب عليه في سننه ; لأن السنن والنوافل إذا فاتت أوقاتها لم يلزم إعادتها . هذا لفظه ، ولا يسلم له ، وبناه على مذهبه في السنن ، وعندنا أنها تقضى أبدا .

وقال ابن التين : مذهب عائشة أنها تبيح النافلة في هذا الوقت ، وأقسمت أنه - صلى الله عليه وسلم - ما تركها في بيتها . وقال مثل قولها داود ، خاصة أنه لا بأس بعد العصر ما لم تغرب ، ودليل مالك والجمهور النهي .

التالي السابق


الخدمات العلمية