التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1181 1238 - حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا شقيق ، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من مات يشرك بالله شيئا دخل النار " . وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة . [4497 ، 6683 - مسلم : 92 - فتح: 3 \ 110]


[ ص: 382 ] ثم ذكر فيه حديث أبي ذر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتاني آت من ربي فأخبرني -أو قال : بشرني- أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟! قال : "وإن زنى وإن سرق " .

وحديث شقيق عن عبد الله : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار " . وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة .

الشرح :

ترجمة الباب بعض من حديث صحيح أخرجه أبو داود عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " قال الحاكم : صحيح الإسناد . ولأبي زرعة عند وفاته فيه حكايته ، أخبرنا بها الوجيه العوفي السكندري المعمر مشافهة ، عن [ ص: 383 ] ابن رواح عامة ، أنا السلفي ، أنا أبو علي البرداني ، ثنا إبراهيم بن هناد النسفي ، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد القطان ، ثنا أبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة الرازي قال : حضرت مع أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي عند أبي زرعة الرازي وهو في النزع فقلت لأبي حاتم : تعال حتى نلقنه الشهادة ، فقال أبو حاتم : إني لأستحي من أبي زرعة أن ألقنه الشهادة ، ولكن تعال حتى نتذاكر الحديث فلعله إذا سمعه يقول ، فبدأت فقلت : حدثنا أبو عاصم النبيل ، ثنا عبد الحميد بن جعفر ، فارتج علي الحديث حتى كأني ما سمعته ولا قرأته ، فبدأ أبو حاتم فقال : حدثنا محمد بن بشار ، ثنا أبو عاصم النبيل ، عن عبد الحميد بن جعفر ، فارتج عليه كأنه ما قرأه ، فبدأ أبو زرعة فقال : حدثنا محمد بن بشار ، ثنا أبو عاصم النبيل ، ثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي عريب ، عن ابن سيرين مرة ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله " وخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول : "دخل الجنة " وذلك سنة اثنتين وستين ومائتين .

وقول وهب وقع في حديث مرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه البيهقي من حديث معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له حين بعثه إلى اليمن : "إنك ستأتي أهل كتاب فيسألونك عن مفتاح الجنة ، فقل شهادة [ ص: 384 ] أن لا إله إلا الله ، ولكن مفتاح بلا أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك " .

وفي "سيرة ابن إسحاق " : لما أرسل العلاء بن الحضرمي : "إذا سئلت عن مفتاح الجنة ، قل : معناها لا إله إلا الله " .

وفي "مسند أبي داود الطيالسي " من حديث أبي يحيى القتات عن مجاهد ، عن جابر مرفوعا : "مفتاح الجنة الصلاة " .

وذكر أبو نعيم في كتابه "أحوال الموحدين الموقنين " أن أسنان هذا المفتاح في الطاعات الواجبة من القيام بطاعة الله تعالى وتأديتها ، والمفارقة للمعاصي ومجانبتها .

وكذا قال ابن بطال : إنه أراد بالأسنان القواعد التي بني الإسلام عليها التي هي كمال الإيمان ودعائمه خلاف قول الغالية من المرجئة [ ص: 385 ] والجهمية الذين يقولون : إن الفرائض ليست إيمانا ، وقد سماها الله تعالى إيمانا بقوله : وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة : 143] أي : صلاتكم إلى بيت المقدس ، وقال تعالى : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه [النور : 62] واستئذانهم له عمل مفترض عليهم فسموا به مؤمنين كما سموا بإيمانهم بالله ورسوله .

وقال الداودي : قول وهب بمعنى التشديد ، ولعله لم يبلغه حديث أبي ذر ، وحديث عتبان ، وحديث معاذ فيتأمل المعنى : من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه فهو مفتاح له أسنان ، إلا أنه إن خلط ذلك بالكبائر حتى مات مصرا عليها لم تكن أسنانه بالتامة ، فربما طال علاجه ، وربما يسر له الفتح بفضله .

[ ص: 386 ] وروي عن عبد الله بن معقل قال : كان وهب بن منبه [جالسا] في مجلس ابن عباس فسئل : أليس تقول : إن مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال علي : وجدت في التوراة : ولكن اتخذوا له أسنانا ، فسمع ذلك ابن عباس فقال : أسنانه والله عندي :

أولها : شهادة أن لا إله إلا الله ، وهو المفتاح .

والثاني : الصلاة ، وهو القنطرة .

والثالث : الزكاة ، وهي الطهور .

والرابع : الصوم ، وهو الجنة .

والخامس : الجهاد .

والسادس : الأمر بالمعروف وهو الألفة .

والسابع : الطاعة ، وهي العصمة .

والثامن : الغسل من الجنابة وهي السريرة . وقد خاب من لا سن له ، هذا والله أسنانها
.

وحديث أبي ذر يأتي في اللباس أيضا .

وفيه : "ما من عبد قال : لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : "وإن زنى وإن سرق " ثلاثا "على رغم أنف أبي ذر " وكان أبو ذر إذا حدث به يقول : وإن رغم أنف أبي ذر .

قال أبو عبد الله : هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال : لا إله إلا الله ، غفر له .

[ ص: 387 ] وهو يوضح ما استبعد من أنه ليس موافقا التبويب الذي فيه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ; إذ فيه : ثم مات على ذلك . ودل أيضا أن من قالها وارتعد ومات على اعتقادها كذلك . ففي مسلم من حديث عثمان مرفوعا : "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " .

وفيه من حديث أبي هريرة : "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " ولابن ماجه مثله من حديث عبد الله بن جعفر بزيادة : "الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين " .

وحديث عبد الله أخرجه البخاري في موضع آخر بلفظ : قال رسول الله كلمة وقلت أخرى . قال : "من مات يجعل لله ندا دخل النار " وقلت : من مات لا يجعل لله ندا دخل الجنة . وفي رواية وكيع وابن نمير لمسلم بالعكس : "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " وقلت أنا : من مات يشرك بالله شيئا دخل النار .

[ ص: 388 ] وفيه رد على من قال : إن ابن مسعود سمع أحد الحكمين ، فرواه وضم إليه الحكم الآخر قياسا على القواعد الشرعية . الظاهر أنه نسي مرة وهي الأولى وحفظ مرة وهي الأخرى فرواهما مرفوعين كغيره من الصحابة . ودخول المشرك النار دخول تأبيد .

إذا تقرر ذلك فالإجماع قائم على أن من مات على ذلك دخل الجنة لكن بعد الفصل بين العباد ، ورد المظالم إلى أهلها ، فيزحزح عنها ويباعد ويعجل له الدخول ، أو يصيبه سفع من النار بكبائر ارتكبها .

وفيه رد على الرافضة والإباضية وأكثر الخوارج في قولهم : إن أصحاب الكبائر والمذنبين من المؤمنين يخلدون في النار بذنوبهم ، والقرآن ناطق بتكذيبهم قال تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء : 48] والحجة عليهم أن قبول العمل يقتضي ثوابا ، والتخليد ينافيه . وقد أخبر الصادق في كتابه : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها [النساء : 40] . وترك المثوبة على الإحسان لا يليق بالربوبية . وقول ابن مسعود السالف أصل في القول بدليل الخطاب وإثبات القياس .

وقول أبي ذر : وإن زنى وإن سرق ؟ إنما ذكره لأنه - عليه السلام - قال : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وما في معناه ، فوضح له - عليه السلام - إن وقع ذلك منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية