التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1183 1240 - حدثنا محمد ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن الأوزاعي قال : أخبرني ابن شهاب قال : أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " . تابعه عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر . ورواه سلامة ، عن عقيل . [ مسلم : 2612 - فتح: 3 \ 112]


ذكر فيه حديث البراء أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع ، ونهانا عن سبع . . الحديث .

وحديث أبي هريرة : "حق المسلم على المسلم -فذكر منها- : واتباع الجنائز " .

أما حديث البراء فأخرجه البخاري في عشرة مواضع من "صحيحه " ، وسقط منه هنا الخصلة السابعة من المنهي عنها ، وهي [ ص: 390 ] ركوب المياثر ، أخرجها في الاستئذان والأشربة وفي موضع ، عن المياثر الحمر . وجاء : وإبرار القسم أو المقسم . وفي أصل الدمياطي : القسم ، وفي الحاشية : المقسم من غير شك . وهنا : عن خاتم الذهب . وفي موضع آخر : عن خواتيم أو تختم الذهب . وفي موضع : عن خاتم الذهب أو خواتيم الذهب . وفي موضع مسلم : الشرب في آنية الفضة ، فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة . وفي لفظ : إفشاء السلام ، بدل : رده .

وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم بزيادة : وتنصح له إذا غاب أو شهد "وإذا استنصحك فانصحه " . وشيخ البخاري فيه محمد هو الذهلي صرح به غير واحد .

[ ص: 391 ] وقول البخاري : تابعه عبد الرزاق ، أنا معمر ، ورواه سلامة ، عن عقيل . هذه المتابعة أخرجها مسلم عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري .

إذا تقرر ذلك فالكلام على الحديث الأول من أوجه تحتمل مؤلفا :

أحدها :

إنما ذكر بعض الأوامر التي أمروا بها في وقت ، فمنها : اتباع الجنائز ، ودفنها ، والصلاة عليها من فروض الكفاية عند جمهور العلماء . وقال أصبغ : الصلاة عليه سنة ، والمشي عندنا أمامها بقربها أفضل وعند المالكية ثلاثة أقوال :

ثالثها :

المشاة أمامها ، ومشهور مذهبهم كمذهبنا . وقال أبو حنيفة : خلفها . وأما النساء فيتأخرن ، ويجوز عندهم للقواعد ويحرم على مخشية الفتنة ، وفيما بينهما الكراهة إلا في القريب جدا كالأب والابن والزوج .

والأصح عندنا الكراهة في اتباعهن فقط إذا لم يتضمن حراما ، وقيل : حرام . قال الداودي : فاتباع الجنائز حملها بعض الناس عن [ ص: 392 ] بعض ، قال : وهو واجب على ذي القرابة الحاضر والجار وكذا عيادة المريض ، ونراه التأكد لا الوجوب الحقيقي .

ثم الاتباع على ثلاثة أقسام : أن يصلي فقط ، فله قيراط . ثانيها : أن يذهب فيشهد دفنها ، فله اثنان . ثالثها : أن يكفنه .

وروي عن ابن عمر أنه كان يقرأ عنده بعد الدفن أول البقرة وخاتمتها .

ثانيها :

عيادة المريض ، وهي مطلوبة ، وفيها أحاديث جمة ذكر البخاري بعضها فيما يأتي ، وهي بعد ثلاث ، وفيه حديث .

[ ص: 393 ] ثالثها :

إجابة الداعي ، إن كانت إلى نكاح فجمهور العلماء على الوجوب ، قالوا : والأكل واجب على المفطر ، وعندنا مستحب . وغيرها يراه العلماء حسنا من باب الألفة وحسن الصحبة .

رابعها :

نصر المظلوم فرض على من قدر عليه ويطاع أمره .

[ ص: 394 ] وإبرار المقسم خاص فيما يحل ، وهو من مكارم الأخلاق ، فإن ترتب على تركه مصلحة فلا ، كقول الشارع للصديق لما قال له : "أصبت بعضا وأخطأت " فأقسم عليه ليخبره ، قال : "لا تقسم " ولم يخبره .

خامسها :

رد السلام فرض على الكفاية عند مالك والشافعي . وعند الكوفيين فرض عين على كل أحد من الجماعة ، وحكاه صاحب "المعونة " أيضا ، قال : الابتداء بالسلام سنة ورده آكد من ابتدائه .

وأقله : السلام عليكم .

قال مالك : ولا ينبغي سلام الله عليك .

سادسها :

تشميت العاطس بالمهملة والمعجمة متأكد ، وهو قوله في جواب العاطس : رحمك الله ، إذا حمد الله ، وليرد : يهديكم الله [ ص: 395 ] ويصلح بالكم . وروي عن الأوزاعي أن رجلا عطس بحضرته فلم يحمد ، فقال له : كيف تقول إذا عطست ؟ قال : الحمد لله ، فقال له : يرحمك الله . وجوابه كفاية خلافا لبعض المالكية : قال مالك : ومن عطس في الصلاة حمد في نفسه . وخالفه سحنون فقال : ولا في نفسه .

سابعها :

قوله : (ونهانا عن آنية الفضة ) هو نهي تحريم ، وكذا الذهب ; لأنه أشد ، فإن التختم به على الرجال حرام بخلاف الفضة والحرير والديباج والقسي والإستبرق كررها وهي كلها حرمه تأكيدا . والديباج بكسر الدال ، والقسي بفتح القاف وتشديد السين قال القزاز : والمحدثون تقوله بكسر القاف ، والوجه الفتح ، وهي ثياب مغلفة بالحرير ، تعمل بالقس بقرب دمياط . والإستبرق : ثخين الديباج على الأشهر ، وقيل : رقيقه . فالحرير حرام على الرجال من غير ضرورة وتداو .

وما غالبه الحرير حرام . وفي إجازته في الغزو قولان : الجواز لابن حبيب ، والمنع لغيره قال في "الواضحة " : ولم يختلفوا في إجازة لباس الخز . وليس بين الخز وما عداه من القطن وغيره فرق إلا الاتباع ، واعترض ابن التين فقال : ذكر في الحديث ستا ، ويحتمل أنه أراد آنية الفضة وآنية الذهب ، فاجتزئ بأحدهما عن الآخر ، وهو عجيب منه ، فقد ذكرناها لك فيما مضى فاستفدها .

وأما حديث أبي هريرة فالحق فيه بمعنى حق حرمته عليه ، وجميل [ ص: 396 ] صحبته له لا أنه من الواجب ، ونظيره حديث : "حق على المسلم أن يغتسل كل جمعة " وستأتي هذه الأحكام مبسوطة في مواطنها من الاستئذان والسلام ، ودعوة الوليمة وغير ذلك ، وإنما أشرنا إليها هنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية