التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1189 1246 - حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب -وإن عيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتذرفان- ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له " . [2798 ، 3063 ، 3630 ،3757 ، 4262 - فتح: 3 \ 116] .


ذكر فيه حديث أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه . . الحديث .

وحديث أنس أنه - عليه السلام - قال : "أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر . . " الحديث .

[ ص: 411 ] الشرح :

قال المهلب : هذا صواب الترجمة : باب : الرجل ينعى إلى الناس الميت بنفسه . وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم والأربعة . وحديث أنس من أفراده ، ويأتي في الجهاد ، وعلامات النبوة ، وفضل خالد في المغازي . والنعي : الإخبار . ولا بأس بالإعلام به للصلاة وغيرها لهذين الحديثين ، والحديث الآتي في الذي توفي ليلا : "ما منعكم أن تعلموني " بخلاف نعي الجاهلية فإنه مكروه ، وهو النداء بذكر مفاخره ومآثره ، وكان الشريف إذا مات أو قتل بعثوا راكبا إلى القبائل ينعاه إليهم .

وعليه يحمل ما رواه ابن ماجه والترمذي من حديث حذيفة قال : إذا مت فلا تؤذنوا لي أحدا ، إني أخاف أن يكون نعيا فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي . استغربه الترمذي .

[ ص: 412 ] وقال به الربيع بن خيثم وابن مسعود وعلقمة .

وهذا التفصيل هو الصواب الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة .

وحديث النجاشي أصح من حديث حذيفة .

وقال صاحب "البيان " -من أصحابنا- : يكره نعي الميت وهو أن ينادى في الناس أن فلانا قد مات ليشهدوا جنازته .

وفي وجه حكاه الصيدلاني : لا يكره .

وفي "حلية " الروياني -من أصحابنا- : الاختيار أن ينادى به ليكثر المصلون .

وقال الماوردي : اختلف أصحابنا هل يستحب الإيذان للميت [ ص: 413 ] وإشاعة موته في الناس بالنداء عليه والإعلام ، فاستحبه بعضهم لكثرة المصلين والداعين له . وقال بعضهم : لا يستحب ذلك وقال بعضهم : يستحب ذلك للغريب دون غيره ، وبه قال ابن عمر .

وجزم البغوي وغيره -من أصحابنا- بكراهة النعي والنداء عليه للصلاة وغيرها . وقال ابن الصباغ : قال أصحابنا : يكره النداء عليه ولا بأس أن يعرف أصدقاؤه ، وبه قال أحمد .

وقال أبو حنيفة : لا بأس به . ونقله العبدري عن مالك أيضا . ونقل ابن التين عن مالك كراهة الإنذار بالجنائز على أبواب المساجد والأسواق ; لأنه من النعي ، وهو من أمر الجاهلية . قال علقمة بن قيس : الإنذار بالجنائز من النعي ، وهو من أمر الجاهلية .

وقال البيهقي : ويروى النهي أيضا عن ابن عمر وأبي سعيد وسعيد بن المسيب وعلقمة وإبراهيم النخعي والربيع بن خثيم .

قلت : وأبي وائل وأبي ميسرة وعلي بن الحسين وسويد بن غفلة ومطرف بن عبد الله ونصر بن عمران - أبي جمرة - كما حكاه عنهم في "المصنف " .

[ ص: 414 ] والنجاشي : ملك الحبشة واسمه أصحمة -كما سيأتي في البخاري - بن أبجر ، وجاء صحمة بتقديم الحاء على الميم ، وعكسه ، وقيل : بالخاء المعجمة .

وقال مقاتل في "نوادره " : اسمه مكحول بن صصة .

[ ص: 415 ] ووقع في "صحيح مسلم " : كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي . وهو غير النجاشي الذي صلى عليه . ولعله عبر ببعض ملوك الحبشة عن الملك الكبير -ويسمى الأبجري- أو لآخر قام مقامه بعده ، فإنه اسم لكل من ملك الحبشة وقد تقدم .

وفي بعض طرقه "مات اليوم رجل صالح فقوموا للصلاة على أخيكم " . ومعناه : عطية . والنجاشي بتشديد الياء وتخفيفها بفتح النون وكسرها .

وفيه نزلت : وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم [آل عمران : 199] الآية وذلك لما صلى عليه قال قوم من المنافقين : صلى عليه وليس من أهل دينه فنزلت . وكان آمن به على يد جعفر بن أبي طالب ، وأخذ عمن هاجر إليه من أصحابه فآواهم وأسر إيمانه لمخالفته الحبشة له ، فلما مات نعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي مات فيه ، وهو من علامات نبوته . وقيل : سقطت عنه الهجرة إذ لم [ ص: 416 ] يمكنه ذلك .

وقوله : (خرج إلى المصلى ) يقتضي أن ذلك أمر يتعين عندهم في الصلاة على الجنازة . وفي السهيلي من حديث سلمة بن الأكوع أنه صلى عليه بالبقيع . وقد يستدل به على منع الصلاة في المسجد .

ويجاب بأنه خرج لكثرة المصلين والإعلام . وفيه حجة لمن جوز الصلاة على الغائب .

وبه قال الشافعي وابن جرير وأحمد خلافا لأبي حنيفة ومالك . وعن أبي حنيفة جوازه فيما قرب من البلاد ، حكاه ابن التين .

وكانت صلاته عليه في رجب ، سنة تسع . ومن ادعى أن الأرض طويت له حتى شاهده ، لا دليل له ، وإن كانت القدرة صالحة لذلك .

وسواء كان الميت في جهة القبلة أم لا . فالمصلي يستقبل ، صلى عليه أم لا ، قربت المسافة أم بعدت . واستحسن في "البحر " ما ذهب إليه الخطابي أنه يصلى عليه إذا لم يصل عليه أحد ، وكذا كانت قصة النجاشي .

[ ص: 417 ] ووقع في كلام ابن بطال تخصيص ذلك بالنجاشي ، قال : بدليل إطباق الأمة على ترك العمل بهذا الحديث -وأخطأ في ذلك - قال : ولم أجد لأحد من العلماء إجازة الصلاة على الغائب إلا ما ذكره ابن أبي زيد عن عبد العزيز بن أبي سلمة فإنه قال : إذا استؤذن أنه غرق أو قتل أو أكلته السباع ولم يوجد منه شيء صلي عليه كما فعل بالنجاشي ، وبه قال ابن حبيب .

وقال ابن عبد البر : أكثر أهل العلم يقولون : إن ذلك مخصوص به .

وأجازه بعضهم إذا كان في يوم الموت ، أو قريب منه .

قلت : وأبعد الحسن فيما حكاه عنه في "المصنف " : إنما دعا له .

يعني : ولم يصل عليه ، وهو عجيب .

فرع :

لو صلى على الأموات الذين ماتوا في يومه وغسلوا في البلد الفلاني ولا يعرف عددهم جاز ، قاله في "البحر " وهو صحيح لكن لا يختص ببلد .

فرع غريب : من فروع ابن القطان أن الصلاة على الغائب وإن جازت لكنها لا تسقط الفرض .

وقوله : (فصف بهم ) دليل على أن سنة هذه الصلاة الصف كسائر الصلوات وقوله : (فكبر أربعا ) . هذا آخر ما استقر عليه آخر أمره [ ص: 418 ] - عليه السلام - . وقال ابن أبي ليلى : يكبر خمسا ، وإليه ذهبت الشيعة .

وقيل : ثلاث ، قاله بعض المتقدمين . وقيل : أكثره سبع ، وأقله ثلاث ، ذكره القاضي أبو محمد .

وقيل : ست . ذكره ابن المنذر عن علي . وقال عن أحمد : لا ينقص من أربع ولا يزاد على سبع . وقال ابن مسعود : يكبر ما كبر إمامه .

ووقع في كلام ابن بطال : إنما نعى النجاشي وخصه بالصلاة عليه وهو غائب عنه ; لأنه كان عند أهل الإسلام على غير الإسلام فأراد أن يعلم بإسلامه . وفيه نظر ; لأنه - عليه السلام - نعى جعفر بن أبي طالب وأصحابه .

ومعنى قوله في حديث أنس : ( "لتذرفان " ) يعني : الدمع .

وفيه : جواز البكاء على الميت .

وفيه : أن الرحمة التي تكون في القلب محمودة .

[ ص: 419 ] وفيه : جواز التأسي بفعل الشارع .

وفيه : ما يغلب البشر من الوجد .

وقوله : ( "ثم أخذها خالد من غير إمرة " ) يعني : أنه لم يسمه حين قال : إن قتل فلان ففلان .

وفيه : جواز المبادرة للإمامة إذا خاف ضياع الأمر فرضي به الشارع فصار أصلا في الضرورات إذا وقعت في معالم أمر الدين .

وفيه : أن من تغلب من الخوارج ونصب حاكما فوافق حكمه الحق فإنه نافذ لحكم أهل العدل ، وكذلك أنكحتهم .

وفيه : أن الإمام الذي لا يد على يده يحكم لنفسه بما يحكم لغيره ، ويعقد النكاح لنفسه . وقد قطع الصديق يد السارق الذي سرق الحلي من بيته ، فحكم لنفسه .

[ ص: 420 ] وكذا إن كان لولده فهو حكم له ، وهو عندنا خاص بالشارع .

وفيه : جواز دخول الحظر في الوكالات وتعليقها بالشرائط ، ذكره الخطابي . وما ذكره من القطع لنفسه هو قول مالك ولكنه لا يغرمه .

وقال محمد بن عبد الحكم : لا يقطع ولا يغرمه .

فرع :

لم يذكر التسليم هنا في حديث النجاشي . وذكر في حديث سعيد بن المسيب ، رواه ابن حبيب عن مطرف عن مالك . واستغربه ابن عبد البر ، قال : إلا أنه لا خلاف علمته بين العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الفقهاء في السلام منها وإنما اختلفوا هل هي واحدة أو اثنتان ؟ فالجمهور على تسليمة واحدة ، وهو أحد قولي الشافعي ، وقالت طائفة : تسليمتين ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وهو قول الشعبي ، ورواه عن إبراهيم .

[ ص: 421 ] وممن روي عنه واحدة : عمر وابنه ، وعلي ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وجابر ، وأنس ، وابن أبي أوفى ، وواثلة ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وجابر بن زيد ، وابن سيرين ، والحسن ، ومكحول ، وإبراهيم في رواية . وقال الحاكم : صحت الرواية في الواحدة عن علي ، وابن عمر ، وابن عباس ، وجابر ، وأبي هريرة ، وابن أبي أوفى أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة .

قال ابن التين : وسأل أشهب مالكا : أيكره السلام في صلاة الجنائز ؟ قال : لا . وقد كان ابن عمر يسلم . قال : واستناد مالك إلى فعل ابن عمر دليل على أنه - عليه السلام - لم يسلم في صلاته على النجاشي ولا غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية